لا يمكن التكهّن بنجاح الحكومة الجديدة أو بفشلها - بقلم السفير جان معكرون

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, February 19, 2025

لا بدّ لمن يراقب ظروف وحيثيات تأليف الحكومة الجديدة من أن يتعرّض لها بالتحليل والتقييم والتعليق وفقاً للتالي:
- تردّد في وسائل الإعلام أن معظم الوزراء هم خرّيجو جامعات خاصّة سواء في لبنان أو خارجه وجرى التفاخر والتباهي بذلك بشكل أساء إلى جامعات أخرى لها تاريخها في لبنان. لكن الواقع يُشير إلى أننا شهدنا في لبنان وزارات عديدة تضمّنت وزراء متخرجين من هذه الجامعات الخاصة ولم يحقّقوا إنجازات تذكر، والدليل على ذلك ما وصلت إليه البلاد من إنهيار لمؤسساتها وفسادها. وهكذا يتبيّن لنا أن هؤلاء الوزراء ليسوا أكفأ من غيرهم أو أعلى درجة من المناقبيّة الأخلاقية والوطنية. ولا نغالي إذا قلنا أن تنشئة الشخص القادر على تولّي مسؤولية الحكم ليست متوقّفة فقط على إسم الجامعة أو مرتبتها العالمية بل أيضاً على نشأته العائلية والأخلاقية وعلى شبكة علاقاته الاجتماعية والثقافية وهذا فضلاً عن مجهوده الفكري الشخصي. فالحكم ليس جاهاً أو إمتيازاً بل هو عمل رؤيوي يبغي الخير العام ويسعى إلى تأمين مستقبل الأجيال القادمة.
- غالباً ما تُشكّل الحكومة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية من الحزب الذي يحصل على الغالبية النيابية كما هي الحال في بريطانيا وفرنسا إلى حدٍّ ما أو من ائتلاف الأحزاب المتجانسة كما هي الحال في إيطاليا. لكن حيث أن النظام اللبناني فريد من نوعه Sui generis وعلى الأخصّ من حيث وجود أحزاب متعدّدة ومرتبطة أيضاً بالطوائف فإنه تعذّر وجود غالبية نيابية قادرة على الحكم، فكان لا بدّ في ظلّ هذا النظام المتعدّد الأحزاب من أن تتألف الحكومة من موزاييك مكوّن من تجميع مرشّحي الأحزاب والفاعليات السياسية المتواجدة على الساحة السياسية. وهكذا رأينا أن الحكومة تشكّلت من مرشحين تمّ اقتراحهم من أحزاب معيّنة إضافة إلى معارف كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان. فيكون بذلك المؤهل لتولّي حقيبة وزارية كل من انتمى إلى حزب ما أو تيسّرت له فرصة بناء علاقات الصداقة والودّ مع كل من الرؤساء الثلاثة. ولا شك أن حقّ اقتراح أو تعيين الوزراء يعود إلى سلطة الرؤساء الاستنسابية.
- تحدّثت الصحف عن ترشيح أشخاص من طائفة معيّنة لتولي وزارات سُمّيت وزارات سيادية، لكن جهات سياسية رفضت ذلك بسبب حجّة عقيمة وهي أن هؤلاء المرشحين لا ينتمون إلى طائفة كبيرة.
وتعقيباً على هذا الحدث نرفع الصوت قائلين: ما هو الأساس القانوني والواقعي الذي اعتبر أن من ينتمي إلى طائفة كبيرة هو أهم وأكفأ وأرقى من غيره المنتمين إلى طائفة صغيرة. ولا يمكن أن ننكر أن هذا الواقع هو العنوان الأساسي للتفرقة والتمييز بين اللبنانيين وأن ذاكرة الوطن لم تنسَ أن التفرقة، بمعنى تهميش فئة معينة من الشعب اللبناني كانت أحد أسباب اندلاع الحرب الداخلية.
ومن قال وأفتى وقرّر وقضى أن الوزارات السيادية محجوزة فقط للوزراء المنتمين إلى طوائف كبيرة وأن المراكز الدبلوماسية في الدول العظمى هي أيضاً مكرّسة للسفراء المنتمين إلى طوائف كبيرة.
ومن زعم وادّعى أن أبناء الطوائف الكبيرة هم أكثر من غيرهم ولاء للوطن أو أكثر حرصاً على تطبيق القوانين والقيام بواجباتهم الوطنية، وهل يجوز ويحق لهم احتكار عزّة ورفعة الوطن.
والمؤسف أيضاً أن وسائل الإعلام قد درجت في الآونة الأخيرة على وسم بعض الطوائف بأنها مكوّن أساسي في الوطن ولقد سها عن بالهم أن إطلاق هذه التسمية تفترض أنّ الطوائف الأخرى هي مكوّن غير أساسي وتكون بذلك قد تضمّنت إساءة كبيرة إليها. ولا نكون بعيدين عن جادّة الصواب إذا اعتبرنا أن مظاهر التفريق والتمييز هذه بين أبناء الشعب الواحد تشكّل مخالفة للمادة 7 من الدستور التي نصّت على أن " كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسة ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم".
وفي إطار التعليل على صحّة رأينا حول مساوئ التمييز نشير إلى أن المراجع الدولية قد أشارت إلى أن التمييز هو أن تعامل شخصاً بصورة مختلفة وعلى نحو غير مناسب وذلك على أساس العرق أو الدين أو الجنس، مما يؤدي بصاحب العلاقة إلى خيبة أمله وعدم رضاه أو حتى إلى استعماله العنف.
- وكان الكاتب الأميركي Dashanne Stokes قد اعتبر "أن التمييز تمييز حتى لو أصبح تقليداً أو عرفاً". بمعنى أن الشيء غير الشريف وغير المنطقي هو سيء حتى لو أصبح تقليداً أو عرفاً.
- لفت انتباهنا أن العديد من الوزراء يحملون جنسية أجنبية أوروبية أو أميركية. ونطرح هذا السؤال، كيف سيوفّق هؤلاء الوزراء بين مصالح وطنهم الأول لبنان ووطنهم الثاني. وهل يجوز لوزير أو مسؤول سياسي لبنان أن يحمل جنسيتين؟
إن القوانين في لبنان وبعض الدول لا تمنع ازدواجية الجنسيّة. لكن المشكلة الأساسية تكمن في ازدواجية الولاء لوطنين. مهما يكن من أمر.
فإن تعدّد الجنسيات ولازمته تعدّد الولاآت لم يعد يشكّل معضلة على الصعيد القانوني بل أضحى فقط مشكلة على الصعيد الأدبي، لكن في عصرنا الحالي لم يعد يحسب حساب للأدبيات بسبب أولوية المصالح، فأصبح لصاحب العلاقة جنسيتان الأولى الأساسية أم الثانية هي الجنسية المكتسبة رغبة بما فيها منفعة له.
وذلك تماماً كفرق كرة السلة أو كرة القدم والتي أضحت تضّم لاعبين من جنسيات مختلفة يلعبون تحت راية علم واحد انضموا تحت ولائه لتحقيق مصلحة مشتركة وهي أن يربح فريقهم ويتقاضى أجره.
وهكذا يتجلّى لنا أن مسألة ازدواجية الجنسية والولاء أصبحت أكثر مرونة ولم تعد كما كانت في الماضي موضوعاً مثيراً للجدل أو إشكالياً ونذكر على العلم والمثال كيف أن الرئيس الأميركي تيودور روزفيلت قد اعتبر في أوائل القرن العشرين " أنه لا يوجد ولاء 50-50 في أميركا، فإما أن تكون أميركياً ولا شيء آخر أو ليس أميركياً على الإطلاق".
ممّا مرّ يتبيّن لنا أن مفهوم الوطنية قد تبدّل بفعل التطوّر إذ لم يعد مفهوماً وطنيّاً وجدانيّاً كما كان في السابق.
- كلمة حقّ تقال أن الحكومة الجديدة تضمنّت حضوراً نسائياً من خمسة وزيرات وهذا يشكّل تطوراً نوعياً في تاريخ تأليف الوزارات في لبنان. ولكن من قال أن الرجال هم أكفأ علماً وجدارة من النساء لكي يحصلوا على 19 حقيبة وزارية من أصل 24 في حين أن العنصر النسائي يشكّل أكثر من خمسين بالماية من إجمالي عدد السكان في لبنان. إضافة إلى ذلك فإن الوزيرات لم يحصلن على أي وزارة سيادية.
وأخيراً نقول أن الآمال معلّقة على الحكومة الجديدة ويؤمل أن تنجح في مهامها الصعبة وأن الوزراء الجدد هم حقاً في سباق مع الوقت ويترتّب عليهم أن يصنعوا فرقاً وهو التحدّي الكبير الذي يواجههم.
فالسلطة خدمة عامة ومسؤولية وطنية وإبداع وابتكار وإصلاح وتنمية عليهم أن يعملوا على وصل الليل بالنهار لكي يذكرهم التاريخ حتى لا يمرّوا كغيرهم مرور الكرام. وعليهم ألا يغتطبوا ويفرحوا باستلام السلطة بل عليهم أن يتهيّبوا لها وألاّ يخرجوا من السلطة فارغي الوفاض. وفي هذا السياق وكما خاطب الشاعر الروماني Virgil "فيرجيل" الإمبراطور أغسطس قائلاً: " أنك لا تملك من روما سوى البلاطة التي سيحفر عليها اسمك، فحاول أن تستحقها" وفي السياق ذاته نقول للوزراء إنكم لا تملكون من الوقت سوى سنة واحدة وأيام عدّة لكي تصنعوا فرقاً وتحقّقوا آمال الشعب فحاولوا أن تستحقّوا ثقة المواطن وتقديره.
وحيث أن الحكومة الجديدة في سباق مع الزمن فإنه يجدر بالبرلمان أن يفوّضها صلاحيات استثنائية بمراسيم اشتراعية بهدف تسريع حركة التشريع وفي سبيل تحقيق الإصلاح والتنمية. وحيث أن القانون هو الوسيلة القانونية العادية لتنفيذ سياسة الحكومة وخططها الإصلاحية والتنموية نرى من الملائم والمفيد أن تشترع الحكومة بواسطة مراسيم اشتراعية في ظلّ تقلّص فاعلية البرلمان وعدم قدرته على مواكبة سرعة تطوّر المجتمع وتزايد حاجاته الاقتصادية والتنموية وعلى الأخص أننا نعيش غي عالم متمايز بأن " الأسرع يأكل الأبطأ" وفقاً لمقولة Klaws schawb .
ويجدر بنا في الختام أن نقتبس هذه المقولة الهامة للكاتب الأميركي Michael Grunwald مخاطباً الرئاسة الأميركية كما قرأنا في صحيفة Herald Tribune بتاريخ 15/9/98 : " إن الرئاسة هي أكثر من مسؤولية تنفيذية، هي رمز مُلهم لأرقى وأسمى القيم والأهداف الأميركية". واستطراداً فإنه يترتّب على كل من هم رموز الوطن ألاّ يقدّموا التحيّة إلاّ للعلم الوطني وألاّ ينحنوا إلاّ للدستور والقانون وللإرادة الشعبية التي تهدف أولاً وآخراً إلى العيش بسلام وأن تنعم بالعدالة والمساواة وبحياة رغيدة.