الجريمة المتنقلة في لبنان تثير الرعب- بقلم ربى أبو فاضل

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, February 12, 2025

من الجعيتاوي في العاصمة بيروت إلى الضبية شرقاً، مرورا بالأشرفية إلى جبل لبنان في مزرعة يشوع، وصولا إلى بصاليم وفاريا، وإلى الجنوب بين صيدا والنبطية، جرائم قتل متنقلة حولت لبنان إلى مسرح لارتكاب الجرائم، حيث كثرت في الفترة الأخيرة جرائم القتل والسرقة بشكل كبير وغير مسبوق في اكثر من منطقة من لبنان.






الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ عام 2019 أدت إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة، مما ساهم في زيادة التوترات الاجتماعية وأعمال العنف، وضعف الثقة بالقضاء والأجهزة الأمنية المعنية. وغياب العقوبات الرادعة شجّع أصحاب السوابق وغيرهم من أصحاب النفوس الضعيفة، على إستسهال إرتكاب جرائمهم دون الخوف من العقاب، إضافة إلى انهيار الدولة بمعظم ركائزها وتزايد أعداد المغتربين من كافة الجنسيات، خصوصاً أن مرتكبي الجرائم في البلد ليسوا فقط من اللبنانيين، وانهيار قيمة العملة المحلية أدى إلى ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة، دفعت البعض إلى اللجوء إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات أو حتى للسرقة والنهب.


جرائم القتل المتتالية تدعو إلى دق ناقوس الخطر، نظراً لتكرارها في فترة زمنية قصيرة، فهذه الجرائم المتتالية هزت الرأي العام اللبناني، وأثارت غضباً شعبياً واسعاً، وطالب المجتمع بانزال العقاب بالمجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم غير آبهين بالمحاسبة، أو لثقتهم بالغطاء السياسي أو بشيوع ثقافة الإفلات من العقاب، كما طالبت الاصوات الشعبية بضبط الأوضاع الأمنية والحد من الفوضى والفلتان، والتشدد في تطبيق القوانين الرادعة.

غالبية المجرمين هم من فئة الشباب

الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، أشار إلى أنه "على خلاف ما يشاع في لبنان، فإن جرائم القتل انخفضت بشكل لافت خلال السنوات الماضية، ففي عام 2021 بلغ عدد جرائم القتل 190 جريمة، وفي عام 2022 انخفض الرقم إلى 178 جريمة، وفي عام 2023 انخفض مجدداً إلى 158 جريمة، وفي عام 2024 كان الرقم المسجل 153 جريمة".

ويشير الباحث إلى أن "عدد جرائم القتل خلال شهر كانون الثاني" 2024 بلغ 15 جريمة، بينما سجلت 13 جريمة في كانون الثاني 2025 ما أثار المخاوف، أنه في غضون خمسة أيام وقعت أربع جرائم، ما روج لفكرة أن أعداد الجرائم ارتفعت، لكن الواقع ليس كذلك، كما أن غالبية المجرمين هم من فئة الشباب وهذه ليست ظاهرة غريبة أو جديدة في لبنان".


وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار أكد أن "المرحلة المقبلة هي لاستتباب الأمن"، مضيفاً "بالطبع بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والتكاتف، ستكون مهمتنا في المرحلة المقبلة الحد من الجريمة وتوقيف كل مجرم فار من العدالة، لأن هم اللبناني بعد تجاوز قطوع الفراغ ، أن يستعيد حياته الطبيعية وحركته في الشوارع، وأن يطمئن على أولاده في بيئة آمنة".

تعاون تنسيق مع مختلف

الأجهزة العسكرية والأمنية

وانعكست الأحداث الأمنية الأخيرة على المواطنين والمقيمين في لبنان، إذ باتت تلاحقهم هواجس التعرض للسرقة أو القتل، مصدر في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي أكد إلى أنه "على الرغم من الظروف الأمنية الصعبة التي يمر فيها لبنان، فإننا على أهبة الاستعداد للقيام بواجباتنا الأمنية، لتأمين حماية اللبنانيين والمقيمين على مختلف الأراضي اللبنانية، وذلك بالتعاون والتنسيق مع مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية، وندعوهم إلى التحلي بروح المسؤولية من خلال التعاون معنا، لجهة الإبلاغ عن الجرائم التي يشاهدونها على رقم الطوارئ /112/، فالأمن مسؤولية مشتركة".

وفي هذا الإطارأعلن وزيرالداخلية والبلديات السابق بسام مولوي أنه في كانون الثاني 2025، تم توقيف 1920 شخصاً في مختلف الجرائم، للدلالة على الجهود التي تبذلها القوى الأمنية في حفظ الأمن.


شهدت البلاد ارتفاعا ملحوظا في جرائم القتل والعنف العشوائي، مما خلق بيئة مشحونة وغير آمنة في بعض المناطق، مما دفع الكثيرين باقتناء اسلحة فردية وهذه الظاهرة ليست بجديدة، لان اقتناء الأسلحة الفردية وإن كانت غير شرعية، تضاعفت بعد عزوف المواطنين عن ايداع اموالهم النقدية في المصارف، وتوقفوا عن استعمال الشيكات وبطاقات السحب وشيوع التداول بالنقد (الفريش)، حيث لجأ من ينقل الاموال الى حمل سلاح معه او في منزله ظنا منه ان في ذلك حماية شخصية له.


الجدير بالذكر أن قصة المسدسات التركية التي غزت السوق اللبنانية، أثارها الإعلام المحلي في أوقات سابقة، انطلاقاً من أسعارها المتدنية وانتشارها بين الصغار والكبار، من دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، التي يتم استيرادها عبر البحر والبر منذ سنوات، فيما حصد المستوردون الكبار لهذا النوع من السلاح، ثروات طائلة من الإتجار غير الشرعي بها.

أسلوب التربية ضمن

العائلة يلعب دوراً كبيراً

يشعر المواطن اليوم بانعدام الأمن والأمان وسط تصاعد وتيرة الجرائم، التي باتت تتنوع بين السرقات والاعتداءات والقتل العمد، مما يثير القلق حول الأسباب الكامنة وراء هذا التدهور الأمني . فخبراء علم النفس يشيرون إلى أنه قد لا يكون هناك سبب واحد وراء تكرار هذه الجرائم، بل يمكن أن تكون هناك مجموعة من العوامل التي تلعب دوراً في ذلك.

وفي هذا الإطار تشير الأخصائية والمعالجة النفسية فالنتينا عطية إلى أن "الشخص يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها سلبا أو إيجابا، فأسلوب التربية ضمن العائلة يلعب دوراً كبيراً في شخصية الفرد، خصوصاً إذا كان يعيش ضمن عائلة فيها كره وحب السيطرة، وحب التجربة والمغامرة، وكسر القوانين"، مضيفة "أصبحنا نعيش في مجتمعات تحتوي على تغييرات ثقافية وإعلامية تساهم في قيادة العنف بعدة طرق، وتطوّر عالم السوشال ميديا خلق أيضاً هاجساً سلبياً للأشخاص الذين هم تحت خط الفقر، وشكل لديهم سلوكاً من الغيرة والأنانية والطمع، وبالتالي لم يعد لديهم اكتفاء ذاتي، ما يعزز غريزة القتل والإجرام لديهم، كونهم غير راضين عن مستوى حياتهم، إضافة إلى الكثير من المشاكل النفسية التي تدفع الشخص إلى ارتكاب جرائم القتل، وكل حالة تختلف عن الأخرى".


وهنا يبرز السؤال الهام هل ينشأ الأطفال في لبنان في بيئة تعزز قدراتهم وثقتهم وتحميهم من العنف والاستغلال والانخراط في الجريمة؟ أم أنها بيئة تساهم في ازدياد خطر انخراطهم في السلوك الإجرامي وتطويره؟.

بدوره، أكد الاختصاصي في المعالجة النفسية أنطوان الشرتوني أن "الكثيرين يترعرعون في أحياء فقيرة تكثر فيها المشاكل، وفي محيط يمكن أن يشجع على مثل هذه السلوكيات، إلا أنهم لا يقدمون على ارتكاب جرائم، ولا يكونون من الأشخاص العدوانيين، كما يمكن أن ينمو أفراد في عائلات من الطبقة الميسورة، ويعانون مشكلات في السلوكيات ويتميزون بالعدوانية، وبالتالي لا يمكن التعميم، ولا يمكن التحدث أيضاً عن سبب معين مباشر، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى في علم النفس".

الحكومة الجديدة أمام تحديات كثيرة


تزايد العنف والجرائم في البلاد، يستدعي تدخلا عاجلا من جميع الجهات المعنية، ويضع الحكومة الجديدة أمام تحديات كثيرة للحد من الجريمة وبناء دولة متطورة ومتقدمة، فمواجهة هذه الظاهرة تتطلب اتخاذ إجراءات متعددة، ويعتبر تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي عاملا حاسما في تقليل دوافع الجريمة، إضافة إلى التوعية المجتمعية ونشر ثقافة الحوار وحل النزاعات بطرق سلمية، بدلا من اللجوء إلى العنف، ولا بد من مكافحة السلاح غير الشرعي، وتعزيز الأمن ودور الدولة وتفعيل القوانين، ليشكل رادعاً لإنتشار الجريمة. ونبقى على أمل أن تكون الحكومة الجديدة جسر العبور إلى لبنان الأمن والأمان.