بوليتيكو- إسرائيل تعمل على تحويل الضفة الغربية إلى غزة جديدة
شارك هذا الخبر
Monday, February 10, 2025
نشرت مجلة “بوليتيكو” تحقيقا للصحافية داليا حتوقة بعنوان “تحويل الضفة الغربية إلى غزة” وقالت فيه إن وقف إطلاق النار في غزة منح إسرائيل الفرصة لتحويل حربها باتجاه الضفة.
فبعد يوم واحد من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وبعد يومين من بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة، شنت القوات الإسرائيلية حربا جديدة على الفلسطينيين، وهذه المرة استهدفت الضفة الغربية.
فقد أُجبر الرجال والنساء والأطفال والشباب وكبار السن، بعضهم على الكراسي المتحركة، والبعض الآخر يستخدم العكازات، على الخروج من مخيم جنين للاجئين سيرا على الأقدام لأن القوات الإسرائيلية، التي حاصرت المخيم في محاولة لاستئصال المسلحين، حددت طريقا واحدا فقط للإخلاء، وهو الطريق الذي دمرته جرافاتها العسكرية في السابق. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن العملية العسكرية في المخيم المحاذي لمدينة جنين وأطلقوا عليها “عملية الجدار الحديدي” لـ “هزيمة الإرهاب في المنطقة” كما قالوا.
وتعتبر العملية تصعيدا في الحجم والكثافة وتختلف عن الهجمات السابقة. وقامت المقاتلات الحربية الإسرائيلية بغارات قتلت 25 شخصا فيما قام الجنود بتفجير بنايات في الأحياء السكنية. وجرفت الشوارع داخل المخيم، بما فيها الطريق المؤدي إلى مستشفى جنين الحكومي، المرفق الصحي العام الوحيد في المنطقة، ما أدى إلى إتلاف شبكات المياه والصرف الصحي والاتصالات.
وقد أصر حسن أبو سرية، 33 عاما، الذي يستخدم العكازات بسبب تمزق في كعبه على البقاء في بيته الذي يعيش فيه مع سبعة من أفراد العائلة، وهو ما فعله أثناء العمليات العسكرية السابقة. وأخبر الصحافية أن مسيرة جاءت بعد ذلك وهو يمشي ببطء خارج البيت وحلقت قريبا من النافذة وجاء صوت منها يقول: “اتركوا المخيم. نحن على وشك تفجيره”. و”بمجرد انتهاء الرسالة، سمعنا دويا عاليا على السطح. ألقت مسيرة أخرى قنبلة صوتية. عندها قررنا المغادرة”.
وفي غضون أربعة أيام فقط، أصبح المخيم خاليا تقريبا من سكانه البالغ عددهم 20,000 ألف نسمة. وقتلت إسرائيل منذ بداية العام الحالي 70 شخصا بمن فيهم أطفال في الضفة الغربية، حسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية. وهذه الأرقام تشمل 38 فلسطينيا قتلوا في منطقة جنين وحدها وباستخدام أساليب تعيد النظر إلى تلك التي استخدمت في غزة.
ونقلت المجلة عن وسام بكر، مدير مستشفى جنين الحكومي: “شعرت أن نفس المشاهد في غزة تحدث في الضفة الغربية، وبخاصة الإغلاق والحصار المفروض على المستشفيات ومنع الحركة من وإلى المنشأة والهجمات على الطاقم الطبي”. وقال بكر إن المستشفى الذي يخدم 370,000 نسمة كان محاصرا في بداية العملية الإسرائيلية وأغلقت كل الطرق المؤدية إليه. وأضاف “أصيب خمسة من المسعفين، ومنع الموظفون والمرضى والزوار من مغادرة المستشفى. ولم يسمح لهم بالمغادرة إلا بعد محادثات مكثفة مع الصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية الأخرى”.
وتقول حتوقة إن تحويل الضفة الغربية إلى غزة، كما يصف هذا أشخاص مثل بكر، يعني تدمير البنية الحيوية والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، ومداهمة المنازل ومنع المسعفين من الوصول إلى الفلسطينيين الجرحى ومهاجمة حشود كبيرة من السكان في مخيمات اللاجئين. وقد أثار تدمير غزة تساؤلات حول ما إذا كان من الممكن إعادة بنائها وبأي تكلفة.
وفي هذا الأسبوع، بدا دونالد ترامب يفترض أنه سيحتاج إلى إفراغها بالكامل من الناس وتسويتها بالأرض، وبعد ذلك ستتولى الولايات المتحدة “الاستيلاء” على المنطقة لتطويرها. وتعلق أن هذه اللغة لا تطمئن سكان الضفة الغربية.
وتقول ديانا بوتو المحامية الفلسطينية والمفاوضة السابقة في الوفد الفلسطيني الذي أجرى محادثات السلام مع إسرائيل: “في غزة، أصبح الإسرائيليون يهاجمون المستشفيات، ويدمرون مخيمات اللاجئين ويقتلون المدنيين. ولهذا السبب نرى ما نراه الآن في الضفة الغربية. لقد أصبح هذا الأمر عاديا”.
ويعتقد كثيرون هنا في الضفة الغربية أن هذه العملية هي وسيلة للإسرائيليين، الذين ما زالوا غاضبين من هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لمواصلة الانتقام من السكان الفلسطينيين على الرغم من وقف إطلاق النار في غزة. كما يرونها محاولة لتذكير الفلسطينيين بأنهم لا يسيطرون على مصيرهم، حيث يتم تقييد حركتهم بين المدن والبلدات حتى داخل المناطق الفلسطينية من خلال ما يصل إلى 900 نقطة تفتيش عسكرية.
وقال آخرون إنها عمل من أعمال العقاب الجماعي يستهدف اللاجئين ومنازلهم للتخلص من “القضية” الفلسطينية، وهي نقطة خلاف في مفاوضات السلام السابقة، مرة وإلى الأبد.
وتقول بوتو: “إن جزءا من هذا هو الانتقام لوقف إطلاق النار في غزة. ففي داخل إسرائيل، هناك شعور بالهزيمة ويتساءل الكثيرون عن سبب مقتل العديد من الجنود الإسرائيليين فقط لكي تعود الأمور إلى الوضع الذي كان عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023” وتضيف “إنهم يهاجمون الضفة الغربية في استعراض للقوة العسكرية وبالنسبة لهم، فإن جنين وغزة متشابهتان، وكلاهما معروف بالمقاومة”.
وكان الهجوم هو العملية الثانية الأوسع نطاقا ضد جنين في غضون شهرين. كانت العملية الأولى عملية أمنية غير مسبوقة لم تنفذها القوات الإسرائيلية بل السلطة الفلسطينية التي تدير أجزاء صغيرة من الضفة الغربية. فالسلطة الفلسطينية تتنافس على دور في غزة منذ هزيمة حركة فتح المهيمنة عليها منذ فترة طويلة أمام حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006 وطردها من القطاع في عام 2007.
ولم يكن الهجوم على جنين، الذي بدأ في 5 كانون الأول/ديسمبر، مجرد محاولة لإثبات جدارتها كمقاول لإسرائيل من خلال إظهار قوتها في مراقبة السكان الفلسطينيين، بل كان أيضا شهادة على مدى “قدسية” – كما وصفها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ذات يوم، الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بشأن المسائل الأمنية. ركزت حملة القمع التي شنتها السلطة الفلسطينية، والتي استمرت حتى تولت القوات الإسرائيلية زمام العملية، على تحالف من الجماعات المسلحة يسمى “كتيبة جنين”. وترتبط هذه المجموعات بفصائل فلسطينية تقليدية مثل حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وحتى حركة فتح، الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية.
وكانت هذه أكبر عملية أمنية تنفذها السلطة الفلسطينية ضد شعبها منذ إنشائها في عام 1994. لمدة شهرين تقريبا، حاصرت قوات الأمن الفلسطينية مخيم جنين وقطعت المياه والكهرباء عن معظم السكان، هو ما أدى لقتل ما لا يقل عن 11 فلسطينيا، ستة منهم مدنيون، بينهم طفل واحد.
ودمرت عمليات السلطة الفلسطينية وإسرائيل في جنين ما بين 150 و180 منزلا، الغالبية العظمى منها خلال الاجتياح المستمر من قبل القوات الإسرائيلية. كما قيدت كلتا القوتين الوصول إلى المخيم، مما أجبر أونروا، الوكالة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، على تعليق المدارس والخدمات الصحية، فضلا عن جمع النفايات، مما أدى إلى تفاقم أزمة الصرف الصحي الحالية.
وحذر خبراء الأمم المتحدة من أن العمليات في الضفة الغربية تتزامن مع زيادة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وعنف المستوطنين المسلحين ضد الفلسطينيين. كما تأتي في وقت حظرت فيه السلطات الإسرائيلية أونروا، التي تزعم أن الوكالة تديم قضية اللاجئين من خلال الاعتراف بأحفاد اللاجئين الفلسطينيين كلاجئين أنفسهم.
وفي الأيام الأخيرة، وسعت إسرائيل نطاق عملياتها إلى ما هو أبعد من جنين. ففي 29 كانون الثاني/ يناير ضربت غارة جوية إسرائيلية حيا مزدحما في قرية طمون في شمال الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 فلسطينيين في واحدة من أكثر الهجمات دموية في المنطقة منذ شهور. وبعد دقائق، داهمت القوات الإسرائيلية قلقيلية وضواحيها، مما أدى إلى تصعيد الهجوم العسكري، وضمان السيطرة على جميع المناطق الرئيسية في شمال الضفة الغربية.
وما بدأ كعملية تركزت في مخيم جنين للاجئين أصبح الآن حملة شاملة عبر مدن متعددة، في طوباس وقلقيلية ونابلس وأريحا، وكذا في طولكرم، الواقعة جنوب غرب جنين، فقد ألحقت القوات الإسرائيلية الضرر بالبنية الأساسية وعطلت بنى المياه والكهرباء، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من 1,000 شخص. وفي مخيم طولكرم للاجئين، أدت العمليات الإسرائيلية حتى الآن إلى نزوح أكثر من 12,000 شخص من سكان المخيم البالغ عددهم نحو 16,000 نسمة وتعلق حتوقة أن الهدوء المؤقت في القتال في غزة يأتي بثمن باهظ بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية.