ايجارات غير سكنية -بقلم عبده جميل غصوب

  • شارك هذا الخبر
Monday, February 10, 2025

ذهبت بعض المحاكم الى ان المادة 38 من قانون الايجارات النافذ حكما بتاريخ 9/5/2014، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 26/6/2014 ( المعدّل بالقانون رقم 2 الصادر بتاريخ 28/2/2017 )، المعدلة بموجب القانون رقم 111 تاريخ 6/12/2018 والقانون رقم 176، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 21/5/2020 والقانون رقم 245 الصادر بتاريخ 22/7/2021، تنص انه " لحين نفاذ قانون خاص ينظم علاقة المالك بالمستأجر في هذه العقود، تمدد عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 لغاية 30/6/2022 ضمنا.

وتضيف الاحكام الصادرة عن هذه المحاكم، ان قانون الايجارات النافذ حكما بتاريخ 9/5/2014، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 26/6/2014، هو قانون استثنائي ، فيقتضي تفسير نصوصه على وجه حصري دون توسّع . وان المادة 38 المشار اليها نصّت عن تمديد عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 لغاية 30/6/2022 ضمنا لحين نفاذ قانون خاص ينظم علاقة المالك بالمستأجر في هذه العقود. وبالتالي فانه، في ظل عدم صدور قانون خاص ينظم هذه العلاقة ودخوله حيّز التطبيق بعد انقضاء التاريخ المذكور، تكون مدة عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 والممدة حكما بموجب قوانين الايجارات الاستثنائية المتعاقبة قد انتهت مع انتهاء المدة المحددة في المادة المذكورة، اي بتاريخ 30/6/2022 . وتنتهي هذه الاحكام الى انه تحقيقا للمصلحة العامة وحفاظا على استقرار التعامل بين الافراد في المجتمع وصيانة لحقوقهم وتثبيتها، فانه عند انتهاء اجل قانون خاص، يعود القانون العام الذي يرعى الحالات التي تنطبق عليه، الى حيّز التطبيق مجددا؛ الامر الذي يقتضي معه إعمال احكام قانون الموجبات والعقود في حل النزاعات الناشئة عن علاقة المالك بالمستأجر في عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 ، باعتباره القانون النافذ راهنا ، متى كانت الدعاوى بشأنها قد اقيمت بعد 30/6/2022. وان المادة 590 من قانون الموجبات والعقود تنص ان اجارة الاشياء تنتهي حتما عند حلول الاجل المتفق عليه بين المتعاقدين بدون حاجة الى طلب التخلية مع مراعاة الاتفاق المخالف اذا وجد .

هذه الاحكام تطرح اشكاليتين اساسيتين: الاشكالية الاولى : ما هو القانون الذي يرعى علاقة المالك بالمستأجر في ظل الوضع القانوني الحالي ؟ (اولا ) ؛ وما هو الموقف الواجب على القضاء اتخاذه؟ ( ثانيا ).

اولا: القانون الذي يرعى علاقة المالك بالمستأجر في ظل الوضع الراهن

ذهبت بعض الاحكام القضائية، المشار اليها الى ان المادة 38 من قانون الايجارات النافذ حكما في 9/5/2014، المعدّلة بموجب القانون رقم 111 تاريخ 6/12/2018 والقانون رقم 176 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 21/5/2020 والقانون رقم 245 الصادر بتاريخ 22/7/2021 ، تنص انه " لحين نفاذ قانون خاص ينظم علاقة المالك بالمستأجر في هذه العقود ، تمدد عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 لغاية 30/6/2022 ضمنا ". وبالتالي فانه، في ظل عدم صدور قانون خاص ينظم هذه العلاقة ودخوله حيز التطبيق بعد انتهاء التاريخ المذكور، تكون مدة عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 ، الممددة حكما بموجب قوانين الايجارات الاستثنائية المتعاقبة، قد انتهت مع انتهاء المدة المحددة في المادة المذكورة، اي بتاريخ 30/6/2022.

ولكن، هذا الرأي ـ على وجاهته ـ لا يأخذ بالاعتبار الواقع التشريعي الراهن، اذ ان مجلس النواب أقر قانون الايجارات في الاماكن غير السكنية ( عدد 8348 / ص تاريخ 14/12/2023 )، الذي اصدرته حكومة تصريف الاعمال بتاريخ 19/12/2023؛ الا ان الحكومة ذاتها عادت واصدرت مرسوما في مجلس الوزراء حمل الرقم 12835 ، تاريخ 12/1/2024، تضمن رد قانون الايجارات في الاماكن غير السكنية المومأ اليه اعلاه الى مجلس النواب.

وانه بتاريخ 20/2/2024 تقدمت جمعية مالكي الابنية المؤجرة في لبنان لدى مجلس شورى الدولة بمراجعة سجلت تحت الرقم 25602 / 2024 ، طلبت فيها وقف تنفيذ وابطال المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 اعلاه، المتضمن رد قانون الايجارات في الاماكن غير السكنية الذي أقره مجلس النواب ( عدد 8348 / ص تاريخ 14/12/2023 ) واعتبار قانون الايجارات للاماكن غير السكنية صادرا ونافذا من تاريخ 19/12/2023 وهو تاريخ اصداره من قبل حكومة تصريف الاعمال.

وان مجلس شورى الدولة أصدر قرارا اعداديا بتاريخ 4/4/2024، تحت الرقم 160/2023 ـ 2024 قضى بالاجماع بـ " وقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 المتعلق باعادة قانون الايجارات للاماكن غير السكنية الى مجلس النواب " .

فما هو أثر قرار وقف التنفيذ على القانون المذكور في ظل عدم صدور قرار نهائي بابطاله عن مجلس شورى الدولة وهل هو ام لا، القانون الذي يرعى علاقة المالك بالمستأجر راهنا ؟

في ظل عدم صدور اي قرار يقضي بابطال قانون الايجارات في الاماكن غير السكنية الذي أقره مجلس النواب ( عدد 8348 / ص تاريخ 14/12/2023 ) والذي اصدرته حكومة تصريف الاعمال في 19/12/2023، يبقى هذا القانون هو الاطار التشريعي الوحيد الذي يحكم علاقة مالك الابنية غير السكنية بمستأجريها، طالما ان القانون المذكور ، لم يبطل بعد بقرار نهائي صادر عن مجلس شورى الدولة.

وان المادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة تنص انه " لمجلس شورى الدولة تقرير وقف التنفيذ بناء لطلب صريح من المستدعي اذا تبيّن من ملف الدعوى ان التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضررا بليغا وان المراجعة ترتكز على اسباب جدية وهامة " .

فيكون أثر قرار وقف التنفيذ على قانون ايجارات الاماكن غير السكنية، الذي أقره مجلس النواب (عدد 8348 / ص تاريخ 14/12/2023 ) والذي اصدرته حكومة تصريف الاعمال في 19/12/2023، مقتصرا فقط على " تجميده " اي عدم تطبيقه راهنا بانتظار ما سيصدر عن مجلس شورى الدولة من قرار نهائي بهذا الخصوص، دون ان يطال " التجميد " المذكور صحة القانون، الذي يبقى قائما و " مجمد " التطبيق، كما اسلفنا، الى حين البت بطلب ابطاله.

بل اكثر من ذلك، فانه تقتضي الملاحظة الى ان قرار وقف التنفبذ لصادر عن مجلس شورى الدولة لم يتناول قانون ايجارات الابنية غير السكنية الذي اقره مجلس النواب ( عدد 8348 / ص تاريخ 14/12/2023 ) واصدرته حكومة تصريف الاعمال في 19/12/2023 ؛ بل ان وقف التنفيذ شمل فقط المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 ، المتعلق باعادة قانون الايجارات للاماكن غير السكنية الى مجلس النواب.

هذا يعني انه ـ وان كانت النتيجة ذاتها ـ اي وقف تنفيذ القانون ( اي تجميده كما اسلفنا )، الا ان القانون بذاته ليس مدار طعن من قبل اي كان ، بل هو قائم بذاته، فلا يمكن لاحد تجاهله ويجب التعامل معه لزاما على انه قائم ولكن مجمّد التنفيذ.

وهنا نطرح السؤال التالي: ما هي الفائدة العملية من هذا النقاش ؟ وما هو اثر قرار وقف التنفيذ الصادر عن مجلس شورى الدولة على الدعاوى العالقة او التي ستنشأ في ظل الوضع الراهن على عقود ايجار الاماكن غير السكنية المعقودة قبل 23/7/1992 ؟

ثانيا: أثر قرار وقف التنفيذ الصادر عن مجلس شورى الدولة على الدعاوى العالقة او التي ستنشأ

ان المادة 504 أ.م.م الصريحة والواضحة تعطي حلا قاطعا لهذه الاشكالية، اذ انها تنص صراحة ان للمحكمة ان تقرر وقف المحاكمة " حتى حدوث طارىء ما " تحدده في قرارها. والطارىء هنا هو مصير المراجعة العالقة امام مجلس شورى الدولة بموضوع ابطال المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 ، المتعلق باعادة قانون الايجارات للاماكن غير السكنية الى مجلس النواب. فاذا ابطل مجلس شورى الدولة المرسوم المذكور، فان قانون الايجارات في الاماكن غير السكنية، غير المطعون فيه، يصبح نافذا حكما بدءا من تاريخ اصداره من قبل حكومة تصريف الاعمال في 19/12/2023 . واذا رد مجلس شورى الدولة طلب ابطال المرسوم المذكور، يعود القانون الى المجلس النيابي، الذي يمكنه في هذه الحالة، اما الاكتفاء بتعديله، واما اعادة وضع قانون جديد مختلف جذريا عن القانون المعاد اليه.

كل ذلك يدفع الى وجوب ان تقرر المحاكم وقف المحاكمة بانتظار ما سيؤول اليه الطعن العالق امام مجلس شورى الدولة، عملا بالمادة 504 أ.م.م. وهذا ما يؤدي ، حقيقة وواقعا، الى تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على الاستقرار في التعامل بين الافراد في المجتمع ، صيانة لحقوقهم وتثبيتا لها، وليس " الاسراع " في تقرير " الاخلاء " ، لانه اين سيكمن الاستقرار، اذا صدر قرار عن مجلس شورى الدولة بابطال المرسوم الذي سبق له واوقف تنفيذه ؟ وهذا مرجح في ظل صدور قرار بوقف تنفيذ المرسوم المطعون فيه، اذ انه من المحتمل، بدرجة لا بأس بها، ان يبطل مجلس شورى الدولة المرسوم المطعون فيه، عندها سيصح قانون الايجارات في الاماكن غير السكنية ، غير المطعون فيه، نافذا حكما من تاريخ اصداره من قبل حكومة تصريف الاعمال في 19/12/2023.

وهنا نسأل ايضا اين تكمن حقوق الافراد ؟ واين يكمن استقرار العلاقات القانونية، في ظل احكام قضائية صدرت بالاخلاء وتم تنفيذها ؟ الا يشكل هذا " التسرع " في الحكم بالاخلاء اخلالا واضحا باستقرار العلاقات القانونية Stabilité des situations juridiques التي هي احدى اهداف المشترع الاساسية ؟

ان قرار " وقف المحاكمة " سندا للمادة 504 أ.م.م هو الحل الذي يؤمن ليس فقط استقرارا في العلاقة القانونية بين الافراد في المجتمع، لا سيما بين مالكي ومستأجري الاماكن غير السكنية، بل يؤمن " هدوءاً " منشودا في العلاقة المتوترة بينهما.

السنا بحاجة الى علاقات هادئة بين المالك والمستأجر بعد " التشنج " المريب الذي سببه المشترع على مر السنين بفعل تشريعات اصدرها ، لم تكن متوافقة مع الواقع الاجتماعي في لبنان، لا سيما السكني منه ؟

املنا في لجنة الادارة والعدل وبرئيسها كبير، فلننتظر اذ ليس امامنا اصلا سوى الانتظار، فان لم يأت الفرج من المشترع فانه سيأتي حتما من الله !