إيران أمام الفرصة الأخيرة: النّوويّ أو النّظام!- بقلم موفّق حرب
شارك هذا الخبر
Monday, January 27, 2025
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، دخل الجدل في برنامج إيران النووي في لحظة حاسمة. وفي ظلّ فريق أمنيّ- قوميّ يحمل وجهات نظر متشدّدة، وتعهّد بمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية بأيّ وسيلة ضرورية، يواجه ترامب توازناً دقيقاً بين دوره المعلن كـ”صانع سلام” وخطر المواجهة العسكرية المتزايدة. بينما تواجه إيران عقوبات اقتصادية مرهقة واضطرابات داخلية ومتغيّرات كبرى بعد تلقّي أذرعها في المنطقة ضربات قاسية غيّرت المعادلات، يترقّب العالم لمعرفة ما إذا كانت هذه اللحظة ستؤدّي إلى صفقة سلام غير مسبوقة، أو ستتطوّر إلى صراع مباشر قد يشمل الولايات المتحدة وإسرائيل معاً.
يدفع ترامبَ طموحُه لتقديم نفسه “صانع صفقات” نحو السعي لاتفاقية بارزة مع إيران. إذ إنّ حلّ الأزمة النووية الإيرانية سيكون بمنزلة إنجاز تاريخي لرئاسته بعدما عانت الإدارات الأميركية المتعاقبة من التعاطي لعقود مع طموحات وتصرّفات طهران.
الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات، والاضطرابات الداخلية، وتراجع النفوذ الإقليمي، قد تُشعر إيران بالحافز للتفاوض لتخفيف أزمتها الاقتصادية. لكنّ موقف إيران التفاوضي أصبح اليوم أضعف ممّا كان عليه قبل حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، وهو ما يجعلها تفضّل تفاهمات لا اتّفاقاً شاملاً، من أجل تقطيع مرحلة ترامب وتعافي اقتصادها وربّما ترميم محورها الذي تداعى. وهذا يعتمد على ما تطلبه الولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلّق ببرنامج إيران النووي وسلوكها الإقليمي.
الأكيد أنّ قاعدة ترامب السياسية والمجتمع الدولي سيرحّبون باتّفاق يُنهي الطموحات النووية الإيرانية من دون دخول حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط.
الحاجة إلى ضمانات تحفظ ماء الوجه
سبق أن اتّبعت إيران نهجاً براغماتيّاً تحت الضغط، كما حدث في توقيع الاتّفاق النووي عام 2015. لكن سيكون على إيران أن تحصل على ضمانات تحفظ ماء وجهها أمام الداخل، في ظلّ تآكل نفوذها وانكشاف ومحدوديّة قدراتها العسكرية، كما أظهرت الأحداث الأخيرة والمواجهات مع إسرائيل.
الأكيد أنّ قاعدة ترامب السياسية والمجتمع الدولي سيرحّبون باتّفاق يُنهي الطموحات النووية الإيرانية من دون دخول حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط فرص إبرام صفقة سلام متوسّطة، لكن صعبة. بينما قد يرغب الطرفان في تجنّب الحرب، فإنّ انعدام الثقة المتبادل والقيود الداخلية تجعل المسار الدبلوماسي معقّداً. العديد من الشخصيّات في فريق ترامب الأمني تدعو إلى نهج صارم تجاه إيران. وإذا تعثّرت الدبلوماسية، فقد يدفعون باتّجاه عمل عسكري، معتبرين أنّه الطريقة الوحيدة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
إيران
إسرائيل سيكون لها دور مؤثّر في صياغة سياسة إدارة ترامب تجاه إسرائيل. تعتبر إسرائيل إيران النووية تهديداً وجوديّاً، وأبدت استعدادها للقيام بضربات عسكرية بشكل أحادي إذا لزم الأمر، لكنّها لن تقدم على أيّ خطوة أحادية بوجود شخص كترامب في البيت الأبيض. ولكن مع ترامب، قد تحظى بدعم أميركي، أو حتى مشاركة مباشرة في مثل هذه الضربات في حال صعّدت إيران موقفها وهدّدت أجندة ترامب وسعيه لجعل “أميركا عظيمة مرّة أخرى”.
اليوم ثمّة محاولة لاستشراف ردّات فعل ايران تحت الضغوط الجديدة والقاسية. إذا شعرت إيران بأنّها محاصرة وغير قادرة على تحمّل المزيد من الضغوط، فقد تتّخذ خطوات استباقية لردع أيّ هجوم محتمل، وهو ما يزيد من خطر المواجهة العسكرية.
فرص المواجهة العسكرية مرتفعة إذا فشلت الدبلوماسية. إدارة ترامب وإسرائيل لديهما استعداد منخفض لتحمّل أيّ تقدّم نووي إيراني، وخطر الضربات الإسرائيلية أو المشتركة يبقى قائماً.
يدفع ترامبَ طموحُه لتقديم نفسه “صانع صفقات” نحو السعي لاتفاقية بارزة مع إيران الصفقة النووية ممكنة، لكنّها غير مرجّحة من دون تقديم تنازلات كبيرة من إيران واستعداد إدارة ترامب لإعطاء حوافز لطهران. على الولايات المتحدة أن تسمح بتخفيف بعض العقوبات أو منح إيران قدراً محدوداً من القدرات النووية المدنية، بينما يتعيّن على إيران القبول بقيود صارمة على برنامجها النووي أو حتى التخلّي كليّاً عن تخصيب اليورانيوم.
حتى الساعة، المواجهة العسكرية هي أكثر احتمالاً، خاصة إذا أحرزت إيران تقدّماً كبيراً في برنامجها النووي. أظهرت إدارة ترامب وإسرائيل أنّهما لن تتسامحا مع أيّ خطوة إيرانية، فإنّ أيّ خرق للخطوط الحمر قد يؤدّي إلى تصعيد عسكري.
قد تشهد الأشهر المقبلة دبلوماسية مكثّفة، لكن مع خطر كبير بالتصعيد والانتقال إلى صراع، إذا فشلت المحادثات.
استحقاق عمر المرشد
إيران برعت في التفاوض واللعب على عامل الوقت، لكنّ النظام الحالي لا يمتلك رفاهية الوقت بسبب التطوّرات الأخيرة، وبات على المحكّ مستقبل نظام ولاية الفقية الذي يواجه استحقاقاً داهماً، وهو عمر المرشد. إذا كان الهدف من توسيع البرنامج النووي المكلف لإيران على الأصعدة كافّة هو حماية نظام الجمهورية الإسلامية، فإنّ الوقت قد حان لاستعمال هذا البرنامج والدخول في صفقة مع الولايات المتحدة، وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة أمام طهران لتجنّب ضربة عسكرية وسياسة جدّية من قبل واشنطن لتغيير النظام.