ذا نيشين- قصة "الغزاوي" لا ترتبط فقط بتضامنه مع غزة ولكن بكشف سلاسل توريد السلاح إلى إسرائيل
شارك هذا الخبر
Thursday, January 23, 2025
نشرت مجلة “ذي نيشين” تقريرا أعدته نسرين عبد العال وريان الأمين حول اعتقال والحكم على الناشط المغربي إسماعيل الغزاوي. وقالا إن قصته لم تبدأ بالمشاركة في احتجاج للتضامن مع فلسطين، لكن مسارها متشابك مع سلاسل الإمدادات للأسلحة التي تبدأ من نيوجيرسي وتكساس في الولايات المتحدة إلى موانئ الجانب الآخر من الأطلسي حتى إسرائيل.
ففي 16 تشرين الثاني/نوفمبر جاء مهندس زراعي عمره 34 عاما إلى مركز شرطة في الدار البيضاء تلبية لاستدعاء من السلطات المحلية، حيث احتجز وبعد يومين وجهت إليه تهمة “التحريض على ارتكاب جرائم متنوعة”. في الأشهر السابقة، كان إسماعيل الغزاوي يعمل مع مجموعة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي أس) للاحتجاج على تواطؤ الشركات المحلية والدول مع حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة. وبسبب نشاطه، أوقفته الشرطة المغربية في تشرين الأول/أكتوبر في الشارع بينما كان في طريقه إلى القنصلية الأمريكية للاحتجاج على الدعم الأمريكي لإسرائيل، وأطلق سراحه في حينه بدون توجيه أي تهم إليه. وبعد اعتقاله في تشرين الثاني/ نوفمبر، استند محامو الادعاء إلى خطابات نشرها الغزاوي على منصات التواصل الناطقة باللغة العربية وتدعو إلى الحشد والتعبئة للاحتجاج حول القنصلية الأمريكية، وقدمتها كأساس للتهم.
كما أضافوا إلى ملف قضيته تصريحات دعا فيها عمال الموانئ والمحتجين إلى منع السفن المتجهة إلى إسرائيل من الرسو في الموانئ المغربية، وبخاصة بعدما كشفت التحقيقات المحلية والدولية عن استخدام ميناء طنجة المتوسط لنقل البضائع العسكرية إلى إسرائيل.
وظل الغزاوي قابعا في السجن بعد شهر من رفض الإفراج المؤقت الذي تقدم به المحامون نيابة عنه، وصدر عليه حكم بالسجن لعام وغرامة بـ 500 دولار. وخلال فترة المحكمة وفترة سجنه الحالية ظل الغزاوي في زنزانة انفرادية وبفرصة محددة للوصول إلى الإمدادات الصحية والخروج في الشمس وزيارات العائلة.
وبداية، تظهر قصة الغزاوي بأنها حالة واضحة عن اضطهاد ناشط مؤيد لفلسطين من حكومة عربية قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن النظرة العميقة تظهر التسلسل المعقد للأحداث التي أدت إلى اعتقاله ويمتد من ميناء حيفا وأسدود وعبر مضيق جبل طارق والمحيط الأطلنطي إلى الموانئ التجارية في نيوجيرسي وتكساس.
ويمثل كل موقع عقدة مهمة في المحرك غير المرئي للإبادة الجماعية في غزة: سلسلة التوريد العالمية التي تنقل الأسلحة والشحنات العسكرية المصنعة في الولايات المتحدة إلى إسرائيل.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت حركة الشباب الفلسطسيني (بي واي أم) وبالتعاون مع بروغريسف انترناشونال تقريرا حلل 2,000 شحنة عسكرية أرسلت إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية منذ بداية الإبادة في غزة، نقلت على متن سفن تملكها الشركة الدنماركية ميرسك للشحن البحري.
ووجد التقرير أن الشحنات التي تضم عربات مصفحة بقيمة ملايين الجنيهات الإسترلينية ولوحات مدرعة وقطع للطائرات وقنابل، غادرت موانئ أمريكية كنيوجيرسي وتكساس قبل أن تتوقف في ميناء الجزيرة الخصراء في إسبانيا في طريقها إلى إسرائيل. والأكثر أهمية هو كشف التقرير عن انتهاك شركة ميرسك للقانون الإسباني عمدا، والذي دخل حيز التنفيذ في أيار/مايو 2024 ويحظر مرور المواد العسكرية الموجهة إلى إسرائيل عبر الموانئ الإسبانية. ونتيجة للضغوط التي مارستها بي واي أم، اضطرت شركة ميرسك إلى الاعتراف علنا لأول مرة بأنها كانت تحمل أسلحة إلى إسرائيل نيابة عن المبيعات العسكرية الأجنبية للولايات المتحدة.
وردا على هذه الكشوف، بدأت الحكومة الإسبانية بمنع دخول سفن ميرسك المشتبه في أنها تحمل شحنات إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وبعد تعطيل الوصول إلى أحد مراكز إعادة الشحن الرئيسية، اضطرت شركة ميرسك إلى البدء في تحويل سفنها إلى محطة عبر مضيق جبل طارق، وهو ميناء طنجة المتوسط على الساحل المغربي.
وعلاقة المغرب التجارية مع إسرائيل ليست جديدة، إلا أن الكشف عن تسهيل المملكة لشحنات الأسلحة إلى القوات الإسرائيلية واستخدامها في غزة، أثار غضب منظمات المجتمع المدني المغربية. وشهدت مدينة طنجة، حيث يقع ميناء طنجة المتوسط، احتجاجات واسعة النطاق منذ تشرين الثاني/ نوفمبر بسبب دعم الحكومة الصريح للإبادة الجماعية المستمرة.
وشارك الغزاوي في هذه التعبئة الشعبية ودعا إلى تعطيل الشحنات العسكرية في الميناء، إلى جانب مجموعات مثل بي دي أس المغربية والجبهة المغربية لمحاربة التطبيع. وليس من المستبعد أن تكون الشدة في محاكمة الغزاوي مرتبطة برغبة السلطات في جعل وجه بارز من حركة الاحتجاج عبرة للآخرين، بعد رؤية عمال الموانئ يستجيبون لدعوات المجتمع المدني للتحرك.
فقد رفض العديد من العمال في ميناء طنجة المتوسط التعامل مع الشحنات العسكرية وتم تأديبهم لاحقا أو فصلهم، بينما استقال آخرون من وظائفهم احتجاجا. وبعد تسريب صور تظهر مركبات عسكرية تكتيكية جالسة في داخل حاويات مفتوحة في الممر المخصص لميرسك، بدأت سلطات الموانئ في تقييد الوصول إلى كاميرات المراقبة والطلب من السفن الرسو ليلا. وبلغت تحركات عمال الموانئ ذروتها مع حملة نقابية دعت اتحاد التجارة الدولي إلى تقديم الدعم، لكن شركة ميرسك قمعت المحاولة الوليدة في رسالة أرسلتها إلى عمال الموانئ.
وأدت الاضطرابات المستمرة المحيطة بدور المغرب في الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل إلى تفاقم التوترات التي كانت قائمة منذ فترة طويلة بين سياسات الدولة والمشاعر العامة. ففي الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل المغرب، حيث يرتفع الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية (منذ بداية الإبادة الجماعية، انخفض الدعم للتطبيع مع إسرائيل من 31 إلى 13%)، يتأرجح المسؤولون الحكوميون بقلق بين تقديم التصريحات الداعمة لغزة وتلبية المطالب الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية.
كما أن استعداد الحكومة المغربية للسماح لشحنات الأسلحة إلى إسرائيل بالمرور عبر موانئها، على الرغم من رفض الحكومة الإسبانية القيام بذلك، هو نتيجة منطقية لاتفاقية التطبيع بين إسرائيل والمغرب التي توسطت فيها إدارة ترامب السابقة. وقد انعكست مشاركة المغرب في اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، من خلال تعاون استخباراتي وتدريبات عسكرية مشتركة وشراء أسلحة واعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
وفي تموز/يوليو 2024، أبرم الجيش المغربي عقدا بقيمة مليار دولارا مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية لشراء أقمار التجسس أوفيك13 التي استخدمتها إسرائيل لمراقبة إيران والعراق وليبيا ولبنان وسوريا.
وتقول المجلة إن الحملات المناهضة لتسهيل الحكومة المغربية نقل الأسلحة إلى إسرائيل تختلف عن تلك المظاهرات المناهضة للحرب في الشوارع العربية الأخرى، ففي العام الماضي وحده، أصدرت محاكم حكما على مواطنين مغربيين، سعيد بوكيوض وعبد الرحمن زنكاض، بالسجن لمدة خمس سنوات لإدانتهما التطبيع المغربي مع إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي.
كانت قضيتهما، مثل قضية الغزاوي، تهدف إلى قمع المعارضة الوطنية من خلال جعل المدافعين العامين عبرة. وفي مختلف أنحاء المنطقة، وفي بلدان مثل الأردن ومصر ودول الخليج، اعتمدت السلطات تعريفات قانونية مرنة لمصطلحات مثل “التحريض” و”الجرائم الإلكترونية” و”الإرهاب” من أجل ملاحقة المنظمين والصحافيين والطلاب بسبب التحدث ضد أدوار حكوماتهم في تسهيل الحرب الإسرائيلية في غزة.
ومن هنا، فسجن الغزاوي يفرض التزاما على أصحاب الضمير في مختلف أنحاء العالم، وهو واجب يتجاوز التعاطف أو الشعارات ذلك أن وضعه كسجين سياسي مرتبط بشبكة عالمية معقدة من التواطؤ مع طموحات إسرائيل الإبادة الجماعية، التي تربطها شركات متعددة الجنسيات وحكومات متواطئة. وفي رسالة كتبها الغزاوي من السجن في 30 كانون الأول/ديسمبر شكر فيها “الأشخاص الأحرار الذين دعموني دون أن يعرفوني حقا”، والذين يرتبط بهم من خلال “رابطة مشتركة وهدف نهائي: تضخيم صوت الشعب المغربي الرافض للظلم والوقوف متضامناً مع الشعب الفلسطيني الصامد”.