سرديّة “الحزب” عن “الانتصار” تعاكس شكواه من “الاستهانة”- بقلم وليد شُقَير
شارك هذا الخبر
Saturday, January 18, 2025
واجه لبنان خلال الأيام الماضية نموذجاً عمّا يمكن أن يعرقل مسيرة تعافيه واستثماره الملحّ لما يسمّيه جميع المسؤولين “الفرصة” لنهوضه.
كان “حرد” الثنائي الشيعي حيال الاستشارات التي أجراها الرئيس نوّاف سلام لتأليف الحكومة، مؤشّراً إلى استعداد فريق وازن للعودة إلى التعطيل. قد يؤدّي تفاهم سلام مع رئيس البرلمان نبيه برّي أمس إلى تجاوز هذه الإشكالية. لكنّ هذا لا يلغي احتمال أن تواجه الحكومة والعهد الجديدين العراقيل بفعل صعوبة تكيّف فريق وازن مع المستجدّات الإقليمية والداخلية.
غلب التخبّط على التبريرات التي قدّمها نوّاب “الحزب” وحركة “أمل” لمقاطعتهم الاستشارات التي أجراها سلام مع الكتل النيابية.
واجه لبنان خلال الأيام الماضية نموذجاً عمّا يمكن أن يعرقل مسيرة تعافيه واستثماره الملحّ لما يسمّيه جميع المسؤولين “الفرصة” لنهوضه التّخبّط: افتعال الاتّفاق ثمّ نفيه
كان مفهوماً أن يُفاجأ الثنائي بالدينامية التي أتت بنوّاف سلام لرئاسة الحكومة بدلاً من الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان يأمل تولّيه المهمّة. كان تبرير الثنائي الشيعي لمقاطعته الاستشارات التي يجريها نواف لتشكيل حكومة، أنّ “انقلاباً” حصل على اتّفاق يشمل أن يتولّى الرئيس ميقاتي الرئاسة الثالثة. جاء ذلك على لسان رئيس كتلة نوّاب “الحزب” محمد رعد أثناء استشارات التكليف. ثمّ نُقل ذلك عن لسان الرئيس نبيه برّي نفسه. وكرّر الأمر نوّاب من كتلتَي التنظيمين. عاد معاون برّي النائب علي حسن خليل فأكّد عدم صحّة ما قيل عن حصول اتّفاق، سواء مع الرئيس جوزف عون أو مع أيّ جهة أخرى محلّية أو خارجية. بدا أنّ الثنائي يفتعل حصول اتّفاق على ميقاتي لم يحصل من أجل استخدام الأمر حجّة لمقاطعة الاستشارات التي أجراها سلام. والأخير لم يعطِ فرصة لهذا الافتعال أن يصبح حقيقة، حين قال إنّه ليس من أهل الإقصاء، ثمّ حين لم يمانع أن ينقل نوّاب التقوه خلال الاستشارات عن لسانه قوله: “نحن أمام خيارين إمّا التفاهم أو التفاهم” (مع الثنائي).
اعتراض على الأكثريّة وعلى الرّئيس الجديد؟
انطوى الاحتجاج على تسمية سلام بدلاً من ميقاتي على جملة سلبيّات ليست في مصلحة الثنائي:
كان اعتراضاً على أكثرية نيابية سمّت سلام. وهذا يعني رفض الامتثال للّعبة الداخلية الديمقراطية. وهذا يصبّ في غير مصلحة رئيس السلطة التشريعية. رفض الاعتراف باللعبة الداخلية يشي بأنّ الثنائي لم يتكيّف بعد مع الانتقال من فرض ما يريد بالتعطيل. فهو اعتاد أن يحقّق ما يريد في السلطة على مدى السنوات الماضية التي نجح خلالها في فرض رئيس للجمهورية يفضّله ويأمن لاستعداده لمراعاة أجندة “الحزب” الإقليمية والإيرانية. غلب التخبّط على التبريرات التي قدّمها نوّاب “الحزب” وحركة “أمل” لمقاطعتهم الاستشارات التي أجراها سلام مع الكتل النيابية على الرغم من أنّه لا يمكن إنكار تدخّل الخارج في اختيار رئيس الجمهورية وفي كثير من الأحيان رئيس الحكومة، كما يؤكّد تاريخ البلد، أتاحت بعض اللحظات الإقليمية على مرّ التجارب للّعبة الداخلية أن تأخذ مداها. ومع وضوح دور اللجنة الخماسية في ترجيح كفّة الرئيس جوزف عون، فإنّ تجاهل عوامل اللعبة الداخلية التي قادت إلى انتخابه، ثمّ إلى ترجيح سلام، لم يكن يعني سوى إنكار حوافز قوى داخلية للإفادة من التحوّلات التي يعيشها البلد ومحيطه. فمهما طغى العامل الخارجي في ترجيح كفّة عون، لم يتنبّه الثنائي إلى اعتماد فريق المعارضة أسلوب المناورة الذي طالما اعتاده فريق الممانعة. أبقى المعارضون لـ”الحزب” ورقتهم بتفضيل جوزف عون مستورة، وساهموا في رمي الكثير من الأسماء للرئاسة، بما فيها اسم سمير جعجع. أمّا في الواقع فكانوا يتهيّؤون لدعم قائد الجيش السابق في ربع الساعة الأخير، منعاً لمواجهتهم بأنّه مرشّح فريق، لا تفاهم عليه. المعارضون لـ”الحزب” كانوا يهدفون إلى حمل الثنائي على تأييد عون كخيار لا بدّ منه، بدلاً من أن يحصل العكس، أي أن يصبح مرشّح الثنائي الخيار الذي لا بدّ منه. ديناميّة اللّعبة الداخليّة: ميشال الدّويهي وترشيح منيمنة
شهدت العقود الماضية تناوباً على نجاح الثنائي وحلفائه في فريق الممانعة في ترجيح رئيس للحكومة يرتاحون إليه، أو على تكبيل رئيس الحكومة الذي يأتي رغماً عنهم عن طريق الثلث المعطّل تارة، أو عن طريق التفسير الانتقائي لمبدأ الميثاقية تارة أخرى… في الأيام الماضية بادر بعض نواب المعارضة قبل ساعات من استشارات التكليف إلى الإفادة من فرصة التحوّلات في لبنان والمنطقة إلى رفض خيار الثنائي ترجيح كفّة ميقاتي. وفق معطيات “أساس” التفصيلية، تصدّر النائب ميشال الدويهي الدعوة إلى تغيير مسار الاستشارات بإلحاح، بدعوته رفاقه إلى وضع هدف استبعاد ميقاتي، وتسمية سلام لتجميع أصوات أعلى من تلك التي يمكن أن يجمعها عضو تكتّل المعارضة فؤاد مخزومي. شكّل الدويهي مع رفيقيه مارك ضو ووضّاح الصادق دينامو التحرّك لهذا الغرض عصر اليوم السابق على الاستشارات. تزامن تحرّكهم مع مناورة ترشيح النائب التغييري إبراهيم منيمنة نفسه، وذلك بالاتّفاق مع نوّاف سلام، بحيث ينسحب له بعد النجاح في تجميع الأصوات وصولاً إلى الأكثرية. وواكب زملاء منيمنة مثل بولا يعقوبيان هذه المناورة بالتشديد على خيار سلام. وهو ما حسبه الثنائي تشرذماً للمعارضة كان في الواقع تكتيكاً رفدته إدارة دؤوبة للاتّصالات مع سائر الكتل النيابية. ربّما اضطرّت قوى خارجية إلى التسليم بموقف هذه الحركة النيابية. لكنّ ذلك لم يكن ليحصل لولا مبادرة نواة من النواب التغييريين. وصف سياسي لبناني مخضرم مقاطعة الثنائي لاستشارات التأليف بأنّه “استقواء سلبي” على رئيس الحكومة والمشهد السياسي سرديّة “الانتصار” والتّطمينات لبرّي
وصف سياسي لبناني مخضرم مقاطعة الثنائي لاستشارات التأليف بأنّه “استقواء سلبي” على رئيس الحكومة والمشهد السياسي. إلّا أنّ أوساطاً على صلة بالثنائي دعت إلى التمييز بين موقفَي برّي و”الحزب”. فالأوّل يتضامن مع الثاني لطمأنته، ولمراعاة صعوباته الداخلية بعد الخسائر التي تعرّض لها في المواجهة مع الوحشية الإسرائيلية. رئيس البرلمان يعي فداحة تلك الخسائر ليس على “الحزب” وحده، بل على البيئة الشيعية الحاضنة للثنائي، بالأرواح والممتلكات. وهو يدرك الحاجة إلى تكييف الخيارات السياسية المحلّية والخارجية، مع ضرورة إعادة الإعمار بمساعدات خارجية مشروطة بوجود سلطة موثوقة من طينة رئيسَي الجمهورية والحكومة. وتفيد معلومات “أساس” أنّ مسؤولين في دولة أجنبية كبرى، سبق أن طمأنوا الرئيس بري إلى أنّ (عليك) “ألّا تقلق”. والمقصود بذلك أن لا نيّة لإضعاف دور الشيعة في البلد بعد الضربات الإسرائيلية التي تلقّاها “الحزب” والمناطق الشيعية.
في المقابل ثمّة من يتساءل: إذا كانت سرديّة “الحزب” تقول إنّه انتصر في الحرب التي شنّتها إسرائيل ضدّه وضدّ لبنان، فلماذا يتصرّف على أنّه يتعرّض “لمنطق الغالب والمغلوب”، على ما قال النائب في “الحزب” علي فياض؟ فهو تحدّث عن “التملّص المفاجئ من التفاهمات من انتخاب الرئيس عون مروراً بالحكومة وما بعدها، دون أيّ اكتراث وبكثير من الاستهانة… والتعاطي مع المكوّن الشيعي كأنّه في حالة هزيمة… يُناقضان كلّ ما يُعلن من مواقف وتطمينات إيجابية”.
يطمح “الحزب” إلى الحصول على التطمينات حول “ما بعد الحكومة”، أي حيال دوره في السلطة وموقعه في التأثير على مؤسّسات الدولة عبر نفوذه. إلا أنّ التلويح بأنّ “سوء الحسابات والنوايا يهدّد مسار الإصلاح والاستقرار”، للاحتفاظ بذلك النفوذ من خارج الأطر الدستورية، سيضعه في موقع لا يتناسب مع حدود قوّته في البرلمان كأكبر كتلة نيابية مع نواب حركة “أمل”، كما قال فياض. فالقوّة النيابية شيء وتحميلها بالقدرة على استخدام العنف، لتصبح قوّة فائضة، شيء آخر.