كان عمر نوّاف سلام سبعة عشر عاما عندما تشكّلت، في عهد الرئيس سليمان فرنجيه، حكومة العهد الأولى، التي أطلق عليها "حكومة الشباب"، برئاسة "العم" الرئيس صائب سلام. وقد شكّلت صدمة ايجابية، علما أنّ أركانها كانوا أصحاب اختصاص غير معروفين من الرأي العام، لكنهّم تركوا بصمات مؤثرّة في الممارسة الحكومية والوزارية، ومن بينهم غسان تويني واميل بيطار. حينها، كان لبنان عبر بأزمة بنك انترا، وكان الرأي العام متعطشا الى إصلاح جدّي، بعدما تفاقمت أزمة غلاء المعيشة وركد الاقتصاد فيما الشباب يهاجرون بحثا عن فرص عمل لم يجدوها في وطنهم. وعشية التشكيل، دعا صائب سلام الى "القيام بثورة عاجلة من فوق، تكون ثورة الحكم على نفسه وعلى الأساليب التي تخطّاها العصر".
أما نوّاف سلام الطالب والمراقب فكان، في تلك الأثناء، ينشأ على تناقضات السياسة اللبنانية، ويتحضّر لمسيرة أكاديمية مميزة قادته ليكون مرجعية دبلوماسية وقانونية عالمية. هو المفعم بالفكر العربي والانفتاح اللبناني والوطنية الصميمة. هكذا عرفته منذ ثلاثين عاما ضيفا مميزا في سلسلة من الحوارات التلفزيونية أجريتها معه.
واليوم، بعد أربعة وخمسين عاما على تجربة خاضها العم صائب بك في ظروف مماثلة وان أقلّ صعوبة وحدّة، يتطلع الرأي العام بأمل الى العهد الجديد والرئيس المكلف، بعدما تعب من الحروب والانهيارات في السياسة والاقتصاد والمجتمع. ويعوّل عاليا على تغلّب المنطق الاصلاحي البناء من خلال حكومة شباب من الاختصاصيين والاوادم.
صحيح ان الاستحقاقات كثيرة والملفات شائكة امام الحكم والحكومة، لكنّ انتظام عمل الدولة والحياة السياسية يبقى المدخل والحصن الحامي من الاشكالات والتدخلات الخارجية. ولا بدّ من العودة، في هذا الاطار، الى بعض البنود الدستورية التي لحظها اتفاق الطائف ،وأفرزت اشكالات وعورات لا بدّ من توضيحها أو تصويبها.
أولا: لم يلحظ الدستور اللبناني المعدّل في اجتماعات الطائف مرجعية واضحة لبت الخلافات. من هنا يتوجب العمل وبسرعة على تشكيل هيئة دستورية عليا من كبار القضاة والحقوقيين لتفسير الدستور في بعض مواده او توسيع صلاحيات المجلس الدستوري المحصورة اعماله بالطعون المقدمة اليه. ثانيا: البت بمهلة الخمسة عشر يوما المعطاة لرئيس الجمهورية بموجب المادة 56 . ثالثا: حسم المادة 73 من الدستور التي تقول" قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر بناء على دعوة من رئيسه لانتخابات الرئيس الجديد، واذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتخابات ولاية الرئيس." هذه المادة قد يمكن معالجتها باضافة العبارة الآتية: واذا تعذّر الاجتماع لأي سبب يستمرّ الرئيس المنتهية ولايته في مهام رئاسة الجمهورية الى حين انتخاب رئيس جديد. " ومن شأن هذه الاضافة امّا أن تعجّل في الانتخابات وفق المهلة المحددة واما في عدم حصول شغور في الرئاسة الأولى. رابعا: تحتاج المادّة 49 من الدستور الى توضيح في مسألة السلطة الاجرائية فهذه المادة جاءت تحت العنوان الآتي وعلى الشكل الآتي: - الفصل الرابع - السلطة الاجرائية اولا: رئيس الجمهورية. تقول المادة 53 "في الفقرة الأولى : "يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت "، من هنا السؤال البديهي الذي لم يجد له جوابا من نواب الطائف المجمعين على أنّ رئيس السلطة الاجرائية بموجب وثيقة الوفاق الوطني هو رئيس مجلس الوزراء اي رئيس الحكومة. وما دام الأمر كذلك للماذا أتت المادة 49 تحت عنوان "السلطة الاجرائية، اولا رئيس الجمهورية"، وطرحت اشكالية دستورية اساسية هي : من يكون رئيسا للسلطة الاجرائية عندما يترأس رئيس الجمهورية جلسة لمجلس الوزراء هو أم رئيس الحكومة؟ خامسا: تقول الفقرة 2 من المادة 53 " يسمّي رئيس الحمهورية الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النوّاب استنادا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على نتائجها" والسؤال هنا ما دامت الاستشارات ملزمة فعلى ماذا سيتشاور رئيس الجمهورية مع رئيس المجلس؟ واستطرادا عندما تقول المادة عينها ان الاستشارات ملزمة، فهل تعني انها ملزمة باجرائها أم بنتائجها؟ يبقى مع مطلع العهد الجديد التوجه الى سيد العهد ورئيس الحكومة وهما العارفان بتاريخ لبنان ،أنّ الأمل يتجدد، وتتوطد ثقة كبيرة بنهوض لبنان، وسط انتفاضة وطنية، تتمثّل فيها وحدة االبنانيين وارادتهم التي لا تغلب في بناء لبنان وطنا عزيزا مستقلا سيدا حرا فريدا، كما كان بين الأوطان.