التايمز- هل تكون إعادة ابتكار سوريا حقيقة؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, January 16, 2025

عندما اعتقل قائد "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني في معسكر بوكا، وهو معسكر الاعتقال الأمريكي الضخم للجهاديين في العراق، كان يعلّم زملاءه السجناء اللغة العربية الفصحى.

والآن وبعد الإطاحة بحكم الأسد الذي دام نصف قرن يقول الجولاني إن همه حالياً هو بناء الدولة وليس الانتقام، وتمت طمأنة الموظفين السابقين في النظام السابق، شرط عدم ظهور أي دليل على مشاركتهم في الفظائع أو التعذيب أو الهجمات على المدنيين، وإذا ظهرت حقائق جديدة عن الانتهاكات، فستتعامل معها المحاكم وليس فرق الاغتيال، بحسب مقال للكاتب رودجر بويس نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية.

لفت بويس إلى أن هذا النهج شائع في مجتمع منهك بسبب الحرب الأهلية التي خلفت أكثر من نصف مليون جثة، واللغة تتغير في الشوارع، مما يعكس الانفتاح الجديد. والسجن، الذي يشار إليه دائماً بالتعبير الملطف "بيت خالتك" خوفاً من المخبرين الذين يتجسسون، عاد ليكون سجناً مرة أخرى.

وتحول الجولاني من الزي العسكري للمتمردين إلى البدلة المصممة جيداً، وتخلى عن اسمه الحربي ليعود إلى استخدام اسمه الحقيقي أحمد الشرع، والتقى بزعماء مسيحيين، ويقدم نفسه كزعيم جديد واثق متعطش للاعتراف الغربي.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أول من دخل من الباب بعد هروب الأسد إلى موسكو.

وبصفته رئيس شبكة التجسس الهائلة في جهاز الاستخبارات الوطنية التركية بين عامي 2010 و2023، كان فيدان يتتبع الجولاني دائماً.

والسؤال الحاسم الآن هو: هل يمكن للجهادي أن يغير مكانته؟ فهل ستحل إعادة تسمية الجولاني الشكوك حول القيادة المستقبلية لسوريا؟


مشكلة اللاجئين
أصبح اليمين المتشدد في أوروبا قوة سياسية بعد أن فتحت الحكومات الوسطية، بدافع من ألمانيا بقيادة أنجيلا ميركل، أبوابها لملايين المهاجرين واللاجئين الهاربين من فظاعة الحرب الأهلية في سوريا.

وفجأة، بدت حدود شنغن المفتوحة عام 2015 وكأنها وصفة للفوضى وليس انتصار أوروبا الليبرالية.

وتواصل الاتحاد الأوروبي المذعور مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لاحتجاز بعض اللاجئين السوريين على الأقل مقابل مبالغ من المال، لكن هذا الحل المؤقت فشل منذ فترة طويلة في إرضاء الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا والنمسا والسويد وغيرها.

ومع وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بترحيل الملايين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، لم يعد اقتلاع المهاجرين يبدو كأنه إجراء متطرف.

ألمانيا
ومع اقتراب الانتخابات العامة في ألمانيا الشهر المقبل، يجتذب القوميون المتطرفون الناخبين بحجة أن سوريا، المحررة من الأسد، أصبحت الآن آمنة للعائدين.

ولم تعد برلين تعالج طلبات اللجوء السورية، ولا يزال 974 ألف سوري في البلاد، أغلبهم من الرجال.

وثمة 3 ملايين سوري مسجل متجمعين في إسطنبول والمدن الحدودية. والمزاج الشعبي يتحول ضدهم.

لكن عملية إعادة اللاجئين إلى ديارهم لن تنجح إلا إذا كانت سوريا تتمتع بحكومة مستقرة وحدود آمنة واقتصاد قادر على دعم تدفق العائدين.

ويلفت بويس إلى أن المعضلة واضحة. فالدول التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين ستدفعهم إلى الرحيل، ولكن العديد من اللاجئين سوف يخشون العودة إلى دولة إسلامية مقيدة.

ومن المقرر رفع العقوبات عن سوريا تدريجياً ــ ونقطة البداية الأكثر فائدة هي إنهاء القيود المصرفية والسماح للسوريين في الخارج بتحويل الأموال إلى أقاربهم، في مقابل "حكومة شاملة". وهذا يعني تعزيز دور المرأة وحماية الأقليات الدينية.

ولكن المفتاح يكمن في إعادة اختراع الجولاني. ففي معسكر سجن بوكا، احتك الجولاني بجهاديين آخرين من ألفا، وتعلم كيفية التواصل وتشكيل التحالفات.

كانت جماعة النصرة التي ينتمي إليها ممولة جزئياً من قِبَل "داعش" في العراق، وجزئياً من مانحين من القطاع الخاص في الخليج ساهموا في تمويل تنظيم "القاعدة".
لعب الجولاني على كل الأصعدة، فقدّم جبهة النصرة كجماعة مستقلة سورية بحتة بينما أبقى لفترة طويلة أي انتماء إلى تنظيم "القاعدة" سراً.

وما زالت جماعة "هيئة تحرير الشام" التي أصبحت أداة الحكم القاسية التي يستخدمها الجولاني عندما أدار محافظة إدلب في شمال سوريا مدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية والبريطانية والأوروبية. وتمويلها غامض.

رغم أنه وعد بحلها، إلا أن المشكلة أعمق من ذلك. فهل سيكون الحديث كافياً بالنسبة للجولاني للحفاظ على سوريا سليمة؟ وهل ستنتهي سوريا، بعد عام من الرقص على قبور جلادي الأسد، إلى تصدير موجة جديدة من الإرهاب في الشرق الأوسط؟ وهل يسقط قناع الجولاني؟


24.AE