"لن نغادر".. ماذا تريد روسيا من الشرق الأوسط؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, January 15, 2025

"لن نغادر الشرق الأوسط".. كلمات خرجت من فم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وحملت في طياتها ملامح مرحلة مقبلة، كانت قد غمرتها تساؤلات على مدار الأسابيع الأخيرة، عقب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

لافروف قال في مؤتمر صحفي حول نتائج عمل الدبلوماسية الروسية في عام 2024، الثلاثاء، إن بلاده "لم ولن تغادر الشرق الأوسط"، مشددا على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة.

وأكد أن "روسيا على اتصال يومي مع السلطات الجديدة في سوريا، ومستعدة للمساهمة في تحسين الوضع هناك".

وقال: "نرغب في أن نكون مفيدين في الأوضاع الراهنة، وإقامة حوار شامل بمشاركة جميع القوى القومية والدينية والطائفية وبمشاركة جميع الأطراف الخارجية".

وأعرب لافروف عن استعداد بلاده "للتعاون في الملف السوري، مع تركيا وإيران (صيغة أستانا) وكذلك العراق ولبنان".

وتتواجد قوات روسية في قاعدتي حميميم وطرطوس بسوريا، وطالما ساندت هذه القوات نظام الأسد، بقمع وضرب المعارضة المسلحة خلال العقد الماضي.

"ليست سوريا بحد ذاتها"
وتعليقا على تصريحات لافروف وما تحمله، قال الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى: "لا يعني لافروف بالضرورة سوريا بحد ذاتها، لكن الوجود في سوريا مهم لروسيا وحيوي في طريق وجودها في أفريقيا عموماً وليبيا خصوصاً".

واعتبر المصطفى في تصريحات لموقع "الحرة"، أنه "لا يمكن القول إن روسيا خسرت قواعدها في سوريا، حتى يغادر آخر جندي روسي، لكن يبدو أن هناك تأنٍ شديد من قبل الإدارة السورية الجديدة في اتخاذ أي قرار حول هذا الموضوع".

تطمينات تركية
"عدة أمور لا ينبغي نسيانها.. أولاً أن روسيا تلقت تطمينات تركية حول نفوذها في سوريا، مقابل عدم الانخراط بدعم عسكري مباشر للأسد، بالإضافة لرسائل تطمين سياسية من قبل إدارة العمليات العسكرية السورية أثناء معركة (ردع العدوان)"، وفق المصطفى.

وتابع: "ثانياً.. تملك روسيا اتفاقية موقعة مع الدولة السورية ممثلة بالنظام السابق، ولا تشير أي معلومات أو مصادر إلى أن هذه الاتفاقية تم تعليق العمل بها بعد سقوط النظام، وبالتالي ما زالت سارية على أرض الواقع".

لكن في الوقت نفسه، نوه الباحث السوري بأنه "ربما يتم تعديلها لاحقاً أو إلغاءها، حسب ما ترى الإدارة الجديدة بأنه يصب في مصلحة البلاد".

علاقة جيدة
أما العنصر الثالث الذي تحدث عنه المصطفى، فقال إنه "بعيدا عن العاطفة، وعلى الرغم من إجرام روسيا بحق الشعب السوري وإدراكها تماماً لذلك، أسوة ببقية الأطراف (مثل إيران)، فإنه من الممكن أن تقتضي المصلحة السورية بإبقاء علاقة جيدة مع روسيا، وبالتالي قواعدها، بعد إعادة صياغة اتفاق جديد معها".

وعلل ذلك بالقول: "هي دولة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن (ولديها حق النقض)، ويمكن الاستفادة منها في عدة مجالات حيوية ضرورية لإعادة بناء الدولة وربما الجيش، بعد التدمير الكبير الذي طاله، وربما يكون هذا نوع من التعويض المادي والمعنوي عن الجرائم التي ارتكبتها في سوريا".

إيران
وبشأن العلاقة مع إيران، التي كانت أيضا حليفا مساندا للأسد ودعمته ماليا وعسكريا وساهمت بقمع الثورة السورية، قال لافروف إن "اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران لن يستهدف أي دولة أخرى".

وأوضح الكرملين، الإثنين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، سيجريان محادثات في روسيا في 17 يناير الحالي، وسيوقعان بعد ذلك اتفاق "شراكة استراتيجية شاملة".

أبعاد استراتيجية
ورأى المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، أن تصريح لافروف "يحمل أبعادا استراتيجية تُظهر تمسك روسيا بدورها المحوري في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا".

وقال في حديثه لموقع "الحرة"، إن "تأكيده (لافروف) على التواصل مع القيادة السورية الجديدة، يشير إلى استمرار دعم موسكو لسوريا بعد سقوط الأسد، لضمان الحفاظ على مصالحها الإقليمية، بما في ذلك قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس، التي تُعد أساسية لنفوذها في المتوسط (منطقة البحر المتوسط)".

وأضاف بريجع: "من المرجح أن أي اتفاق مع القيادة السورية سيتضمن ضمان بقاء هذه القواعد مقابل استمرار الدعم الاقتصادي والعسكري، مع تعزيز التعاون في مشاريع إعادة الإعمار".

وتابع: "مستقبلا، قد تسعى روسيا لتوسيع نفوذها عبر مبادرات اقتصادية ودبلوماسية في المنطقة، مستغلة تنامي الحاجة السورية للدعم الدولي".

وأكد أن "تصريح لافروف قد يشير أيضا إلى أن روسيا تسعى لتوسيع دورها كوسيط إقليمي عبر الحفاظ على وجودها العسكري والدبلوماسي في سوريا، مع استثمار ذلك لتعزيز شراكاتها مع دول المنطقة".

وأشار إلى أن أي اتفاق مستقبلي مع الإدارة السورية الجديدة "قد يتضمن تقديم ضمانات للقيادة السورية بشأن الاستقرار الداخلي، مقابل منح موسكو امتيازات اقتصادية طويلة الأمد في قطاعي الطاقة والبنية التحتية".

"هذا يعكس استراتيجية روسية أوسع لتثبيت حضورها الجيوسياسي في شرق المتوسط.. ومستقبلا، قد تستخدم روسيا وجودها لتعزيز مبادرات تهدف إلى حل النزاعات الإقليمية وكسب حلفاء جدد في المنطقة"، وفق بريجع.

"في نهاية الأمر.. الحكومة السورية الجديدة والشعب السوري هم الذين سيقررون مستقبل العلاقات مع روسيا.. هل تستمر؟.. أم تتغير الأمور؟".. تساؤل ختم به بريجع حديثه ليعكس ضبابية المشهد والتساؤلات التي تراود الكثيرون.


الحرة