بعد مرور أكثر من عشر سنوات على انتسابه إلى صفوف حزب الله اللبناني، وقتاله في العديد من المناطق السورية، فوجئ عباس المنحدر من ريف حمص الشمالي، بتلقيه قرار إنهاء تكليفه القتالي وسحب بطاقته الحزبية، رغم تواجده داخل الأراضي اللبنانية، بناءً على أوامر الحزب بالإخلاء الذي صدر بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد المخلوع. ويقدر عدد الفارين الموالين لنظام الأسد إلى لبنان منذ منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2024، بنحو 100 ألف شخص، غالبيتهم العظمى من المقاتلين التابعين لحزب الله والجيش السوري السابق وعوائلهم، كانوا قد دخلوا عبر طرق التهريب غير الشرعية إلى لبنان غداة سقوط النظام.
حزب الله يتخلى عن مقاتليه السوريين ولم يكن عباس الوحيد، فقد أكد مقاتلون سوريون آخرون تلقيهم البلاغ ذاته فور دخولهم الأراضي اللبنانية، بعضهم تبلغ شفهياً عبر الهاتف، وآخرين أخبروا حضورياً داخل المراكز والمكاتب التابعة لحزب الله في الهرمل وبعلبك، خلال مراجعتهم لاستلام مرتباتهم الشهرية. وبحسب من تواصلت معهم "المدن" من العناصر السوريين، فقد أصدر حزب الله مطلع شهر كانون الثاني/يناير الجاري، قراراً داخلياً يقضي بإنهاء تكليف جميع عناصر الوحدات السورية المقاتلة، بعد انتهاء عقودهم ومهامهم القتالية وانتفاء الحاجة لخدماتهم. وحتى بعد سقوط نظام بشار الأسد، ما تزال الأعداد الدقيقة لمقاتلي حزب الله اللبناني الذين شاركوا بالقتال في سوريا مجهولة، بينما تترواح الأرقام التي قدرتها تقارير إعلامية ورويات مقاتلين سوريين بين 4000 و7000 عنصر سوري ولبناني. ويصنف جميع السوريين الذين جندهم حزب الله خلال الحرب، ضمن فئة (مقاتلي العقود المؤقتة)، إن كان من العناصر الأمنيين أو المحاربين، وبالتالي فإن الحزب لم يعد مسؤولاً عنهم أو مضطراً لدفع رواتبهم بعد انتهاء الحرب في بلادهم.
سحب السلاح من السوريين ويصف حسين من بلدة الزهراء بريف حلب الشمالي، كيفية تعامل المفرزة الأمنية التابعة للحزب، المتمركزة عند الشريط الحدودي، التي استقبلته مع مجموعة عناصر كانوا قد فروا إلى لبنان مع وصول الأمن العام التابع لوزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال السورية إلى مدينة تلكلخ. ويقول لـ"المدن": إن مفرزة الحزب "قامت بسحب أسلحتنا ومعداتنا وبطاقات الانتساب، مؤكدين على أنه إجراء روتيني لمنع اعتقالنا من قبل الجيش اللبناني المنتشر على طول الحدود، ولإعادة تقييم وجودنا قبل فرزنا إلى وحدات قتالية جديدة داخل الحزب" . وأضاف: "بعد يومين من وصولنا، طلب منا الحضور لاستلام رواتبنا وهي 100 دولار شهرياً، وهناك أبلغنا المسؤول عن مكتب الارتباط، بانتهاء مهمتنا القتالية بعد إلقائه خطاباً طويلاً عن الحرب وجهودنا فيها، وتأكيده على استمرار دعمنا بالمساعدات العينية". ويعمل حسين حالياً في متجر لبيع الألبسة الرجالية في مدينة الهرمل اللبنانية، مقابل أجر نقدي لا يتجاوز 130 دولار أميركي شهرياً، الأمر الذي دفعه للبحث عن طرق سفر إلى العراق أملاً بالحصول على فرصة عمل أفضل، على أمل أن يتمكن من الاجتماع بأسرته التي عادت إلى بلدة الزهراء.
تداعيات ومخاوف لكن أبو زينب وهو من ريف حمص الغربي، أكد على طرد قادة الحزب للمقاتلين السوريين بصورة مباشرة "خاصة من غادر بعد خبر فرار بشار الأسد إلى روسيا، معتبرين أن الحرب انتهت ولا سبب لوجودنا أساساً في لبنان". ويوضح أبو زينب الذي وصل إلى لبنان يوم 14 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن الحزب لم يخبره بقرار فصله حتى اليوم الثالث من شهر كانون الثاني/يناير الجاري " بعد أن قمت بنقل زوجتي وأطفالي إلى لبنان عبر طرق التهريب، ورفضي العودة لإجراء عملية تسوية وضع". ويقول: "بعد وصول عائلتي راجعت مكاتب الحزب أملاً بالحصول على الدعم، لكنهم أظهروا استياءً من وجودنا في لبنان، وطالبوني حرفياً بالعودة إلى بلدي بسبب هدوء الأوضاع ومنح السلطات السورية الجديدة الأمان لمن يجري عمليات تسوية وضع". وأضاف: "نعيش اليوم حياة أشبه بالسجن، لعدم قدرتنا حتى على التجول بأريحية داخل الهرمل، مخافة توقيفنا من قبل دوريات الأمن والجيش اللبناني، بعد تخلي الحزب عنا، وبالتالي احتمالية ترحيلنا إلى سوريا بسبب دخولنا الغير شرعي، وعدم امتلاكنا حتى اليوم أوراق ثبوتية تعترف بها الدولة اللبنانية". ويتشارك جميع من تحدثت إليهم "المدن" من هذه الفئة مخاوف الاعتقال في حال عودتهم أو ترحيلهم إلى سوريا، منهم من يعتبر أن قتاله لصالح حزب الله جريمة بذاتها، ولعدم وجود قرار فعلي بمنحهم الأمان على غرار عناصر النظام، وآخرين لارتكابهم جرائم جنائية وسلب أملاك المدنيين طيلة سنوات، ما يجعلهم عرضة للاعتقال حتى بعد شمولهم بالعفو كعناصر.