وصلت طائرتنا إلى مطار ليوناردو دافنتشي الدولي في مدينة روما، عند الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والأربعين من بعد الظهر. ليست هي المرة الأولى التي نزور فيها مدينة روما. فمدينة روما هي بيتنا الثاني بعد مدينة باريس. إذ نتردّد إليها عديد المرات في السنة الواحدة. لننهل من كنوز مكتباتها ونشرب من ينابيع أراشيفها. لقد كانت زيارتنا الأولى لمدينة روما الخالدة، منذ حوالي النصف قرن. وصلناها لمتابعة دراستنا الجامعية يومها. حسبنا نفسنا أنّنا في حلم. واليوم الحلم لم ينته، وإن كان قد أصبح حقيقة. فكلّ مرّة نزور فيها هذه المدينة الخالدة، نشعر بأنّنا نشاهدها لأوّل مرّة. اذ نتوقّف أمام أبنيتها الضخمة، وتماثيلها العملاقة، التي تفقد اللسان للنطق بالكلام، لتخبرنا بأسماء من مرّوا أمامها، والتقطوا الصور معها. وكيف أنّها واقفة منذ الدهور، صامدة أمام عواصف الشتاء، وشمس الصيف القاتلة. إنّها واقفة منذ الدهور، صامدة أمام عواصف الشتاء، وشمس الصيف القاتلة. إنّها رمز التاريخ والنصر البعيد، لمدينة حفرت اسمها في قلوب البشر. إنّ تاريخ مدينة روما محفور في قلب ما قبل التاريخ. وقد حيكت الأساطير حولها. أمّا أرضها فقد وطئتها شعوب العالم القديم، وصنعت منها روعة في آيات الفنّ والجمال. أمّا حكّامها، فقد اختلفت أعراقهم. فكان منهم الأوربّيّ الغربيّ ـ الأوربّيّ الشرقيّ ـ الأوربيّ الجنوبيّ، كذلك جاءها أباطرة من ليبيا في أفريقيا. لكن أشهر أباطرتها جاؤوا من الشرق، وبالتحديد من حمص وحوران في سورية. إنّ موقع مدينة روما الحضاريّ والسياسيّ، جعل منها مركزا وعاصمة للعالم القديم. فقصدها بطرس الرسول ليبشر بكلمة السيّد المسيح، وكذلك بولس الرسول. وبفضلهما تحوّلت مع مرور الزمن من عاصمة للأوثان إلى عاصمة المسيحيّة. وأصبح يعرف أسقف روما، ببابا الكنيسة الجامعة، وذلك في القرن الخامس الميلاديّ. وكما أنّ عرش الأباطرة اعتلاه أباطرة من مختلف جنسيّات الشعوب القديمة. كذلك فإنّ كرسيّ أسقف روما اعتلاه أساقفة من أربعة أطراف المسكونة. كان أشهرهم الأساقفة السوريّون، الذين حفظ لنا التاريخ سبعة أسماء منهم، ولدوا في سورية ثمّ رحلوا إلى مدينة روما. هذا عدا الذين اعتلوا كرسيّ روما من أصل سوريّ ولدوا في إيطاليا، أو في مكان آخر. الدياميس إنّ القوانين والشرائع الرومانيّة، كانت تحرّم على الشعب دفن موتاه داخل أسوار المدينة. لذا، عمد الناس إلى دفن موتاهم خارج أسوار المدينة، على طول المؤدّية إلى المدن الرومانيّة في الإمبراطوريّة المترامية الأطراف. وقد وجد الآثار عددا كبيرا من هذه المقابر في مدن الإمبراطوريّة الرومانيّة، نذكر منها : دياميس مدينة باريس ـ دياميس اليونان ـ دياميس مدينة حمص. لكنّ أشهرها على الإطلاق دياميس مدينة روما. والتي تمتدّ إلى أكثر من ألف ميل تحت الأرض. يعود تاريخ دياميس مدينة روما إلى ما قبل الأوّل الميلاديّ. وكانت تعد بالعشرات خارج الأسوار، منها الصغيرة، ومنها الكبيرة. وكان الناس لا يكترثون لأهمّيتها سوى أنّها مقابر الموتى. لكنّ هذه الأهمّية بدأت تتعاظم في الربع الأخير من القرن الأوّل الميلاديّ، أذ تحّولت هذه المقابر إلى مراكز تجمّع للصلاة. خاصّة أنّ المسيحيّة لا تنظر إلى الموت على أنّه نهاية الإنسان، بل انتقاله من الحياة الأرضيّة إلى الحياة السماويّة. وكذلك كانت المقابر مخابئ للمسيحيّين من اضطهاد السلطات الرومانيّة لهم. وأيضا لأنّها حوت في داخلها رفات بعض بابوات روما، حيث دفنوا فيها. وأيضا رفات القدّيسين بطرس وبولس، حيث دفنا في مقبرة القدّيس سبستيانوس على طريق آبيا، والتي لا تبعد كثيرا عن مدينة روما. وقد دفنا في قبر يعرف بـ " المعبد الرسولي ". والرسومات التي ما زالت قائمة على القبر تدلّ على ذلك. تعدّدت المقابر ـ الدياميس، واختلفت في أحجامها وشهرتها. لكّ أشهرها على الإطلاق، مقبرة ـ دياميس سبستيانوس، وكاليستوس، ودوميتيس. دياميس سبستيانوس اشتهرت دياميس سبستيانوس بضمّها رفات أوّل الشهداء المسحيّين الرومان. وهو سبستيانوس الشهيد، الذي رجم بالسهام حتى الموت. وسبستيانوس هو فرنّسي الأصل، ولد في مدينة نربونا، وتربّى في مدينة ميلانو، ثمّ انضمّ إلى الجيش الرومانيّ، فتدرّج في الرتب العسكريّة إلى أن أصبح قائدا للحرس الإمبراطوريّ. لكنّه لمّا شاهد كيف أنّ الإمبراطور ذيوقلسيانوس(1) أشعل نار الاضطهاد على المسحيّين، هبّ للدفاع عنهم مضحّيا بحياته في سبيل إيمانه المسيحيّ. فجرّده الإمبراطور من شاراته العسكريّة ومن سيفه، ثمّ أمر برميه بالسهام حتّى الموت، بعد أن ربط على شجرة. واستشهد عام 288 للميلاد. وقد استشهد عدد كبير من الشهداء. ودفنوا جميعا في مقبرة شارع " آبيا ". عرفت فيما بعد هذه المقبرة بـ " دياميس سبستيانوس " . وفي القرون الوسطى نقل جثمان الشهيد سبستيانوس إلى البازليك التي كانت قد بنيت فوق الدياميس، وعرفت ببازليك بطرس وبولس. لكن مع نقل رفات سبستيانوس إليها، تغيّر اسمها إلى بازليك سبستيانوس. تعدّ دياميس سبستيانوس، من أكبر المقابر خارج أسوار مدينة روما. وهي مؤلّفة من ثلاثة طوابق تحت الأرض، بعمق 17 مترا، ودرجة الحرارة فيها تتراوح بين 12 و 15 درجة مئويّة في فصول السنة كافّة. أمّا القبور، فهي موزّعة على طرفي الممرّات، وكلّها محفورة في الصخور. وهناك قبور عائليّة حفرت في الصخور على شكل غرفة، منها العاديّ البسيط، ومنها المزخرف بالرسوم والنقوش. والجدير بالذكر أنّ المسيحيّين كانوا يجتمعون في هذه الدياميس لإقامة الصلوات الليترجيّة والاحتفالات الدينيّة. وكانت التهوية تدخل إلى ممرّات الدياميس من فجوات كانوا قد حفروها خصّيصا لهذا الغرض. أمّا الإنارة، فكانت بواسطة قناديل من الزيت متوضّعة على جدران الممرّات. كانت الحياة تعجّ في دياميس الشهيد سبستيانوس. إذ كان الناس ـ كما ذكرنا ـ يؤمّونها لزيارة موتاهم وإقامة صلواتهم الدينيّة. حتّى إنّ أساقفة روما كانوا يحتفلون بالقدّاس الإلهيّ داخل الدياميس. وقد بقيت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ الإمبراطور ذيوقلسيانوس، ولد ما بين عامي 245و242م، في مدينة سالونا الواقعة في كرواتية. أعتلى الحكم العام 284م. حكم بقبضة من حديد حتّى العام 305م. استشهد في عهد عديد كبير من المسيحيين. توفّي عام 312.
الحالة هكذا إلى أن أعلن الإمبراطور قسطنطين الكبير(2) حريّة الأديان، وعندها بدأ الناس يخرجون من الدياميس إلى العلن، لإقامة شعائرهم الدينيّة بحريّة كاملة. فبنوا الكنائس، ونقلوا إليها عظام الشهداء في الإيمان، وكرّسوا لها الهياكل في الكنائس التي بنوها، لتكون لهم ذخائر مقدّسة في حياتهم. ورويدا رويدا أهملت الدياميس، وهجرها الناس، واختفت عن الوجود مع حلول القرن التاسع. لكن ما إن حلّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتّى عادت الدياميس تظهر إلى الوجود. وبأمر من البابا بيوس التاسع(3)، بدأ العمل في التنقيب عن آثارها. فقام عالم الآثار الإيطالي جوفاني دي روسي (+1894)، باكتشافها، وبدأ بتنظيف مداخلها. ومع حلول النصف الثاني من القرن العشرين، كشف عن جميع مسالك الدياميس، فظهرت جميع معالمها بشكل واضح وجليّ. أمّا تلميذه الأب ماركي، فقد ذهب إلى القول إنّ عدد المسيحيّين الذين دفنوا في هذه الدياميس، مجتمعة، يربو على السبعة ملايين نشمة. ويقول الأب ماركي، " كانت بريّة بروما مليئة بالمدافن، وكانت الحقول الرومانيّة تحيا بالقبور ". وإن دلّ هذا الكلام على شيء، فإنّه يدّل على أنّ سهول مدينة روما وحقولها، كانت تسبح على بحر من الدياميس. عندما تدخل بازليك القدّيس سبستيانوس، تجد فورا على يسارك مذبحا حفظت فيه ذخائره. أمّا في الجهة اليمنى ـ أمام مذبح القدّيس الشهيد ـ فتجد مذبحا فيه بصمات قدمين محفورتين في الحجر. وتقول الروايات المتناقلة إنّها بصمات قدمي السيّد المسيح، الذي ظهر للقدّيس بطرس الرسول في طريق آبيا. إذ كان القدّيس بطرس خارجا من مدينة روما، ليرحل عنها، فظهر له السيّد المسيح حاملا صليبه. وفورا ركع القدّيس بطرس أمامه وسأله قائلا : " إلى أين أنت ذاهب يا سيّد ؟ ". فالتفت إليه السيّد المسيح قائلا : " إنّني ذاهب إلى روما لأصلب ثانية ". ففهم القدّيس بطرس كلام السيّد المسيح وأقفل عائدا إلى مدينة روما. وبعد أيّام قليلة من عودته نال إكليل الشهادة. والتقليد يقول إنّ قدمي السيّد المسيح حفرتا على حجر الطريق. وما كان من مسيحيّي مدينة روما إلاّ أن نقلوا هذه البصمات ووضعوها في الدياميس أوّلا، ثمّ نقلوا إلى البازليك التي شيّدت في ما بعد. دياميس كاليستوس تقع دياميس كاليستوس على مقربة بضعة أمتار من دياميس سبستيانوس. وقد يكون من الممكن أنّهما تشتركان في بعض الممرّات بينمها. عرفت باسم دياميس كاليستوس، نسبة إلى البابا القدّيس الشهيد كاليستوس(4)، الذي استشهد أمام هذه الدياميس مع بعض شمامسته، بينما كان يبشّر المسيح. وكان ذلك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2 ـ الإمبراطور قسطنطين الكبير، ولد عام 272م، في مدينة تيشيش الواقعة في صربيا. اعتلى الحكم عام 305م. أعلن في العام 313، مرسوم ميلانو الشهير، الذي ينص على التسامح الديني في الإمبراطورية الرومانية. عقد في العام 325 المجمع المسكوني الأوّل، الذي يعرف بالمجمع النيقاوي. وفي عهده بنيت كنيسة القيامة في مدينة القدس، بهمة والدته الامبراطورة هيلانة. نال سر العماد المقدّس عام قبل وفاته. علما أنّه كان يؤمن بالمسيحيّة ويمارس شعائرها. توفّي في العام 337. 3 ـ البابا بيوس التاسع، هو جيوفاني ماريا ماستاي – فيريتي، ولد عام 1792. درس اللاهوت في موطنه سينيغاليا ـ إيطاليا. سيم كاهنا عام 1819، وفي العام 1827، عيّنه البابا لاوون الثاني عشر رئيسا لأساقفة مدينة سبوليتو ـ إيطاليا، وفي العام 1840، عيّن كاردينالا. اعتلى السدّة البابوبة عام 1846. توفّي عام 1878. عقد في عهده المجمع الفاتيكاني الأوّل 1869 ـ 1870، وكانت غايته الأولى تعزيز السلطة البابوية، حيث أجمع آباء المجمع على استحداث عقيدة عصمة البابا. 4 ـ البابا كاليستوس، ولد في مدينة روما. كان عبدا قبل أن يعتق ويعمل لحساب سيده في جمع الأموال لخزينة سيده. كذلك كان يجمع المال للكنيسة، والذي كان مخصصا للأرامل والأيتام. سامه البابا فكتور الأول شمّاسا لكنيسة روما، وعيّنه مسؤول على سراديب المقابر، أي الدياميس. أعتلى السدة البابوية عام 217، خلفا للبابا زيفيرينوس. سمح في عهده للكهنة والشمامسة الزواج من جديد بعد ترمل نسائهم، وسمح أيضًا بوسائل منع الحمل والإجهاض نظرًا لكون المعتقدات السائدة آنذاك بعدم وجود روح في الجنين خلال الأيام الأربعين الأولى من الحمل. ومع هذه القرارات الاجتماعية الحافلة، يعتبر البابا من أهم بابوات القرون المسيحية الثلاث الأولى. سنة 222 للميلاد. والمعروف عنه أنّه كان شمّاسا في خدمة البابا زيفيرينوس (5)، وكان قد كلّفه البابا بالاهتمام بإدارة المقابر المسيحيّة. وبعد وفاة البابا زيفيرينوس خلفه كاليستوس على أسقفيّة روما عام 217 للميلاد. وفي عهده قاوم البدع الكنسيّة. وعند استشهاده دفن مع رفاقه الشمامسة في هذه الدياميس. تعدّ دياميس كاليستوس، مقبرة البابوات، إذ دفن فيها أكثر من خمسة عشر بابا، معظمهم عاشوا خلال القرن الثالث الميلاديّ. نذكر منهم البابا كرنيليوس(6) الذي مات شهيدا سنة 253 للميلاد في المنفى. ثمّ نقل جثمانه إلى روما، حيث دفن في دياميس كاليستوس. وهذا البابا أيضا من مقاومي البدع التي قامت في زمانه. وهناك البابا سيكستوس الثاني (7)، الذي استشهد في شهر آب من عام 258 للميلاد، بينما كان يحتفل بمراسيم الذبيحة الإلهيّة داخل دياميس كاليستوس، مع أربعة من شمامسته. فألقيّ القبض عليه، وقطع رأسه وشمامسته معه إلاّ واحدا منهم، وهو رئيس الشمامسة لورانوس(8). إذ أذاقه الجنود الرومان أرهب أنواع العذاب حتّى مات شهيدا. ويحكى أنّه وزّع أموال الكنيسة على الفقراء والمحتاجين قبل موته. وقد دفن الجميع في دياميس كاليستوس. وقد اضطهدوا بعد أن أصدر فاليريانوس(9) الإمبراطور، مرسوما يقضي فيه بأن تقطع رؤوس جميع الإكليروس المسيحيّ. ومن البابوات الذين اكتشف قبرهم في دياميس كاليستوس، نذكر منهم، لوقيوس الأوّل (10)، اسطفانوس الأوّل (11)، ديونيسيوس (12). وقد انتخب بعد شغور كرسيّ البابويّة لمدّة عام، من وفاة البابا سيكستوس. ويعتقد أنّ البابا ملقيادس (13) الأفريقيّ الأصل، هو الآخر مدفون في دياميس كاليستوس، في قبر البابوات الأحرار. عندما تنزل الدرج المنحدر بشدة في دياميس كاليستوس، تجد نفسك في صالة تسمّى البازيليك. وهي محفورة في الصخر على شكل كنيسة صغيرة، حيث كان يصلّي فيها أساقفة روما مع الشعب المؤمن. وقد دفن فيها عدد من البابوات. ومنها تتجه إلى القبور المصطفة على جانبي الممرّات الضيّقة. وكلّها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5 ـ البابا زيفيرينوس، ولد في مدينة روما. أعتلى عام 199، السدة البابوية خلفا للبابا فكتور الأوّل. أصدر في عهد حبريته الإمبراطور ألكسندر سيفيروس (193 - 211) مرسومًا يحظر فيه اعتناق الديانة المسيحية ويعاقب حتّى الموت كل من يعتنق المسيحيّة، وقد استشهد الكثير من المسيحيين بعد أن خضعوا للتعذيب أمام العامة. توفّي عام 217. 6 ـ البابا كرنيليوس، اعتلى السدة البابوية عام 251. توفّي شهيدا في سبيل ايمانه عام 253. 7 ـ البابا سيكستوس الثاني، أصله من بلاد اليونان، ولد عام 215. أعتلى السدّة البابوية عام 257. توفّي عام 258. 8 ـ الشمّاس لورانوس، يلقّب بـ " حامل إكليل الغار". كان يخدم شمّاسا في كنيسة روما في عهد البابا سيكستوس الثاني. توفّي عام 258 شهيدا في سبيل ايمانه على عهد الامبراطور فاليريانوس. 9 ـ الامبراطور فاليريانوس، ولد عام 193 وتوفّي عام 264. تسلّم السلطة الامبراطوريّة في العام 253. شهدت الإمبراطورية الرومانية في عهده، اضطرابات واسعة شرقا وغربا. 10 ـ البابا لوقيوس الأوّل، ولد في مدينة روما العام حوالي العام 200. أعتلى السدّة البابويّة عام 253. توفّي سنة 254. 11 ـ البابا اسطفانوس الأوّل، ولد في مدينة روما، في عائلة تعتبر من أشراف المدينة. اعتلى السدّة البابويّة سنة 254. توفّي العام 257. عرف عنه غزارة علمه وشدة تقواه. 12ـ البابا ديونيسيوس، ولد حوالي العام 200. اعتلى السدّة البابوية عام 259، وتوفّي سنة 268. ساعد كنائس كبادوكيا بأن أرسل لهم المال، لإعادة بناء كنائسهم التي دمرت على أيدي القوطيين. 13 ـ البابا ملقيادس، يسمّى أيضا ملتياس و ملخياس. ولد في شمال أفريقيا. أعتلى السدة اليايوية سنة 311. في عهد أصدر الامبراطور قسطنطين الكبير مرسوم ميلانو الذي ينص على الحرية الدينية في الإمبراطورية الرومانيّة. توفّي سنة 314. فارغة، إلاّ بعضا منها، ما زالت تحوي عظام بعض الموتى. وهي محكمة الإغلاق، لم تفتح منذ تلك العصور الغابرة. وأحيانا تجد نفسك أمام غرفة كبيرة، تحتوي جدرانها على رسومات ونقوشات تمثل أصحاب تلك القبور. كما أنّك تجد أسماءهم وتاريخ ولادتهم ووفاتهم. وحتّى أحيانا عملهم في الحياة الأرضيّة. ونتابع المسير، فإذا بنا ننحدر إلى الطابق الأسفل، فنسير في سراديب ملتوية. وفجأة نجد أنفسنا من جديد في الطابق الأعلى، أمام درج قديم متهدّم. وهنا نقف الدليلة السياحيّة لتقول لنا " من هذا الدرج كان ينزل المؤمنون إلى الدياميس لدفن موتاهم، أو إقامة شعائر صلواتهم ". إنّه درج قديم قد الدياميس. لكنّه لم يعد صالحا للاستعمال، لأنّ عوامل الطبيعة فعلت فيه فعلها، فتهدّم ولم يعد باقيا منه إلاّ القليل. ونتابع المسير في ممرّ طويل، في نهايته نمرّ في بعض الممرّات الملتوية، لنصل في نهاية المطاف إلى ما يسمّى بـ " الكابلاّ "، وفيها قبور بعض القدّيسين الشهداء، ومذبح صغير، تقام عليه الذبيحة الإلهيّة كلّ يوم. وعند أقدام المذبح تنتهي الزيارة، لنتوجّه من جديد إلى درج مستقيم بشدّة، ليس ببعيد عن هذه الكابلاّ. لنصعد من جديد إلى سطح الأرض، وأنفاسنا منقطعة، لشدّة استقامة الدرج. دياميس دوميتيس عندما نخرج من دياميس كاليستوس، نتّجه إلى أقصى يسار الطريق المؤدّية إلى مدينة روما. حيث تؤدّي بنا إلى دياميس دوميتيس. ودوميتيس هي حفيدة العائلة المالكة أصحاب الأرض التي تقوم عليها الدياميس. اعتنقت المسيحيّة، واستشهدت في سبيل إيمانها. لذلك عرفت الدياميس باسمها. وقد بنيت في القرن الرابع بازليك كبيرة فوق الدياميس على اسم الشهيدين نيري وآخيل. وكانت في القديم تحت الأرض، أمّ في يومنا الحاضر، فنصفها تحت الأرض والنصف الآخر فوق الأرض. تبدأ الزيارة من البازيليك، حيث ننزل الدرج، ثمّ نبدأ بالانحدار في الطوابق الأرضيّة، دون أن نشعر بالانحدار. لا اختلاف بين دياميس دوميتيس والدياميس الأخرى. فكلّها مصمّمة على طراز واحد. لكن لكلّ واحدة قصتها وشهرتها. تشتهر دياميس دوميتيس، أنّها حوت لفترة طويلة قبر وذخائر القدّيسة الشهيدة بطرسيّة. وبطرسيّة هي ابنة القدّيس بطرس الرسول. وقد خدمته إلى آخر رمق من حياته. وفي القرون الوسطى نقلت ذخائرها إلى كاتدرائيات فرنسا، حيث ما زالت موجودة حتّى أيّامنا هذه. إن ما يلفت نظرنا في هذه الدياميس لوحة جداريّة رسمت على منحنى أحد القبور، تمثّل الرسولين بطرس وبولس، وقد ظهرت عليهما التعابير العربيّة الشرقيّة. واللوحة هي الأقرب إلى حقيقة وجهيهما. وما زالت محفوظة بشكل جيّد. أمّا في أسفل الدرج المنحدر من الكنيسة إلى الدياميس، فهناك لوحة رخاميّة حفرت عليها قصة الشهيدين نيري وآخيل، كما وضعها البابا دماسيوس الأوّل (14) الإسباني الأصل. والتي يلخّص فيها حياتهما، إذ يقول إنّهما كانا جنديّين لدى السلطات الرومانيّة، مهامّهما تنفيذ حكم الإعدام الصادر عن المحاكم بحق الناس. لكنّ تغيّرا جرى في حياتهما بأن رميا سلاحهما وتبعا المسيح فنالا إكليل الشهادة، بكلّ فرح وقوّة ومجد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 14 ـ البابا دماسيوس الأوّل، ولد مدينة لوزيتانيا الواقعة في بلاد البرتغال، السنة 305، والتي كانت ـ في حينها ـ تابعة للإمبراطورية الرومانية. اعتلى السدة البابوية سنة 366. توفّي سنة 384.
الرموز في الدياميس ما زالت سراديب الدياميس تحتفظ بالرموز والنقوش الموجودة على جدرانها. والتي أصبحت مع الزمن ذات شأن في الديانة المسيحيّة. فكثيرا ما نرى أغصان الزيتون وأغصان التخيل. فالأولى رمز السلام، أمّا الثانية فهي شعار النصر. أمّ الراعي الذي يحمل خرافه، فيرمز إلى المسيح الذي يرعى كنيسته. وكثيرا ما نرى أيضا السمكة مرسومة فوق القبور، وقد أصبحت رمزا من رموز المسيحيّة الهامّة. وهي باللغة اليونانيّة تتكوّن من كلّ حرف من حروفها جملة " يسوع المسيح ابن الله المنقذ ". وكثيرا ما نجد في الجدرانيّات أزهارا وكروم عنب وحقول السنابل، وجميعها ترمز إلى الفردوس. أمّا اليمامة، فهي رمز الروح القدس. وطير الفينيق هو رمز الحياة. ومع مرور الزمن، خرجت المسيحيّة من سراديب الدياميس، وأخرجت معها هذه الرموز إلى وجه الأرض، لتظهر إلى العلن الفنّ المسيحيّ الأوّل. وقد أصبحت مع الزمن موجودة في أماكن العبادة كافّة. وتحوّلت من جدرانيات صغيرة إلى جدرانيات كبيرة، ثمّ تحوّلت إلى لوحات من الفسيفساء. هذه هي الدياميس، زياتها واجب مقدّس، لأنّها حوت في جدرانها ذخائر القدّيسين والشهداء في القرون الأولى للمسيحيّة. من بطرس وبولس مرورا بسبستيانوس ونيري وآخيل، وصولا إلى الشمّاس لورانوس، وغيرهم. والحقّ أنّ زيارة كنائس مدينة روما واجب لكلّ من يحج إليها. لكنّ زيارة الدياميس واجب مقدّس. فهل من دم أقدس من دم الشهيد، فكيف إذا كان لإيمانه ؟ّ. مصادر البحث 1 ـ داثيو خوان، معجم البابوات، نقله إلى العربيّة أنطوان سعيد خاطر. الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان 2001. 2 ـ ديورانت ول، قصة الحضارة، تعريب محمّد بدران، المجلّد السادس. القاهرة ـ مصر 2001. 3 ـ يتيم ميشيل وإغناطيوس ديك، تاريخ الكنيسة الشرقيّة، الطبعة الثالثة. لبنان 1991. 4 – Antonio Ferrua, La Basilique et la catacombe de saint Sébastien, cité du Vatican 1982 . 5 – Jean Canby, Pour lire l’histoire de l’Eglise, Paris – France 1986 . 6 – U, berto M. Fasola, La Catacombe du Domitille et la Basilique des martyrs Nérée et Achillée, II eme édition française mise a jour par Philippe, cité du Vatican 1986 .