أشارت إسرائيل في تقارير إعلامية مؤخراً إلى علاقة روسيا بتسليح "حزب الله"، بشكل يكسر عادتها التي تتحدث عن تلك العلاقة فقط ضمن أروقتها الأمنية المغلقة، وليس علناً، لأسباب متعددة، أهمها تجنب الصدام السياسي المباشر، خصوصاً مع الوجود الروسي القريب في سوريا، والرغبة في الحفاظ على علاقة جيدة مع موسكو حتى لو شاب تلك العلاقة بعض التوتر أحياناً.
وطرحت الدولة العبرية تفاصيل تلك العلاقة في دراسة بحثية لمركز المعلومات الاستخباراتية "مئير عميت"، وإن تحاشى الخوض عميقاً في العلاقة الملتبسة بين روسيا وإيران وحلفائها. وقال المركز الإسرائيلي أنه رغم تكرار القول أن إيران تعتبر المورد الرئيسي لتسليح "حزب الله"، إلا أنه تبين أن نحو 60 إلى 70 في المئة من الأسلحة التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، تم تصنيعها في روسيا. ويشمل ذلك قذائف حديثة مضادة للدبابات أُنتجت العام 2020، وقنابل وصواريخ.
وبحسب التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية، فإن هذه الوسائل القتالية جاءت من مخازن قوات النظام السوري المخلوع ومن مستودعات الجيش الروسي بسوريا، ما يعد اتهاماً إسرائيلياً ضمنياً لروسيا بتسليح "حزب الله" بأسلحة "فاعلة". وذكر المركز الاستخباري الإسرائيلي، أن هذه الأسلحة هُرّبت إلى "حزب الله" عبر رحلات جوية مباشرة من إيران أو في قوافل عبر الأراضي السورية، بينما صنعت بقية أسلحة الحزب بواقع ثلث الكمية، في إيران، أو أنتجها الحزب ذاتياً بلبنان.
واللافت أن إثارة موضوع السلاح الروسي الذي تتحدث إسرائيل عن حضوره بقوة خلال حربها على لبنان، سبقته تقارير عبرية قبل أشهر، تطرقت إلى مسألة الدعم الاستخباراتي الروسي لإيران و"حزب الله" والحوثيين، لدرجة اتهام موسكو بأنها أرادت استمرار الحرب في الشرق الأوسط، لخدمة مصالحها في ظل صراعها مع الغرب. لكنّ سقوط نظام الأسد بدا عاملاً مستجداً شجع تل أبيب أكثر على الحديث عن دور السلاح الروسي في القتال مع "حزب الله" تحديداً.
وبحسب تسريبات إسرائيلية، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقايضة روسيا ورئيس النظام السوري بشار الأسد قبل سقوطه بأسابيع قليلة، بتقديم ضمانات محددة، مقابل منع تمرير السلاح إلى "حزب الله"، لكن المقايضة لم تعجب الدوائر الأمنية الإسرائيلية التي خشيت أن تؤدي إلى تعزيز دور روسيا في لبنان، مع اعتقادها أن موسكو تمارس دور الابتزاز السري في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران وحلفائها.
كما كشفت تسريبات عبرية سابقة عن منح تل أبيب لروسيا خلال الثورة السورية، معلومات استخباراتية عن الجماعات الجهادية وفصائل المعارضة، لدرجة أن تلك المعلومات مكنت موسكو من مساعدة نظام الأسد من استعادة السيطرة على مناطق سورية واسعة قبل سنوات، مقابل أن تتمتع تل أبيب بحرية الضربات الجوية بسوريا ضد الأخطار الأمنية ضدها في وقت كان فيه "حزب الله" و"الحرس الثوري" يتمددان في سوريا أيضاً.
وبالعودة إلى السلاح الروسي، قالت وسائل إعلام عبرية في السابق أن "حزب الله" استخدم قنابل انشطارية، مُصنعة في الصين، ضد القوات الإسرائيلية خلال توغلها في جنوب لبنان أثناء القتال.
وربما يكون الحديث عن السلاح الروسي في يد "حزب الله" اليوم، محاولة من إسرائيل لتبرير نقضها للاتفاقات، إلى جانب تسويغ سردية الذرائعية التي تنتهجها مع لبنان، تحت عنوان "الفهم الخاص" للحروب والهدن، في محاولة لتبرير انتهاكاتها المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار منذ اللحظة الأولى لبدء سريانه، ولتكون ذريعة استباقية لأي بقاء محتمل لقواتها في بعض النقاط التي تعدها استراتيجية قرب الحدود، بعد انقضاء مهلة الستين يوماً للهدنة المحددة، والتي تنتهي بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
وهنا، برر الجيش الإسرائيلي خروقاته الكثيرة لاتفاق وقف إطلاق النار، بقوله أن فهمه للاتفاق مختلف عن فهم لبنان له، وكأنه يبرر استباقياً بذلك الانتهاكات المستقبلية أيضاً، وليس فقط الحالية والماضية. وذلك جزء من سردية أوسع تعمل من خلالها تل أبيب على ترسيخ واقع أمني جديد في المنطقة بعد أحداث هجوم حركة "حماس" عليها في 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي أشعل الحرب في غزة لاحقاً. وتفيد تلك السردية بأن شيئاً لن يقيد نشاط تل أبيب العسكري ولا تحركها الاستباقي، لمنع الخطر المحيط بها.
ويُلاحظ أنّ تل أبيب تمهد لصيغة عسكرية مع لبنان، على نحو مُغايِر عما سبق، بالرغم من الاتفاق الحالي، وذلك بإقرار "المركز الإسرائيلي للمعلومات الاستخباراتية"، بأنه رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بسلاح "حزب الله" خلال الحرب، إلا أن الحزب مازال يتمتع بقدرات كبيرة ليشكل تهديداً لإسرائيل، إذا لم يتم تفكيكه من جميع أسلحته طوال الوقت.
ويؤشر هذا التعبير الإسرائيلي إلى أن المعركة الإسرائيلية ضد الحزب لم تنتهِ، وإن اتخذت شكلاً آخر، وأن عينها ستبقى مراقبة لسلاح الحزب الموجود في كل لبنان، وليس فقط بالجنوب.
في السياق، علق المراسل العسكري لتلفزيون "مكان" العبري على انسحاب القوات الإسرائيلية من بلدة الناقورة جنوب لبنان، بالقول أن الأوساط العسكرية أخبرته أن الانسحاب من الناقورة، هي "بادرة إسرائيلية"، لإثبات أنها "غير معنية" بالبقاء في الجنوب اللبناني، لكن هذه الأوساط أبقت "العوائق اللوجستية" الخاصة بانتشار الجيش اللبناني، بمثابة ذريعة لتأخير الانسحاب، إضافة إلى أن الادعاء بأن الجيش اللبناني يحصر دوره في إزالة ركام الدمار، والتخلص من القذائف غير المنفجرة، وليس تحييد خطر "حزب الله" وانتهاكاته، بمنظور إسرائيل.
واعتبر الجيش الإسرائيلي أن الأسابيع المقبلة تشكل الاختبار الحقيقي لاتفاق وقف إطلاق النار، ما يثير تساؤلات بشأن الجدية الإسرائيلية، وعدم بقاء قواتها في نقاط حدودية داخل لبنان، خصوصاً المرتفعة والمطلة على العمق الإسرائيلي، تحت ذرائع متعددة.