لعيد الغطاس لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي نكهة خاصة، فهذا العيد الذي يقع في السادس من كانون الثاني (يناير) من كل عام حافل بالعادات والتقاليد، إنطلاقاً من رمزية عمادة السيد المسيح في نهر الأردن .
كان المسيحيون قديماً يعيّدون الميلاد والغطاس في يوم واحد هو 6 كانون الثاني، الى أن أمر يوستنيانوس قيصر (532 م. – 527 م.)
في السنة 35 من حكمه بفصل العيدين: الميلاد في 25 (ديسمبر) كانون الأول، والغطاس في 6 (يناير) كانون الثاني. فامتثلت الرعايا تباعاً عدا الأرمن الأرثوذكس الذين لايزالون يعيدون العيدين معاً حتى اليوم، وفقاً لما أورد المؤرخ لحد خاطر في كتابه "العادات والتقاليد اللبنانية "الجزء الأول، مضيفاً: "في النصارى من يدعو ليلة الغطاس ليلة القدر، كما يدعو المسلمون ليلة 28 من رمضان".
وللغطاس عادات وتقاليد لا يزال بعض أبناء القرى والبلدات اللبنانية يحافظون عليها حتى اليوم، كما يقول المؤرخ والباحث نبيل يوسف من البترون، إذ يشير الى "أن عيد الغطاس لا يقل أهمية عن عيد الميلاد، وفي تاريخنا كان الغطاس وتقاليده أهم بكثير من عيد الميلاد وما يرافقه من احتفالات.
فاحتفالات عيد الميلاد الحالية (المغارة والشجرة المزينة وبابا نويل) لم تصل الينا الا مع النصف الثاني من القرن العشرين، ولم تتوسع إلا مطلع السبعينات، بينما تقاليد الغطاس في قرانا عمرها مئات الأعوام".
معتقدات وتقاليد
كان عيد الدنح أو الغطاس من الأعياد المهمة جداً في حياة أجدادنا، ولهذا العيد تقاليد ومعتقدات متوارثة منذ سنواتٍ وسنوات أبرزها صنع الحلويات، فكانت ربات البيوت يقبلن على إعداد أصناف محددة من الحلويات الخاصة بهذا العيد مثل: الزلابية والمعكرون والعوّامات وأقراص بسمن وسكر، تقدم في المنزل والى زوّاره..
كان الناس وبعضهم حتى اليوم يؤمنون بأنّ السيد المسيح يطوف منتصف ليلة الغطاس على المنازل ليباركها، لذلك كانت تترك أبواب البيوت مفتوحة والمصابيح مشتعلة، والناس ينتظرون قدومه. وإن غفا أحدٌ سارع رفاقه الى إيقاظه ليسجد للمسيح في خلال مروره.
كان الناس في هذه الليلة أيضاً، يوقدون النار في بيوتهم لشدة برد كانون ويلتفون حولها، ومن الاعتقادات القديمة أن يستعمل حطب التوت للتدفئة في الغطاس، باعتبار أن شجر التوت متمرد متكبر لا يسجد للمسيح في لاخلال مروره. ومن الاعتقادات أيضاً أن يقوم البعض بضرب النار بقضيبٍ طويل، فإذا تطاير الشرر تفاءلوا بالخير وتمنوا أن يعطيهم الله قدر هذه الشرارات غلالاً، ففي هذه الليلة تنزل الملائكة على الأرض لتستمع إلى طلبات الناس، وفيها تبقى أبواب السماء مفتوحة وطلبات المؤمنين مستجابة.
في الليل، كانت ربة البيت تتفقد ما عندها من مؤن (طحين، برغل، عدس، تين، زبيب، وسواها) فتحرّكها مردّدة: "دايم، دايم"، ليباركها المسيح عند مروره فتكفيهم الشتاء كله.
كان أحد الأبناء يتوجه ليلاً إلى القن (خم الدجاج) ويثير حفيظة الديوك والفراخ لكي تبدأ بالصياح. ومن العبارات التي تتردد أثناء ذلك: "جايي ليكن يعقوب بو اسحاق، تا كلّكن تقعدوا قراق". والاعتقاد أن هذه العملية تبارك الدجاج لتفقيس الصيصان.
صنع الخميرة: يغيّر الناس في هذه الليلة خميرتهم، فهي تبقى في المنزل من عجنة إلى عجنة طوال السنة، فمتى أتى عيد الغطاس غيّروها. فيعجنون قليلاً من الطحين بواسطة أصغر الأولاد، ويجعلونها قرصاً يرسمون عليه شارة الصليب، ثم يضعونه في كيس من الشاش الأبيض، ويعلقونه على أقرب شجرة إلى المنزل عدا شجرتي التين والتوت.
ويترك قرص العجين معلقاً في الشجرة حتى الصباح، ليصبح خمير السنة الجديدة. ويقول البعض أن شجرة الخرنوب أعفاها المسيح من السجود له.
قداس العيد: يصل المصلون الى قداس العيد حاملين معهم المياه ليصلي عليها الكاهن. وبعد القداس يعودون إلى منازلهم ويشربون منها، وبخاصة المرضى، ويرشون المنزل للتبرك، ويضعون منها في الآبار ومشارب الحيوانات، ويحتفظون بالقسم الباقي للتبرك به عند الحاجة. وكان الكاهن يطوف بعد القداس على المنازل ليباركها بالمياه المصلاة وحديثاً لمباركة أشجار الميلاد أيضاً.
عمادة الأطفال: كان الأهالي يؤثرون تقديم أطفالهم لقبول سر العماد المقدس في هذا العيد.
هذا كان في ما مضى، وأما اليوم فالكثير من تلك التقاليد زال أو على طريق الزوال.