لبنان أمام أصعب 72 ساعة: هل يولد الرئيس 14 للجمهورية؟
شارك هذا الخبر
Monday, January 6, 2025
يشتدّ حَبْسُ الأنفاس ورَبْطُ الأحزمة في لبنان مع انشداد الأنظارِ إلى عقارب الساعة الرئاسية المضبوطة على توقيتٍ مفصلي حدّده رئيس البرلمان نبيه بري، الخميس المقبل، موعد جلسةِ انتخابٍ تُسابِق مساراً شائكاً من تفكيك تعقيداتٍ ما زالت ماثلةً أمام استيلاد الرئيس 14 للجمهورية، ما يجعل سؤال «المليون دولار»: هل يكون 9 يناير «خط النهاية» لإقفال بابِ فراغٍ متمادٍ منذ 26 شهراً أم أن «أقفال» قصر بعبدا تحتاج لمزيدٍ من تقاطُع مفاتيح الحلّ لفتْحها؟
وإذ لم يكن أحد في لبنان يملك الجوابَ الحاسِمَ على مآلات جلسة الخميس ومعها استحقاقٌ رئاسي لن يكون هذه المرة جسرَ انتقالٍ للسلطة من عهدٍ إلى آخَر بل يُراد أن يشكّل ممراً لـ «بلاد الأرز» برمّتها من مرحلةٍ إلى أخرى على متن المتغيّرات الجيو – سياسية التي تدحرجت، من «حرب الإسناد» في الجنوب اللبناني إلى سورية، ولم ينتهِ بعد «تأثير الدومينو» الذي أحدثَتْه، فإنّ السيناريواتِ المحتمَلةَ لـ 9 يناير الموعود بدأتْ تضيق في ضوء انحسار الخيارات ومعها الهوامش أمام الأفرقاء الوازنين.
وفي الوقت الذي بات المشهد الداخلي أسيرَ 72 ساعة لن يعلو فيها صوتٌ فوق صوت «طبول معركةٍ رئاسية» تخاض بـ كواتم«تارة وبأعلى النبرات على المنابر طوراً، بما حَجَبَ حتى موعديْ 20 يناير الأميركي و 27 منه اللبناني أي تاريخ انتهاء هدنة الستين يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف النار بين بيروت وتل ابيب، فإنّ الأكيدَ أن الأيامَ الثلاثة الفاصلة عن الخميس المفتوح على كل الاحتمالات ستكون حُبلى باتصالاتٍ ولقاءاتٍ ومناوراتٍ، وربما بسياساتٍ أقرب إلى «لدْغ العقارب» ودسّ السم في تراجعاتٍ تكتية أو فيتواتٍ معلَنة، إما لزوم إيصال مرشح الضرورة أو الخيار وإما لإحباط أي سيناريواتٍ لـ»إنزالٍ«رئاسي في غفلةٍ من توازنات البرلمان التي لا تمنح فريقاً واحداً «بوليصة تأمينٍ» من «غدْر الأرقام».
ومع العدّ العكسي للجلسة رقم 13 في مسلسل الدعوات لانتخاب رئيس، بدا محسوماً أن لا حلّ جاهزاً حتى الساعة «في اليد» يتيح ضمان انتخابِ رئيسٍ بتفاهُم عريضٍ أي بأكثرية الثلثين أي 86 صوتاً وهو السيناريو الذي أكثر ما ينطبق على قائد الجيش العماد جوزف عون، في حين أن خياراتِ النصف زائد واحد (65 نائباً) ما زالتْ على أعلى الشجرة ويتطلّب انزالُها أيضاً جهوداً خارقة للاصطفافات الداخلية وتُراعي في الوقت نفسه المعايير العربية – الدولية التي باتت الناظِم للاستحقاق الرئاسي والتي تعني إدارة الظهر لها تمديد بقاء لبنان «في زاويةٍ» زجّ نفسَه فيها وانعزل عن عمقه العربي وامتداده الدولي وتفويت فرصة «اللحاق بقطار» التحوّلات في الشرق الجديد.
سيناريوهات
وفي هذا الإطار أمكن حصْر سيناريوهات جلسة الخميس بثلاث:
- أن تنجح اتصالاتُ الساعات المقبلة في كسْر المزيد من الجدران التي تفصل قائد الجيش عن غالبية الثلثين فيتصاعد الدخان الأبيض من البرلمان من الدورة الأولى، وتكون هذه «الطريق المختصرة» التي توصل لبنان إلى رئيسٍ بشراكة داخلية وازنة في انتخابه، وبتناغُم مع مزاجٍ عربي ودولي يدعم خيار قائد الجيش لاعتبارات عدة بينها أولوية الواقع الأمني، سواء في ضوء حرب لبنان الثالثة التي لم تُطوَ نهائياً بعد أو المتغيّر السوري وما يَفرضه من تحدياتٍ على الحدود، إلى جانب كونه محطّ ثقة خارجية في ظل أدائه على رأس المؤسسة العسكرية والاطمئنان إلى رعايته مسار استعادة الدولة في لبنان سيادتها على أراضيها والإصلاح السياسي والاقتصادي، والعبور بالبلاد إلى ضفة ما بعد اتفاق وقف النار من دون استجرار خضّاتٍ داخلية مكلفة.
وفي هذا الإطار، أكدت معلومات أن الأمير يزيد بن فرحان المكلف الملف اللبناني في وزارة الخارجية السعودية والذي استكمل أمس لقاءاته مع مختلف القوى السياسية في بيروت، لم يسمّ مباشرة العماد جوزف عون بوصفه الرئيس الذي تريده المملكة، بل هو كرر المواصفات التي سبق لـ«مجموعة الخمس حول لبنان» أن حدّدتها للشخص الذي سيتولى الكرسي الأولى كما للمرحلة وما تتطلّبه خصوصاً لجهة ملاقاة المتغيرات في المنطقة ودخولها من البوابة الرئاسية، الأمر الذي استُشف منه أن هذه المواصفات تنطبق على قائد الجيش بالدرجة الأولى، ومع تجديد الموفد السعودي ثابتة أن الرياض ستَرسم ما سيكون على صعيد العلاقة مع لبنان في ضوء ما سيُظْهره اللبنانيون من إدراك لحجم ما جرى ويَجري من حولهم وكيف سيتصرّفون بإزاء هذه التحولات وهل سيمضون في تكرار مساراتٍ سابقة أثبتت عدم جدواها.
ولم يكن عابراً في سياق «سيناريو قائد الجيش» الموقف الذي أطلقه مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا أمس من موقع اغتيال السيد حسن نصرالله، في الضاحية الجنوبية لبيروت وأعلن فيه "لا فيتو" لدى الحزب على العماد عون لرئاسة الجمهورية، والفيتو الوحيد على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «لأنّه مشروع تدمير وفتنة وحرب».
وتم التعاطي مع موقف صفا، الذي أطلّ للمرة الاولى بالصوت والصورة منذ محاولة اسرائيل اغتياله في قلب بيروت إبان الحرب الأخيرة، على أنه «لَعَم» للعماد عون، لا يمكن الجزم أنها قابلة للتحوّل نعم في جلسة الخميس، في ظلّ معطياتٍ كانت تحدّثت عن أن رئيس البرلمان نبيه بري، كان غلّف عدم الحماسة لقائد الجيش خلال لقاء الأمير بن فرحان بأنه ليس خياراً متوافَقاً عليه داخلياً لعبور عتبة 86 صوتاً (بديل عن تعديل الدستور كونه من حلقة «موظفي فئة أولى وما يعادلها»).
في المقابل جرت قراءة التصويب العنيف من صفا على رئيس «القوات»، الذي لم يعلن ترشحه حتى اليوم للرئاسة، على أنه أشبه بـ «غطاء ناري» لانسحابٍ من الثنائي الشيعي عن رفْض خيار قائد الجيش واعتبار السير به «هزيمة» لحزبٍ يشكل رافعة المعارضة ورأس حربة في المواجهة السياسية مع «حزب الله».
وإذ سيتضح الموقف النهائي لبري و«حزب الله» في اليومين المقبلين، فإنّ خيارَ قائد الجيش ما زالت تعترضه الحاجة إلى غطاء مسيحي من واحدة من كتلتين، إما «التيار الوطني الحر» الذي يرفض رئيسه جبران باسيل في شكل قاطع انتخاب عون، وإما «القوات اللبنانية» التي تؤكد معلومات أنها لم تبلغ الموفد السعودي اعتراضاً على قائد الجيش بل رهنت السير به بتوافر غالبية الثلثين له، وذلك خشية أن يكون الثنائي الشيعي مع باسيل يعدّون «تهريبة» لمرحلة الـ 65 صوتاً (الدورة الثانية وما بعد) ينبغي التحسب لها بـ «ما يلزم».
- السيناريو الثاني ألا ينال قائد الجيش 86 صوتاً في دورة أولى يجري التعاطي معها على أنها «دورة العماد جوزف عون» فيتم الانتقال إلى دورات الـ 65 صوتاً، أي إلى مرحلة «الخطط ب» التي تزدحم فيها أسماء صف أول وثان، وفي ظلّ عدم إسقاط إمكان بروز أسماء مستورة في ربع الساعة الأخير عشية الجلسة، رغم الاقتناع بأن أي رئيسٍ سيُنتخب بالنصف زائد واحد يجب أن ينال أيضاً قبولاً عربياً ودولياً، وهو معيار يلتزم به حتى بري لإدراكه ما سيكون على المحكّ بحال أتى رئيس «بلا أجنحة» خارجية في مرحلةٍ عنوانها الإعمار ولجم اسرائيل عن استئناف حربها أو رفض الانسحاب من القرى التي تحتلها في جنوب لبنان في 27 يناير.
- أما السيناريو الثالث بحال لم يمرّ العماد جوزف عون، واستجرّت الدورة الثانية سلسلة دوراتٍ من دون أن ينال اي اسم 65 صوتاً، وهو ما تتعزز احتمالاته إذا تجاوز عدد المرشحين 2 أو 3، يرفع بري الجلسة ويحدد موعداً سريعاً، من دون أن يعني ذلك إسقاط احتمال دفْع الاستحقاق لِما بعد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 الجاري، مع ما ينطوي عليه ذلك من مَخاطر تَمْثُل أساساً في الأسبوعين الفاصلين عن هذا التاريخ والخشية من اندفاعةٍ اسرائيلية سواء في اتجاه إيران أو حتى نحو مزيد من تهشيم اتفاق وقف النار مع لبنان وتنفيذه بنسخةٍ تنخرها الخروق الفاضحة.
وفي الوقت الذي يصل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بعد ظهر اليوم إلى بيروت حيث سيترأس بعيد وصوله اجتماعاً للجنة الخماسية المولَجة الإشرافَ على تنفيذ اتفاق وقف النار - ومرحلته الأولى تفكيك كل البنية العسكرية للحزب جنوب الليطاني وانسحابه منها وانتشار الجيش اللبناني بالتوازي مع انسحاب الجيش الاسرائيلي من الأراضي التي يحتلّها جنوباً - فإن مَهمته الأمنية التي يتردد أنها تشتمل على محاولة تمديد مهلة الستين يوماً الانتقالية تفادياً لهبوب «رياح الحرب» مجدداً، تشمل في جانب آخَر الملف الرئاسي واحتمالاته، رغم الانطباع بأن ثِقل دوره تَراجَعَ مع العدّ التنازلي لفتح صفحة ترامب في البيت الأبيض.