الركود التضخمي في الأفق: بريطانيا تواجه تحديات اقتصادية معقدة
شارك هذا الخبر
Tuesday, December 24, 2024
هل يجب أن يكون "الركود التضخمي" الجملة السائدة هذه الأيام؟. هو مصطلح يستخدمه الخبراء الاقتصاديون لدفع المصارف المركزية إلى اتخاذ قرارات اقتصادية غير مريحة. وحال نمر بها عندما يكون النمو الاقتصادي بطيئاً أو معدوماً والتضخم مرتفعاً ومعدلات الفائدة عالية.
هل يبدو هذا مألوفاً؟. يفوق التضخم في بريطانيا التوقعات عند 2.6 في المئة، والبنك المركزي البريطاني أبقى على أسعار الفائدة عند 4.75 في المئة.
لكن لكي يقع اقتصاد ما في ركود تضخمي، ثمة شرط آخر: ارتفاع معدل البطالة. لا تمر بريطانيا بذلك في الوقت الحالي (على رغم أن المعدل من المتوقع أن يرتفع، بسبب قرار وزيرة الخزانة رايتشيل ريفز زيادة الضرائب على الوظائف).
قد يفسر القلق من المشكلات الأخرى سبب تصويت لجنة بنك إنجلترا بالطريقة التي صوتت بها فقررت تثبيت معدلات الفائدة حتى في ضوء خفض مصارف مركزية أخرى المعدلات. وانقسمت لجنة السياسة النقدية لدى البنك المكلفة تحديد معدلات الفائدة إلى ستة مؤيدين وثلاثة معارضين، مع تفضيل الثلاثة تخفيض المعدلات إلى 4.5 في المئة.
كنت أتوقع تصويت سواتي دينغرا لمصلحة التخفيض، فهي العضو الخارجية في اللجنة وصديقة أصحاب الرهون العقارية، وهي من المؤيدين الثابتين لخفض المعدلات. ولا شك في أنها العضو الذي يؤيد التخفيض حتى لو صوت الأعضاء الثمانية الآخرون بخلاف ذلك.
وانضم إليها هذه المرة السير ديف رامسدن، أحد نواب محافظي المصرف الثلاثة الذي صوت على غرارها من قبل، وكذلك الوافد الجديد آلان تايلور. تايلور هو أول شخص عينته ريفز وحل محل جوناثان هاسكل المتشدد الذي كان من شبه المؤكد أن يصوت لمصلحة إبقاء المعدلات كما هي.
قد يؤدي ذلك إلى تحول في مسار اللجنة في اتجاه أكثر تساهلاً قليلاً إذ يوازن العضوين المتشددتين الخارجيتين (كاثرين مان وميغان غرين) عضوان متساهلين. وهذا التطور يستحق المتابعة.
وربما يكون هذا التحول مفيداً لريفز بينما تتعامل مع تداعيات الاقتصاد الراكد الذي ستتحمل مسؤوليته. وقد لا يكون إلقاء اللوم عليها منصفاً، لكن تحمل الملامة في هذا المجال جزء من التوصيف الوظيفي لوزيرة الخزانة، كما أن حزب العمال قدم بعض الوعود الاقتصادية الجريئة، بما في ذلك التعهد بجعل بريطانيا البلد الأفضل أداءً في "مجموعة السبع".
كانت الحمائم هذه المرة قلقة في شأن "ضعف سوق العمل" في بريطانيا – على رغم أن هذا الضعف لا بد من أن يكون كبيراً حتى تكون بريطانيا في وضع الركود التضخمي الكامل – وتباطؤ الطلب. وهم يرون أن هناك "ضغطاً تنازلياً على الطلب والأجور والأسعار" ويشعرون بقلق حيال الظروف العالمية الضعيفة. وتستدعي "موازنة الأخطار بصورة مواكبة" خفضاً لمعدلات الفائدة في رأيهم. ولو كنت عضواً في لجنة السياسة النقدية (من فضلكم، لا تضحكوا) أعتقد بأنني كنتُ لأقف في صفهم.
من الواضح أن الغالبية كانت أكثر قلقاً من تسويات رفع الأجور وعوامل أخرى دفعت التضخم إلى مستوى أعلى من المستهدف، حتى لو شل بقاء معدلات الفائدة مرتفعة الاقتصاد. أمور كثيرة تقلق اللجنة، ليس أقلها دونالد ترمب والرسوم الجمركية التي يهدد بفرضها.
والاقتصاد البريطاني ضعيف – أضعف من المتوقع – مع توقع نمو صفري للفصل الرابع من العام. لن يمر وقت طويل قبل أن يصبح هذا الصفر رقماً سلبياً. ومن شأن فصل سلبي ثانٍ أن يضع بريطانيا رسمياً في حال ركود. يجب أن أؤكد أن هذا غير متوقع، ويرجح المولجون بوضع التوقعات انتعاشاً ونمواً أعلى عام 2025. وستوفر خطط الإنفاق الحكومي التي أعلنتها ريفز اندفاعة للاقتصاد (على رغم أن هذا سيضيف أيضاً إلى الضغوط التضخمية).
ومن المتوقع أيضاً أن تنخفض معدلات الفائدة، وإن كان الانخفاض "تدريجاً" على حد تعبير محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي. يجعلني تصويت أول من أمس الخميس بواقع ستة إلى ثلاثة أكثر ثقة بخفض معدلات الفائدة في فبراير (شباط) عام 2025، قبل خفض ثانٍ في وقت لاحق من العام.
وسيواجه أصحاب المنازل طريقاً صعبة. تخضع اتفاقات الرهون ذات المعدلات الثابتة، وهي الاتفاقات الأكثر شيوعاً – تلك التي يتواصل العمل بها لسنتين أو خمس سنوات –لتوقعات بعيدة الأجل على صعيد معدلات الفائدة التي تحددها سوق مقايضات معدلات الفائدة في القلب التجاري للندن، وليس المعدلات الأساسية التي يحددها بنك إنجلترا.
ويرجح محضر لجنة السياسة النقدية أن تراوح معدلات الفائدة في المملكة المتحدة (والولايات المتحدة) ما بين 3.75 وأربعة في المئة في غضون ثلاثة أعوام، مقارنة باثنين في المئة فقط في منطقة اليورو (خفضها البنك المركزي الأوروبي إلى ثلاثة في المئة خلال اجتماعه الأخير).
انتهى تماماً عصر المال الرخيص والرهون العقارية الرخيصة جداً، ويلاحظ بنك إنجلترا أن 37 في المئة من أولئك الذين يحملون اتفاقات رهون ذات معدلات ثابتة لم يعيدوا بعد تثبيت معدلات قروضهم منذ أن بدأت معدلات الفائدة بالارتفاع.
لذلك لم يصِب بعد الأثر الكامل لمعدلات الفائدة المرتفعة ملايين المقترضين، المتوقع أن تصيبهم صدمة مالية سيئة العام الجديد. وهذا مهم للاقتصاد لأن ثقتهم ستتضرر وسيُقيد إنفاقهم. نحن في رحلة وعرة، وربما تكون الكلمة الحقيقية في الوقت الحالي هي "انعدام اليقين".