مقاعد البدلاء-بقلم د. قصي الحسين

  • شارك هذا الخبر
Thursday, December 19, 2024

عملية طوفان الأقصى، لم تكشف العدو الإسرائيلي وحسب، بل تعدّت إلى كشف المقاومة في لبنان، والنظام السوري أيضا. كانت قوتها بقوة الزلزال الذي لم يهدأ بعد، وهو يأخذ بناره وركامه، جميع دول الهلال، من غزة إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن.
ولا شك، أن نتنياهو، مهما عتا وطغى وبغى وإستبدّ، فإنه في النهاية، إلى محكمة في قبو تحت الأرض، تحاسبه على فساده، وتعدد له ما جرّ على الدولة، وسيكون حسابه عسيرا، وسينال جزاءه.

أما في لبنان، فقد إرتدّ الطوفان الإسرائيلي على المقاومة وحزب الله، بمحرقة كبيرة، فإستشهد القائد العام سماحة السيد حسن نصر لله، ومعظم قيادات الصف الأول، في الحزب وفي المقاومة، حتى صار الحديث يدور، عن خسارة المقاومة والحزب لأوراق كثيرة، إذا لم نقل أنهم يتحدثون عن إحتراق جميع الأوراق التي كانا يملكانها.
وفي سوريا، كان المشهد مختلفا للغاية، فقد سقط النظام سقوطا مريعا، بقرار من الرئيس بشار الأسد، الذي وقّعه، قبل أن يوضب حقائبه، ويلجأ إلى الرئيس فلاديمير بوتين، في روسيا، ويترك بلاده للفصائل الإسلامية في دمشق، ولإسرائيل في الجولان.
وفي غزة، قتلت إسرائيل يحيى السنوار القائد العام لحماس، وقتلت أيضا إسماعيل هنية. وصارت غزة حكما، تحت النيران الإسرائيلية، تدير لعبة القتل والهدم والترويع والترحيل، للغزيين، حتى أجل غير مسمّى.

وسارع العراقيون لملاقاة النوازل الإسرائيلية الجسام، التي نزلت بسوريا ولبنان وغزة، فسارعت بغداد إلى جمع أوراقها، وخروجها من مشهد المقاومة وإغلاق الساحة، والتعهد أمام سيّادها الأميركيين، بأنها لن تعود إليها مرة أخرى.
أما الحوثيون فصاروا إلى الوعي بالساحة، بعد ما شاهدوه وما سمعوه. وأخذوا بنصيحة الشهيد السيد حسن نصرالله، بأن الموقف فيما تشاهدون، لا فيما تسمعون. فكيف الحال، إذا صارت الساحة: نارا ودويا. فسكتت صواريخهم، بعد أن راعهم المشهد. وصاروا يتحسسون مواجعهم ومهاجعهم، ويحسبون ألف حساب، إذا ما أشتدّ عليهم الأمر، ووقعت الواقعة، وتركوا لوحدهم تحت نيران إسرائيل وأميركا، وسائر القوى المواجهة.
وأما إيران نفسها، التي كانت ترعى وحدة الساحات، فقد نالتها القنابل والصواريخ الإسرائيلية، وجرّبت الأسلحة الجديدة على رأسها، ولم تجرؤ على الرد، خشية أن تدخل الحرب، وهي تتبع سياسة القتال بالأذرع، لا بجندها ولا بالإيرانيين من أبنائها. كما هي لا تريد أن تعرّض أرضها ومدنها وشعبها للإحتراق. فقد رأت بعينيها كيف تكون الحرب مع إسرائيل، وهي حتما ليست أقوى منها ولا أذكى. وليس عندها في المجتمع الدولي أية حظوة، بعد أن رأت أيضا كيف جاء الأسد إلى بوتين وهو يخشى، فكان عنه تلهى.
المنطقة كلها في الشرق الأوسط على شفا التغيير، خصوصا بعد فوز الرئيس دونالد ترامب. وقد سرّعت إسرائيل جرائمها، في الفترة المتبقية من عمر ولاية بايدن، حتى تمهّد الأرض للرئيس دونالد ترامب والذي سيتولى منصبه، في ٢٠/١/٢٠٢٥.
فقد ضمّت إسرائيل الجولان كله، وصارت تحرّض على الضفة بعد غزة، خصوصا أن الرئيس الأميركي الجديد، يفتش عن حل فلسطيني، خارج حل الدولتين. وهذا ما يجعله أقرب لإسرائيل وإيران، لأنهما يتقاطعان على ذلك.
الأزمة المستجدة في الشرق الأوسط، قد مهّدت الطريق إلى الشرق الجديد، كما يرى وليد جنبلاط. وقد ملأت الفصائل الإسلامية سوريا، وتغيّرت السياسة التي كانت تتحكم بالبلاد. ولهذا صار من الضروري، التفتيش عن مقاعد للبدلاء، في جميع الدول التي جعلتها إسرائيل تحت زلازلها. ومن هنا نأخذ بطرح الأسئلة:
١- من سيحكم لبنان؟ وما هي شروط الوكالات الجديدة؟ ما هي شروط المقاعد البديلة: من هو رئيس الجمهورية، ومن هو رئيس الحكومة، ومن هو رئيس مجلس النواب، بعد الإنتخابات النيابية القادمة؟
٢- كيف سيكون وجه المقاومة، بعد الزلزال الإسرائيلي، ومن هم البدلاء عن قيادات الصف الأول في حزب الله وفي المقاومة، وفي المجلس النيابي، وفي الحكومة؟
٣- من يحكم سوريا في المرحلة القادمة؟ ومن يرعى دولتها ويموّلها، ويجعلها قادرة على النهوض من الأرض، بعدما تداولها النظامان: السوري والإسرائيلي، قرابة ثلاث أرباع القرن؟ وهل حضّرت مقاعد للبدلاء الصالحين للمرحلة القادمة: عنيت بوضوح، الشرق الجديد الذي يتم تداول الحديث عنه؟
٤- ماذا بعد حماس في غزة؟ فهي تحتاج إلى بدلاء لملء مراكز الحكم فيها، وما هي الشروط المطلوبة إسرائيليا وأميركيا لتحضير مقاعد البدلاء؟ فغزة لا تنتظر، لأنها «لا تبيع البرتقال، لأنه دمها المعلب»، فكيف «إذا ما إكتمل الردى فيها»؟
٥- نتنياهو نفسه، إلى قدره، حرّا أم سجينا، بعد محاكمته في قبو مخصص له تحت الأرض. فمن هو البديل عنه؟ وما هي التوجهات الإسرائيلية الجديدة؟ وهل سيتم نقل الحرب الإسرائيلية إلى الضفة، بعد غزة؟ فقد تعب نتنياهو من الحرب بعد سنتين على إشعالها، ومن هو البديل عنه لإكمال المهمة في الضفة؟
٦- والسؤال موصول إلى العراق أيضا، فهل تحضر مقاعد للبدلاء فيه، بعد إستكمال الرئيس دونالد ترمب عدته السياسية والحربية، فهو يتوعد بزلزلة الشرق؟ فهل يعود العراق، إلى حضن الفصائل الإسلامية من جديد، ويكتمل الرجاء بين دجلة والفرات؟ هل سيعود ترمب، إلى سياسة بوش الإبن في العراق من جديد؟
٧- ما السؤال عن الحوثيين في اليمن؟ إن حكم اليمن محيّر، وهو لا بد أن يترك لما بعد، لأن الحرب في اليمن لا تنتهي، وليس هناك من خطة، لإنهائها، بل هناك خطة لإشعالها وإحراقها، حتى سجدة التوبة، على الطريقة الزيدية. فهل هذا في القريب العاجل، أم في القريب المؤجل؟!
٨- لعلّ إيران، هي اليوم الشغل الشاغل، للهمّين العربي والغربي، وإسرائيل بينهما. فهل تحضر لها أيضا مقاعد بديلة؟ فتخرج من حكم الملالي، قريبا أم أخيرا؟
أصعب مقاعد البدلاء، هي مقاعد الملالي في إيران. فهل نحن على شفا حرب، تذهب بالامبراطوريات، أم يتم الإكتفاء ببدلاء للأذرع أولا، ثم يترك الجذع صامدا؟
قرأت في تاريخ إبن الأثير: أن قاضي بغداد، جلس للقضاء وهو أقطع. ثم مضى زمن، فوجده أقطع وأكتع. لكنه ظل يجلس للقضاء، حتى أُخذ. وتم تعيين قاضٍ بديل. ظل دهره يحذّر: أيكون مصيره، مصير القاضي الأكتع والأقطع؟