جيوبولتيكال فيوتشرز- هل تستغل تركيا تراجع النفوذ الإيراني في بلاد الشام؟
شارك هذا الخبر
Thursday, December 5, 2024
كان متوقعاً أن تحاول تركيا استغلال الفجوة التي أحدثتها إسرائيل في نفوذ إيران، بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).
ووفق كامران بخاري، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة أوتاوا، فإنه يبدو أن الوقت قد حان لذلك. فبعد انقطاع دام ثماني سنوات، تمكنت الفصائل السورية المدعومة من تركيا في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) من السيطرة على مدينة حلب، ودخلت مدينة حماة، مما وضعها تقريباً في منتصف الطريق بين حلب والعاصمة دمشق. وقال بخاري في تحليله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي: لم يتمكن المتمردون من تحقيق مثل هذا الإنجاز حتى في ذروة الحرب الأهلية السورية. في الوقت نفسه، تقوم الطائرات الروسية لأول مرة منذ سنوات بضرب مواقع المتمردين، وقام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة لروسيا بحثاً عن الدعم. وانتهت الحرب الأهلية السورية فعلياً في ديسمبر (كانون الأول) 2016، عندما استعادت القوات الحكومية السورية السيطرة الكاملة على حلب.
ونجح الأسد في البقاء في السلطة، ولكن بعد انتهاء الصراع، فقدت حكومته مناطق مهمة في الشمال والشرق لصالح عدة قوى هي: هيئة تحرير الشام (التي قادت الهجوم على حلب هذا الأسبوع)، والقوات التركية، وتنظيم داعش الإرهابي، والانفصاليون الأكراد. ويمكن القول إن انتصاره كان بفضل الدعم الجوي الروسي وإيران وحزب الله. وأصبح يعتمد عليهم بشكل كامل. وعندما غزت روسيا أوكرانيا عام 2022، لم تعد قادرة على التركيز على سوريا. ووجدت موسكو عزاءً في إدراكها أن إيران ما زالت قادرة على دعم الأسد عسكرياً، وأن تركيا ليست في وضع يسمح لها بإحياء حركة التمرد. من جانبه، كان الأسد مدركاً لمأزق روسيا، وعرف أن وجود إيران المتجذر في سوريا يعني حاجته إلى خيارات أخرى، ومن هنا جاءت جهود المصالحة التي قام بها عام 2023 مع دول عربية. ورغم أهمية هذه العلاقات، فإنها لم تكن كافية لإخراج نظام الأسد من دائرة النفوذ الإيراني. وكان الأسد يدرك أن الصراع المتزايد بين إيران وإسرائيل قد يمتد إلى سوريا. في هذا السياق الأوسع، وقع هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، الذي أشعل صراعاً إقليمياً أضر بالمصالح الإيرانية في سوريا ولبنان، وترك بذلك مجالاً للقوى البديلة الطامحة. كانت تركيا وشبكتها من الفصائل المتمردة تتابع الوضع عن كثب، وتخطط وفقاً لذلك. وكانت أنقرة تعمل على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، حيث رأت كيف أن الدول العربية تصلح علاقاتها مع دمشق، وأرادت بدورها الاستفادة من رغبة النظام السوري في تنويع علاقاته الإقليمية.
التطلع إلى المستقبل
لكن تركيا ستجد صعوبة في ملء الفراغ الإيراني، بحسب الكاتب، مستشهداً بعدم تطابق المصالح السورية بشكل كامل مع المصالح التركية، في وجه طهران، والحاجة إلى تقليل النفوذ الإيراني. وتتفق سوريا وتركيا على قضايا مثل مواجهة الانفصاليين الأكراد، لكن أنقرة تعد تهديداً لسوريا أكثر من كونها حليفاً؛ إذ تحتل القوات التركية مساحات واسعة من الأراضي السورية في الشمال، وتُعد أنقرة الداعم الرئيس للفصائل المسلحة. والأهم من ذلك، برأي الكاتب، أن الأسد لا يريد أن يبتعد عن فلك إيران ليصبح في فلك دولة أخرى لها طموحات إقليمية. وهذا ما يفسر رفض الأسد في يوليو (تموز) الماضي عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتطبيع العلاقات، ووضع انسحاب القوات التركية من بلاده كشرط مسبق لأي خطوة كهذه. وقد أكدت الهجمات المتمردة في الأيام الماضية صحة مخاوفه.
وكانت أنقرة تعرف أن جهودها الدبلوماسية لن تنجح على الأرجح، لكنها مضت قدماً لأنها لم تكن تعلم أن إيران وحزب الله سيتعرضان للضعف بهذه السرعة. وكان الدمار الذي تعرضا له فرصة تاريخية لم تستطع تركيا تفويتها. وتشير السرعة التي نُشرت بها القوات الموالية لتركيا إلى أن أنقرة قد استعدت لهذه الفرصة مسبقاً. وتعكس سرعة استيلاء حلفائها على حلب على الأرجح مدى ضعف إيران الآن في بلاد الشام. وكانت إسرائيل تقصف إيران وحزب الله لأشهر، مما أجبرهما على توجيه مواردهما في اتجاه، أدى إلى خلق ثغرات في الدفاعات السورية استغلتها الفصائل المسلحة.
السؤال الحاسم
والسؤال الحاسم، بحسب الكاتب، هو مدى قدرة طهران وموسكو على مساعدة القوات السورية في مواجهة هجوم الفصائل المسلحة، التي طالما تعاني من الانقسام الداخلي، وهو عامل يحد من قدرتهم في السيطرة على دمشق ومعاقلها على الساحل المتوسطي. وخلص الكاتب إلى أن ما نعرفه على وجه اليقين هو أن هيمنة إيران في بلاد الشام تقترب من نهايتها، وتسعى تركيا لتحل محلها، ومن المرجح أن تستهلك حرب أهلية سورية متجددة قدراً كبيراً من انتباه إدارة دونالد ترامب الثانية.