هل ينجح نتنياهو بعزل الجنوب عن البقاع واحتلال جنوب الليطاني قبل وقْف الحرب؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, November 25, 2024

للمرة الأولى منذ حرب عام 2006 على لبنان، وصلتْ قوات الاحتلال الإسرائيلية الى قرية ديرميماس على بُعد أقل من كيلومتر واحد من نهر الليطاني جنوباً، وأدخلتْ عدداً من دباباتها المتمرْكزة في المطلة والتابعة للفرقتين 210 و98 التي تشارك في حربٍ على جبهة قريبة جداً من بلدة، الخيام حيث تدور معركة عنيفة مع المقاومة في محاولة إسرائيلية لعزْل وحدات «حزب الله» الموجودة في البقاع، عن الجنوب، جنوب نهر الليطاني.

وتهدف اسرائيل لاحتلال منطقة جنوب نهر الليطاني قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات وفرْض الشروط حينها لوقف الحرب، لاعتقادها (غير الدقيق) أنها أضعفت قدرات الحزب. فكيف هو المشهد العسكري الحالي وكيف يمكن أن تتوقف الحرب؟

لا يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القبول بالقرار 1701 الذي وقّعه رئيس الوزراء السابق إيهود اولمرت عام 2006 بعد حرب يوليو والذي يفرض ليس فقط إخلاء جنوب الليطاني من أي مستودع او سلاح تابع للحزب، بل ايضاً انسحاب إسرائيل الكامل من كل الأراضي اللبنانية واحترام سيادة لبنان. وهذا ما لا يُريده نتنياهو الذي يعتبر ان السيطرة الجوية على الأجواء اللبنانية بعد الحرب جزء من الأمن الوطني لجمْع بنك المعلومات عن خطر تطوير «حزب الله» نفسه وترسانته العسكرية وهوية وأماكن وجود القادة ومخازن الأسلحة.

كما يَعتبر نتنياهو أن بلدة شبعا وجنوب قرية الغجر، ملكاً لإسرائيل التوسعية.


لذلك، فإن عليه تحقيق «نصر مطلق» على أرض المعركة، كما وعد الإسرائيليين منذ بدء المعركة، وتفجير كل الأنفاق التي يعلم بوجودها و«تنظيف منطقة جنوب النهر» قبل ان يجلس الى طاولة المفاوضات مشترطاً مراقبة ارضية وجوية تسمح بمنع دخول السلاح الى المنطقة التي يَعتقد أنه يستطيع احتلالها، ومنْح إسرائيل حق التدخل لمنع إعادة تسليح الحزب إذا لم يتولّ الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» إزالة التهديد ضد بلاده.

ما لم يدركه نتنياهو هو ان المقاومة لم تسقط بعد 12 شهراً من القصف المدمّر لمناطق أو قرى جنوب نهر الليطاني، ولا بعد أكثر من 50 يوماً من القتال في مناطق الحافة الامامية الحدودية ومناطق أخرى جنوب نهر الليطاني.

ففي 2006، وصلت الدبابات الى الغندورية وعيناتا وكونين والطيري وشيحين وطير حرفا وشمع والبياضة (على الساحل) وشرقاً الى ديرميماس وبرج الملوك والقليعة ومرجعيون وبنت جبيل والطيبة والقنيطرة وعدشيت ووادي الحجير بعد فقط 30 يوماً من القتال.

أما اليوم، وفي القطاع الشرقي، تحاول قوات الاحتلال دخول الخيام منذ أسابيع بعد معارك ضارية بداخلها وعلى أطرافها من دون السيطرة عليها. وتَعتبر إسرائيل أن وجود قوات الحزب المضادة للدروع خطر كبير على دباباتها، ولذلك فهي تستخدم سلاح الطيران والمدفعية كي تمهّد هذه الأذرع العسكرية الطريق أمام قوات النخبة «غولاني» التي تحاول الدخول وفتْح الطريق أمام التقدم المدرع لاحقاً.

ومن المتوقع أن تتجه القوات الاسرائيلية نحو ابل السقي ومن بعدها مرجعيون والقليعة وبرج الملوك لقطع وحدة «حيدر» المتمرْكزة في البقاع عن وحدة «نصر» المسؤولة عن القطاع الشرقي وجزء من القطاع الأوسط.

وبعد 50 يوماً من القتال، وصلت اسرائيل الى ديرميماس الحدودية، القريبة جداً من مستوطنة المطلة والتي تتواجد المقاومة فقط على مشارفها والتي تبعد كيلومتر واحد عن الليطاني.


وتتقدّم القوات الإسرائيلية في كفركلا ونحو الطيبة ورب ثلاثين بعدما سيطرت على حولا وميس الجبل الحدودية.

اما في القطاع الأوسط، فقد دخلت الى عيترون ومارون الراس، وهي على أطراف عيناتا وبنت جبيل. وعلى محور قريب، دخلت القوات الإسرائيلية الى عيتا الشعب وراميا ومروحين، وهي قرى حدودية مدمّرة بالكامل منذ بداية حرب «طوفان الأقصى»، إلا ان الطريق نحو بيت ليف وياطر وكفرا، لا تزال طويلة.

وفي القطاع الغربي، تقدّمت القوات الغازية من مروحين ويارين نحو شمع التي احتلتْها وهي تتقدم حتى جنوب البياضة الساحلية حيث تدور معارك مع المقاومة لتقطع طريق الساحل وتعزل جيوب المقاومة داخل المربع حتى بلدة الناقورة الحدودية وتفتح الطريق لتقدُّم آمن لدبابات الفرقة 146 لتندفع عبر الطريق الساحلي بعد تأمين جوانبه وبحماية البحرية وغطاء جوي لإزالة أي تهديد حتى مشارف مدينة صور.

لكن الطريق طويلة للسيطرة على كامل منطقة جنوب الليطاني، فالاحتلال يدفع خمسة فرق (210، 98، 91، 36، 146) بينها ثلاث فرق مدرعة ستستغرق وقتاً طويلاً لإنجاز أهدافها. أما السيطرة الكاملة وإزالة تواجد ونشاط المقاومة في المنطقة فيُعتبر مَهمة شبه مستحيلة. اذ تستطيع قوات الاختصاص (المضادة للدروع والمسيّرات والوحدات الصاروخية) إمطار أي موقع ثابت تصل وتتمركز فيه قوات الاحتلال في كامل منطقة جنوب النهر.

وتالياً، فإن صواريخ الحزب المضادة للدروع الليزرية «الكورنيت» يصل مداها الى 8 كيلومترات وهي مسافة بعيدة جداً، تُطلق من شمال النهر وبالتحديد ضد أهداف في القطاع الشرقي الضيق.

هذا عدا عن المسيّرات التي تستطيع وحدة «بدر» المتمركزة شمال الليطاني إطلاقها بغزارة وبشكل متواصل رغم السيطرة الجوية الإسرائيلية.

إضافة الى ذلك فإن قوات الجغرافيا (المؤلّفة من سكان المنطقة) في جنوب النهر (بدر وعزيز) وقوات الاختصاص الخاصة (الرضوان) ستتكفل بالكمائن والهجمات لمنع استقرار قوات الاحتلال، وهذا هو هدفها كقوة مقاومة - وليس كجيش نظامي - بالاستمرار بتدفيع الثمن للقوات الغازية.


وتالياً من المتوقّع أن ترفض قيادة الحزب الجلوس الى طاولة المفاوضات من موقع المغلوب إلا بعد إحداث التوازن من خلال رفع عدد القتلى وإفقاد المسؤولين الإسرائيليين الشهية على البقاء في الوحول اللبنانية.

ولن يُجْدي القصف اليومي للضاحية الجنوبية - الهادف لفرض ثمن باهظ على الحزب و(إيران) لإعادة الإعمار وإطالة أمد وعدد المهجرين من البيئة الحاضنة للمقاومة - لفرْض شروط الاستسلام، ولا لدفع سكان الضاحية للانقلاب على المقاومة التي بدأت تهتم بشؤون المهجرين وتنظيم طرق دعمهم المادي والغذائي وإيوائهم في مناطق وجودهم.

ولن يستطيع بنيامين نتنياهو القضاءَ على منظومة الصواريخ الصغيرة التي تُطلق ضدّ المستوطنات الشمالية بسبب امتلاك الحزب لأعداد كبيرة منها تستطيع تغطية كل القرى التي تحتلّها إسرائيل على طول الحدود. بل إن التفاوض السلمي المتوازن هو الحل الوحيد الممكن الآن والذي لن يتحقق إلا على أسس متكافئة ينتجها الميدان.

فإذا وجدت إسرائيل مناطق رخوة أمامها في جنوب النهر تستطيع قواتُها التقدم في اتجاهها بسهولة معقولة، فهي ستتقدم وتطوّر هجومها نحو شمال النهر حيث تتمركز «قوات نصر». وإذا وجدتْ صعوبة بالبقاء أو التقدم فستلجأ الى الانسحاب السريع المنظّم، بعد أن تكون حسّنت القرار 1701 مع إضافة بعض الطلبات المتعلقة بآلية التنفيذ التي لن ترفضها المقاومة.

يبدو من التقدم البري الحالي ان اسرائيل لا ترغب بوقف النار لتخرج من لبنان إلا بعد إكمال احتلالها لجنوب النهر وليس قبل ذلك ما دامت خسائرها مقبولة. وستحاول إعادة النظر بتقدم قواتها بشكل متواصل لتحديد أهدافها وخسائرها لتبني على هذه النتائج خطواتها وخطتها المستقبلية.

فهل تنجح بتحقيق هدفها قبل انتهاء مدة الرئيس جو بايدن أم ستبقى في الوحل اللبناني إلى ما بعد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 يناير؟ تبقى الكلمة ومصير الحرب والسلم للميدان وحده.


الراي الكويتية