“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة - بقلم وليد شقير

  • شارك هذا الخبر
Saturday, November 23, 2024

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته.

يصعب تصور نجاح تلك المفاوضات أو فشلها خارج سياق المشهد الدولي الإقليمي الخاضع لدفق تحولات تؤثر في مصيرها. فمع إشاعة أجواء التفاؤل التي رافقت وأعقبت مهمة هوكستين في بيروت وتل أبيب، لم يغادر البعض تشاؤمه. مقابل التأكيد أن هوكستين يستند إلى دعم الرئيسين الأميركيين، الحالي جو بايدن، والمًنتَخَب ودونالد ترامب معاً. وهنا يتساءل المشككون: ماذا تغيّر في اندفاعة بنيامين نتنياهو ضد الحزب وإيران؟

تعاطى كلّ من اللبنانيين على هواه حيال استعراض الموفد الأميركي آموس هوكستين شراءه القهوة من مقهى “ستار باكس” في شارع فردان، على بعد 100 متر من مقرّ رئيس البرلمان نبيه بري.

استعراض “ستار باكس”

احتفل به بعض روّاد المقهى وفرح جزء من هذا البعض ممّن ينتمي إلى جمهور وأنصار قوى “الممانعة” بالتقاط صورة معه، يحدوهم الأمل بأن يأتي لهم ولنا بوقف النار.

غضب البعض الآخر من غير المنتمين إلى هذا الجمهور لكن من الغاضبين على الدعم الأميركي لإسرائيل، والملتزمين بمقاطعة “ستار باكس” لأنّ الشركة نظّمت حملة دعم لإسرائيل بعد “طوفان الأقصى”. أثار نشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي بعض اللبنانيين المغتربين الذين قالوا: كيف يستقبله روّاد المقهى الكثر في وقت نحن نقاطع الشركة لتأييدها إسرائيل منذ بدأت ترتكب المجازر ضدّ الغزّيّين؟

ذهب البعض في تحليله إلى حدّ القول إنّ هوكستين بحركته هذه وجّه رسالة بأنّ المؤسّسة المتّهمة بالانحياز إلى الصهيونية تتمتّع بحماية أميركية، وإنّه يتحدّى من يخاصمون الدولة العبرية والمؤسّسات التجارية التي تدعمها.

بعيداً من تفاعلات الفولكلور اللبناني يناقش البعض في جوهر الأمور. يدعو هؤلاء إلى فهم جهود وقف الحرب الإسرائيلية المجنونة ضدّ لبنان والحزب بأنّها تقوم على استبدال السيادة الدولية بتقاسم السيادة الإيرانية والإسرائيلية على جنوبه وشرقه وتفرّد طهران بقراره. ولا بدّ أن يكون الإشراف الدولي على لبنان عبر القرار 1701 مقترناً بشراكة عربية مع الدول الكبرى الساعية إلى إنقاذ ما بقي فيه. ومن الطبيعي أن تسعى الدول العربية إلى استدراك سقوط البلد بين أيدي طهران أو في براثن إسرائيل.

الإدارة الدّوليّة بدل الإسرائيليّة والإيرانيّة؟

الخيار عند اللبنانيين هو اعتماد حلولٍ تحول دون استبدال فرض السيادة الإسرائيلية على جنوبه بالهيمنة الإيرانية لمنع اشتراك تل أبيب في قراره كما حصل في محاولتها عام 1982. فلا مجال لوقف اندفاعة إسرائيل إلّا باللجوء إلى تعميق الإدارة الدولية لشؤونه بعدما استدرجت الهيمنة الإيرانية الوحشية الإسرائيلية إلى اجتياحه جوّاً وبرّاً ومخابراتيّاً. لم تتمكّن طهران من حماية تفرّدها بالقرار اللبناني عبر الحزب، بفعل صدور القرار الأميركي الأوروبي بإضعاف دورها الإقليمي عبر ضرب أذرعها، وفي مقدّمها الذراع الأقوى الحزب. ومثلما دفع لبنان من أمنه واقتصاده وتركيبته الداخلية ثمن إمساك طهران بقراره، سيدفع ثمناً نتيجة الهجوم الإسرائيلي عليه على الرغم من المكابرة والإنكار الإيرانيَّين.

فهل حان وقت تسليم تل أبيب بحدود التفويض المعطى لها لضرب الحزب في لبنان، أم شهيّة نتنياهو التي فتحتها إنجازاته، من غزة إلى لبنان وسوريا والضربات في الداخل الإيراني، تقوده إلى مشروع تغيير الشرق الأوسط، كما قال بعد اغتيال الأمين العامّ للحزب حسن نصرالله؟

هل اقتنعت إيران بالانكفاء عن البلد المنتهك استقلاله منذ عقود وصولاً إلى السيطرة على رئاسة الجمهورية فيه، لمصلحة مساومات محتملة على نفوذها في العراق مثلاً، وعلى ترتيب علاقاتها مع محيطها الخليجي؟ أم تواصل التضحية بالبلد وناسه واقتصاده وانتظام مؤسّساته الدستورية ومقاتلي الحزب وأرزاق جمهوره، لأهداف تتعلّق بعقيدتها الدينية واستقرار نظامها؟

قد تكون فكرة وقف النار لستّين يوماً التي تتضمّنها ورقة هوكستين وقفة (PAUSE) للحرب كي يتبيّن الجواب الواضح إزاء الأسئلة العديدة. وقد تكون اختباراً أميركياً لإمكانية إرساء تسوية حول لبنان أسهل من علاج معضلة غزّة وفلسطين.

مذكّرات لاهاي… ومراهنات مارالاغو

في الطريق إلى قطف هوكستين ثمار حراكه لا بدّ من التوقّف أمام المحطّات الآتية:

1- صدور مذكرات التوقيف من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بحق رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. ما يشكل سابقة تاريخية عالية الأهمية. فاتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية يحتّم نقل الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي إلى الحلبة الدولية لسنوات مقبلة.

– كما أنّ المذكرتين تلزمان 124 دولة سبق أن وقعت على معاهدة روما التي أنشأت المحكمة.

وقد بدأ بعض الدول الأوروبية، كل على طريقته، بإبداء التجاوب مع الإعلان عنهما. ما ينبئ بإمكان تنامي العزلة الدولية للدولة العبرية.

– ومع أن الولايات المتحدة الأميركية ليست بين الموقعين وهذا يعفيها من الاشتراك في ملاحقة نتنياهو، إلا أنّ التعامل مع إسرائيل بالنسبة إلى كثير من الدول بات مرتبطاً بتغيير حكامها. ما يخلق دينامية جديدة للصراع الإسرائيلي الداخلي. لكن التوقعات في شأن انعكاس هذا الحدث على وقف النار تتوزع بين حدين متناقضين:

– أنه يدفع نتنياهو إلى القبول بوقف النار في لبنان. لعله يعدل صورته أمام الرأي العام العالمي، ليظهر رجل تسويات توقف الحروب، بناء لوساطة أميركية. من أجل استئناف حملته على أذرع إيران في ميادين أخرى.

أو أن يحمل صدور مذكرة توقيف في حقه نتنياهو على المضي قدماً في حربه ضد الحزب ولبنان. طالما أن الملاحقة الدولية ضده قد حصلت. فهو يرتكز إلى تأييد داخلي أكثري في حربه ضمن حجّته عن إعادة مستوطني الشمال والخلاص من تهديد الحزب وإيران على الحدود.

عاملان مفيدان من وجهة نظر ترامب

2- ارتكاز هوكستين على تأييد ترامب في مهمّته يعود إلى إصرار الأخير على دخول البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل وقد حقّق واحداً من وعوده بإنهاء الحروب. الانطباع عند الحلقة الضيّقة المحيطة بترامب في مقرّه في مارالاغو في ولاية فلوريدا أنّ فريق الرئيس المنتخب يستفيد من عاملين في هذا الصدد:

– وقف حرب لبنان هو الأسهل بين حرب غزة وأوكرانيا والسودان… والنجاح في ذلك يمنحه إنجازاً يعزّز سمعته بأنّه يعد ويفي بوعده، بعد رسالته إلى ناخبين من أصل لبناني في ميتشيغن بأنّه سيحقّق السلام للبنان.

– الحلقة المحيطة بترامب في مارالاغو (حسب لبنانيين متّصلين بها) تعتبر أنّ نتنياهو بحاجة إلى وقف الحرب في لبنان ليوفّر على نفسه مشكلة تجنيد “الحريديم” (اليهود المتديّنين الرافضين للخدمة) في الجيش الإسرائيلي، الذي تصرّ قيادته على زيادة عديده لمواصلة الحروب التي يشنّها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وهي بحاجة إلى هذه الزيادة لمواصلة الحرب في لبنان التي قد تتحوّل إلى كرّ وفرّ بينه وبين المقاومة قد يمتدّ أشهراً إضافية. فـ”الحريديم” الذين يشكّلون 12 في المئة من ناخبي نتنياهو يهدّدون بترك حكومته بعدما أصدر غالانت قراراً باستدعاء 800 منهم إلى التجنيد الإجباري، ولم يلبِّ الدعوة سوى بضع عشرات. نتنياهو يتجنّب نسف حكومته احتفاظاً بالحصانة إزاء الملاحقات القضائية في حقّه.

إيران مع الإيجابيّة… والاحتفاظ بالسّلاح؟

من الزاوية الإيرانية، لا بدّ من التوقّف عند بعض الوقائع المتعدّدة الاتّجاهات، ومنها:

– أوّلاً: مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني شجّع الحزب والمفاوض باسمه رئيس البرلمان نبيه بري على اعتماد الليونة في المفاوضات لوقف النار. الهدف عدم ترك الذرائع لواشنطن وإسرائيل لاتّهام الحزب بأنّه يعرقل التفاوض، من دون أن يعني ذلك تقديم تنازلات كبرى في شأن السلاح مثلاً في شمال الليطاني. وعليه كانت التسريبات حول إيجابية التفاوض مع هوكستين متّفقاً عليها سلفاً للتخفيف من الضغوط الخارجية الأميركية والأوروبية والعربية والداخلية على اتفاق وقف النار. فالأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم أكّد التمسّك بثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” لتحرير الأرض والاحتفاظ بالسلاح.

– ثانياً: صدور قرار “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أوّل من أمس الخميس ينتقد إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في ما يتعلّق ببرنامجها النووي ويطلب منها التعاون أكثر. وجاء القرار بمبادرة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبتأييد 19 دولة وامتناع 12 ومعارضة ثلاث من أصل 35 دولة. وستردّ إيران بإطلاق المزيد من أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم. وأوصى القرار بإصدار الوكالة تقريراً شاملاً عن برنامج طهران النووي في الربيع المقبل. وهذا يعطي مدى زمنياً يكشف مدى الضغوط التي ينوي ترامب ممارستها على طهران عبر المزيد من العقوبات على تصدير النفط الذي تبيعه على الرغم من العقوبات للصين بأسعار مخفّضة. وقد تترافق الضغوط مع رفع رسوم البضائع الصينية المصدّرة إلى أميركا بنسبة عالية لمنع بكين من شراء النفط الإيراني.

هذه الوقائع وغيرها تترك التفاوض على أدوار إسرائيل ودول الغرب وإيران في لبنان في المرحلة المقبلة معلّقاً، على الأقلّ لأسابيع ريثما يقترب دخول ترامب البيت الأبيض.


أساس ميديا