مفاوضات وقف الحرب: ماذا وراء ترويج إسرائيل لإحراز تقدّم؟
شارك هذا الخبر
Thursday, October 31, 2024
تبدو المقترحات التي نشرها الإعلام الاسرائيلي عن "صفقة" ترعاها الولايات المتحدة حول الوضع في لبنان، بمثابة ذرّ للرماد في العيون، بالنظر الى ان دفع بعض القراءات الإسرائيلية نحو صفقة، لا يصطدم بالمستوى السياسي الذي يمثله رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو فحسب، بل بالعسكريين أيضاً الذين يروجون الى أن العملية في جنوب لبنان تحتاج الى أسابيع إضافية، بمعزل عن الصفقة ومقترحات وقف إطلاق النار.
تباين إسرائيلي وتقرّ وسائل الإعلام العبرية بوجود تباين بين ما يصدر من موقف متشائم في لبنان حيال التسوية، بحكم أن بيروت تقول إنه لم يُطرح على الطاولة أي شيء ناضج حتى اللحظة، وبين ما تروجه أوساط سياسية إسرائيلية، من خلال مصادر سياسية غير معروفة الاسم، بخصوص حصول تقدم معين في المفاوضات الرامية إلى صياغة اتفاق مع لبنان.
ودعمت قراءات إعلامية إسرائيلية استنتاجها بوجود بعض الجدية والتقدم على صعيد المقترح السياسي المطروح لإنهاء الحرب في لبنان، بربط ذلك مع قدوم المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى إسرائيل الخميس، خصوصاً أن واشنطن اشترطت مجيئه إلى المنطقة بجدية الطرفين إزاء الاتفاق، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.
كما اعتبرت تحليلات عبرية أن عقد المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، جلستين الثلاثاء والأربعاء، لتقييم تطورات الجهود السياسية، بموازاة "الميدانية" في الجبهة الشمالية، بمثابة مؤشر على وجود حراك جدي بالمفاوضات.
وقف الحرب.. خلال أسابيع! لكن ثمة ما يُستدل عليه في ثنايا خطاب إسرائيل بشأن مفهومها للتسوية السياسية مع لبنان، وخصوصاً ما قاله محرر الشؤون السياسية في هيئة البث الإسرائيلية، شمعون آران، إذ تنظر تل أبيب الرسمية إلى الجهود السياسية الحالية على أنها خطوات متراكمة، قد تقود إلى إنهاء الحرب خلال أسابيع، وهذا يعني أن إسرائيل تضع في اعتبارها أن عدوانها على لبنان، سيستغرق بضعة أسابيع أيضاً، قبل توقفه في حال نجحت جهود آموس هوكشتاين.
وأشار آران في إفادته الصباحية عبر راديو "مكان"، إلى أن الجيش الإسرائيلي سينسحب من الأراضي اللبنانية التي توغل فيها، بموجب الاتفاق السياسي المُنتظَر، مع منحه "حرية" العودة إلى لبنان مجدداً إذا "خرق" حزب الله التفاهمات، على حد قوله، وهو ما يرفضه لبنان بطبيعة الحال.
تكثيف قوات اليونيفيل.. وبآلية مختلفة ويقضي المقترح الذي تطمح إليه إسرائيل، بنشر قوات اليونيفيل الأممية على امتداد الحدود بين لبنان وفلسطين، بينما ينتشر الجيش اللبناني النظامي على مسافة أبعد. لكن آران أشارالى نيّة إسرائيل إغلاق الحدود بين لبنان وسوريا بموجب الاتفاق السياسي الذي تريده، بحجة منع دخول سلاح إلى حزب الله.
ووفق ما يُروج في تل أبيب، فإن الحل السياسي المُتاح يستند إلى قرار 1701 الأممي، لكن مع تعديلات بشأن تكثيف عديد قوات اليونيفيل المنتشرة على الحدود، إضافة إلى بلورة آلية مراقبة دولية مختلفة، بحجة ضمان عدم عودة مقاتلي حزب الله إلى الحدود، وعدم إعادته بناء قدراته العسكرية، ومنع تسليحه.
الحال أنّ تصعيد الحديث الإسرائيلي عن المفاوضات السياسية جاء بعد نشر الإعلام العبري خبراً عن اقتراب العملية الإسرائيلية البرية من تحقيق "أهدافها" في عمق 3 كيلومترات من الأراضي اللبنانية قرب الحدود، بحجة تحييد قدرة حزب الله على إطلاق قذائف مضادة للدروع تجاه المستوطنات القريبة، وأيضاً "شل" قدرته على تنفيذ خطة "احتلال الجليل"، بعد "تدمير أنفاق بناها من أجل هذه الغاية"، وفق الزعم الإسرائيلي.
التسوية.. كحاجة عملياتية للجيش! بيدَ أن الاحتلال يتبع سياسة التمويه والتضليل، واللعب بالمصطلحات، بخصوص غايات عمليته البرية، وتوقيتها الحقيقي، خصوصاً أنه طلب من سكان الخط الثاني من القرى اللبنانية، إخلاءها، تمهيداً لتوسيع عمليته.
وهنا، قال المراسل العسكري للتلفزيون العبري، إيال عاليما، إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي في الوقت القريب مع لبنان، فإن الجيش الإسرائيلي سيبقى في الأراضي اللبنانية، وسيضطر إلى توسيع العملية البرية، والتورط في معركة طويلة، وبلا نهاية، وعندها سيحصل المحظور المتمثل في "الوقوع في المستنقع اللبناني"، على حد ما قاله عاليما حرفياً.
وبتفسير أوضح لما قصده عاليما، فإن الجيش من ناحية عملياتية لا يمكنه التموضع في مكان ثابت في النقاط التي وصل إليها في العمق اللبناني، لأن هذا سيجعله صيداً ثميناً لضربات حزب الله، وبالتالي تلقيه خسائر كبيرة. ولذلك، فإن قوات الاحتلال مضطرة عسكرياً إما للانسحاب من الأراضي اللبنانية التي توغل فيها، بموجب اتفاق سياسي، أو التقدم براً نحو أعماق أكبر، وربما وصولاً حتى حدود نهر الليطاني.
واعتبر عاليما أنه بالرغم من تحقيق العملية في لبنان "إنجازات عسكرية"، إلا أن إسرائيل لم تنجح حتى اللحظة في تحويلها إلى واقع استراتيجي جديد. وربما يُستشف من ذلك أن الحديث الإسرائيلي عن بعض التقدم في المفاوضات السياسية، يأتي في سياق مساعٍ إسرائيلية وأميركية، لتحويل "النجاحات العسكرية" المزعومة إلى "إنجاز" سياسي، عبر إبرام صفقة.
الموزانة تفترض انتهاء الحرب.. آخر السنة وأمام حالة عدم اليقين بشأن مصير الحرب على لبنان، رصدت "المدن" أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ربط "موازنة الدولة" الجديدة، على أساس أن الحرب على لبنان ستنتهي مع نهاية هذا العام!
في حين، أكدت تحليلات عسكرية وسياسية إسرائيلية أنه من الطبيعي أن تكون المفاوضات شاقة، لأن سياقها ومضمونها مختلفان عن أي مفاوضات خاضتها إسرائيل منذ نشوئها، لأن المعركة مختلفة أيضا بالنسبة إليها.
وبيّنت تلك التحليلات أن "حماس" و"حزب الله" وإسرائيل متفقون على إنهاء الحرب، لكنهم مختلفون على "كيفية" إنهائها. ويعود ذلك إلى أن كيفية إنهاء الحرب، هي التي ستكرس موازين قوى جديدة في المنطقة على المديين المتوسط والبعيد، وستحكم شكل الجبهات إلى أمد طويل، وهذا ما يجعل المفاوضات مركّبة ومعقدة جداً.
غير أن محللين استراتيجيين في إسرائيل، يعتبرون أن الأخيرة مضطرة إلى خوض المعركة حتى نهايتها، وصولاً إلى "الحسم عسكرياً وسياسياً"، حتى لو طال الأمر، ومهما كانت الكلفة؛ ذلك أن الحرب الحاصلة في المنطقة، هي فاصلة وجودياً واستراتيجياً، بمنظور كل من الدولة العبرية والولايات المتحدة.
مع ذلك، تعتقد بعض المعالجات الإعلامية الإسرائيلية أن الساعات الـ48 القادمة كفيلة بتوضيح صورة الجهد الأميركي المتعلق بلبنان، وما إذا كنا أقرب أو أبعد من الصفقة السياسية المطلوبة لإنهاء الحرب.