باتجاه ميناء تاشوجو في جنوب تركيا، يتوافد مئات النازحين اللبنانيين هربًا من الحرب، على متن سفينة، عبر مرفأ طرابلس. تمثل هذه الرحلة البحرية، التي تستغرق 12 ساعة، خيارًا متاحًا للخروج من لبنان، لا سيما بعد أن أصبح حجز تذاكر السفر الجوّي عبر مطار رفيق الحريري الدولي أمرًا صعبًا وباهظ الثمن.
باخرة النازحين أمس، وصلت باخرة تقل أكثر من 350 شخصًا إلى مدينة مرسين التركية، بعد إجلائهم من مرفأ طرابلس. وتعد هذه الباخرة الرابعة من نوعها منذ 27 أيلول، حيث بلغ إجمالي الذين غادروا لبنان، حتى الآن، بحرًا إلى تركيا حوالي 1360 شخصًا، من بينهم بعض المواطنين الأتراك.
قبيل الرحلة، تحول رصيف مرفأ طرابلس إلى ما يشبه المطار، حيث توافد إليه النازحون حاملين أمتعتهم وحقائبهم، وبعضهم ودّع أسرته كما لو أنها المرة الأخيرة.
وكيل السفينة "ميد لاينز" (Med Lines)، محمد اليوسف، قال لـ "المدن": "في المبدأ، لا يمكننا تغطية الحركة الجوية للمطار بالكامل، فنحن ننقل حوالي 20% من الرحلات المتجهة إلى تركيا، لدينا ثلاث رحلات أسبوعية تنقل نحو 1200 راكب". وأشار إلي أنه اعتبارًا من هذا الأسبوع، ستزداد وتيرة الرحلات لتصل إلى 2000 راكب، و"نسعى لأن تصبح الرحلات يومية"، وفق قوله.
تقول إحدى المسافرات القادمة من الشوف، قُبيل استعدادها للرحلة البحرية، إن الحافز وراء هذا القرار الصعب، وتكبد مشقة السفر البحري، هو البحث عن الأمان لها ولطفلها بسبب العدوان الإسرائيلي الذي يطال المدنيين ويدمر منازلهم.
كيف تتم هذه الرحلات؟ يتواصل الراغبون في السفر بحرًا إلى تركيا عبر مرفأ طرابلس، مع مكتب السفريات في المرفأ للحجز باستخدام جواز سفرهم، والوصول إلى صالة المرفأ استعدادًا للرحيل غالبًا في المساء.
ووفق معطيات "المدن"، يبلغ سعر التذكرة ما بين 150 و250 دولاراً، ويتلقى المكتب عشرات الاتصالات يوميًا من مواطنين يرغبون في السفر بحرًا نحو تركيا. كما يفرض المرفأ شروطًا صارمة على السفينة لضمان سلامة الرحلة على جميع الأصعدة. وتعتبر هذه الخطوة نافذة صغيرة في ظل دمار الحرب لآمال أهالي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، إضافة إلى تعليق العديد من الدول رحلاتها الجوية إلى مطار بيروت.
دور محوري منذ حوالي 13 عامًا، تنشط الرحلات البحرية بين مرفأ طرابلس اللبناني ومرسى تاشوجو التركي. غير أن وتيرة الرحلات قد ارتفعت في الشهر الأخير مع تزايد الطلب من قبل النازحين عبر البحر. ويشكل مرفأ طرابلس منفذًا رئيسيًا للسفر وعمليات الإجلاء كخيار عملي في حال اشتداد الحرب.
في الأسابيع الماضية، عمد العديد من اللبنانيين، بينهم طلاب يدرسون في تركيا، إلى السفر بحرًا عبر مرفأ طرابلس بعد إلغاء الرحلات الجوية، ويختار الكثيرون السفر بحرًا كخط ترانزيت للسفر جوًا نحو وجهتهم الأخيرة عبر أحد مطارات تركيا. وتأتي هذه الرحلات لتبرز الدور المحوري لمرفأ طرابلس أثناء الحرب.
في شهر آب مثلًا، وبعد تصاعد الضربات بين حزب الله وإسرائيل، سافر ما لا يقل عن 60 شخصًا بحرًا عبر مرفأ طرابلس، بعد أن ألغت شركات الطيران رحلاتهم، ووصلوا إلى ميناء تاشوجو الذي يبعد حوالي 150 كيلومتر عن مطار أضنة.
ويُعد مرفأ طرابلس ثاني أكبر مرفأ في لبنان، ويمثل امتدادًا نحو الساحل السوري. تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 3 ملايين متر مربع. يحتوي المرفأ على بوابتين: الأولى مخصصة للحاويات وتقع بالقرب من الأوتستراد الدولي باتجاه بيروت وسوريا، والثانية مخصصة للأعمال الأخرى، وتتكون من 7 مداخل. وقد تم مؤخرًا إنشاء رصيف جديد بطول 600 متر وعمق 15.5 متر، مع منطقة خلفية بمساحة 650 ألف متر مربع.