الثورة الإيرانية والتأثير الفارسي المستمر في سياستها: من التضحية بالحلفاء إلى اغتيال حسن نصر الله - بقلم ريمون مارون
شارك هذا الخبر
Tuesday, October 1, 2024
مقدمة
أحدثت الثورة الإيرانية عام 1979 تغييرًا جذريًا في توجهات السياسة الإقليمية لإيران، حيث بات من الواضح أن الطموحات القومية الفارسية لم تتراجع رغم الطابع الإسلامي الشيعي للثورة. ومع استخدام إيران لحلفائها الإقليميين لتعزيز نفوذها، فقد أظهرت استعدادًا للتخلي عنهم في حال تعارضت مصالحها القومية مع مصالح هؤلاء الحلفاء. هذه السياسة ظهرت بشكل جلي في عدة حالات، بما في ذلك تعامل إيران مع حزب الله وغيره من الفاعلين الإقليميين.
الجذور الفارسية في الثورة الإيرانية
رغم الطابع الإسلامي الذي اتسمت به الثورة الإيرانية، إلا أن الأهداف القومية الفارسية ظلت واضحة في سياساتها. بعد الثورة، سعت إيران إلى إعادة إحياء الهيمنة الفارسية على مستوى المنطقة. تصدير الثورة الإسلامية بات مبدأ رئيسيًا في السياسة الخارجية الإيرانية، حيث ربطت بين الأبعاد الدينية والعرقية لتعزيز نفوذها، إلا أن دعمها لحركات المقاومة الشيعية لم يكن دائمًا بدافع الالتزام العقائدي فقط، بل كان مشحونًا بأبعاد قومية تسعى لتحقيق مصالح إيرانية أوسع.
لتأثير الفارسي في السياسة الخارجية الإيرانية
إيران تعتمد على شبكة من الحلفاء الإقليميين، مثل حزب الله وجماعات أخرى في العراق وسوريا واليمن، لتعزيز نفوذها. لكنها في المقابل، أبدت مرونة تجاه التضحية ببعض هؤلاء الحلفاء عندما تتعارض مصالحهم مع مصالحها القومية أو الإقليمية. هذا التوجه يعكس براغماتية السياسة الإيرانية في التعامل مع شركائها.
أمثلة على التضحية بحلفاء إيران
العراق
بعد سقوط نظام صدام حسين، دعمت إيران الفصائل الشيعية في العراق، إلا أن الضغوط الأمريكية والدولية دفعتها في بعض الأحيان إلى إعادة النظر في علاقتها مع تلك الفصائل. في عام 2018، تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي كان يُعتبر مدعومًا من إيران، لكنها لم تتردد في تركه لمصيره السياسي عندما وجدت مصلحة في تحسين علاقتها مع المجتمع الدولي.
اليمن
تدعم إيران جماعة الحوثيين في اليمن منذ فترة طويلة، إلا أن الضغوط الدولية المتزايدة على دورها في تأجيج الصراع اليمني دفعتها إلى التفكير في التراجع عن تقديم الدعم اللامحدود للحوثيين. ظهرت مؤشرات على استعداد إيران للتفاوض وتقليص دعمها للحوثيين كجزء من تسوية إقليمية أوسع، خاصة مع سعيها لتحسين علاقاتها مع القوى الدولية ودول الخليج.
النظام السوري
قدمت إيران دعمًا كبيرًا للنظام السوري بقيادة بشار الأسد خلال الحرب الأهلية، إلا أنها أظهرت براغماتية في التعامل مع مستقبل الأسد. هناك تقارير تشير إلى أن إيران قد تتخلى عن الأسد إذا كانت تسوية سياسية تُعزز مصالحها الاستراتيجية في سوريا. ومع تدخل روسيا في الصراع السوري، بدا أن إيران على استعداد لتعديل مواقفها تجاه الأسد إذا كان ذلك يعني الحفاظ على نفوذها الإقليمي في سوريا.
سيناريو التضحية بحسن نصر الله
يُعد حزب الله أحد أبرز حلفاء إيران في المنطقة، ورمزًا لنفوذها في لبنان. رغم ذلك، ومع تصاعد الضغوط الدولية على إيران، أظهر سيناريو التضحية بحزب الله، بل وحتى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، كانعكاس لترتيبات سياسية تهدف إلى التخفيف من الضغوط الدولية وتحسين وضع إيران الإقليمي. هذا الواقع يعكس استعداد إيران الدائم للتضحية بحلفاء رئيسيين إذا اقتضت مصلحتها ذلك.
خاتمة
تُظهر السياسة الإيرانية توازنًا معقدًا بين الطموحات القومية الفارسية والمبادئ الدينية الشيعية، حيث تستخدم إيران حلفاءها لتعزيز نفوذها الإقليمي، لكنها في الوقت نفسه لا تتردد في التضحية بهم عندما تقتضي مصالحها ذلك. سواء في العراق، اليمن، سوريا، أو حتى لبنان، تتضح مرونة إيران في إدارة تحالفاتها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. الضغط الدولي المتزايد على إيران يضعها في مواقف تُظهر استعدادها لتقديم تنازلات كبيرة، بما في ذلك التضحية بقيادات مثل حسن نصر الله، إذا كان ذلك سيساعدها على تعزيز نفوذها أو تجنب مزيد من العقوبات الدولية.
ريمون مارون
مركز الشرق الاوسط للابحاث والدراسات الاستراتيجية- MEIRSS