العملية الأوكرانية في كورسك مستمرة.. بوتين يعقد اجتماعاً طارئاً!
شارك هذا الخبر
Wednesday, August 14, 2024
العملية العسكرية الأخيرة لأوكرانيا في مقاطعة كورسك، والتي أكدها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أصبحت مرحلة مهمة في الحرب الروسية الأوكرانية واسعة النطاق، والتي دخلت الآن عامها الثالث.
هذه الخطوة تؤكد تصميم كييف ليس فقط على حماية حدودها ومواطنيها، بل وأيضاً على ضرب العدوان الروسي مباشرة على أراضيه، حيث سيطرت القوات الأوكرانية على نحو ألف كيلومتر مربع من مقاطعة كورسك، ردا على أكثر من ألفي ضربة روسية شنتها على أوكرانيا انطلاقاً من هذه المنطقة منذ بداية صيف 2024. وأظهرت العملية قدرة أوكرانيا على مقاومة المعتدي بشكل حاسم وفعال، بما في ذلك على أراضيه، وهو أمر مهم في سياق استراتيجية الدفاع الشاملة للبلاد.
في 12 أغسطس /آب 2024، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً ناقش فيه الوضع في المناطق المتاخمة لأوكرانيا – بيلغورود وبريانسك وكورسك. حضر الاجتماع أعضاء مجلس الأمن في الاتحاد الروسي وممثلو الحكومة ورؤساء وكالات إنفاذ القانون وحكام المقاطعات المتاخمة لأوكرانيا.
علق بوتين على الوضع الحالي في مقاطعة كورسك، مشيرًا إلى حاجة الجيش الروسي إلى "الضغط على العدو وطرده من أراضينا"، والعمل جنبًا إلى جنب مع حرس الحدود، على ضمان حماية موثوقة لحدود الدولة. مثل هذه التصريحات تعكس القلق المتزايد داخل القيادة الروسية. ويواجه الكرملين تحديات خطيرة، بما في ذلك زيادة عمليات إجلاء المواطنين من مناطق القتال، الأمر الذي يؤدي إلى تعقيد الوضع الداخلي في روسيا وتقويض الثقة في الحكومة.
في الأسبوع الماضي، أدلى بوتين أيضًا بعدة تصريحات بشأن العمليات العسكرية على الأراضي الروسية. ووصف ما كان يحدث بأنه "استفزاز واسع النطاق" ووعد بدفع مبالغ لمرة واحدة تتراوح بين 10 إلى 15 ألف روبل لمن تم إجلاؤهم من منطقة القتال. وفي السنوات الأخيرة، كان الكرملين، بما في ذلك بوتين نفسه، ينظر في كثير من الأحيان إلى الأحداث في المناطق الحدودية باعتبارها أقرب إلى الكوارث الطبيعية، وهو ما ينعكس بشكل خاص في المبالغ المتواضعة من التعويضات المقدمة للسكان الذين تم إجلاؤهم. ومع ذلك، وبالنظر إلى العدد المتزايد بسرعة من الأشخاص الذين يتم إجلاؤهم، والذي يقترب بالفعل من 200 ألف شخص، فقد أصبح من الصعب بشكل متزايد إبقاء الوضع المتفاقم باعتباره مشابه للكوارث الطبيعية. ومن الممكن أن يتم اتخاذ تدابير مماثلة قريبًا في مقاطعتي بريانسك وبيلغورود.
وفي الوقت نفسه، يواجه الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية ظروفًا سيئة في مراكز الإقامة المؤقتة، مما يسبب إحباطًا متزايدًا تجاه السلطات. في حين يواصل سقوط قتلى الجيش الروسي بهدف "تحرير" بلدات جديدة في دونباس الأوكرانية، ويتم إنفاق أموال الميزانية على استعادة الجمهوريتين المعلنتين ذاتياً "جمهورية دونتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية ". وغالبًا ما تنتهي هذه الأموال في جيوب "المعينين" المحليين الذين أصبحوا فجأة أعضاء في روسيا الموحدة ووطنيين روس شرسين. تظهر الأحداث في مقاطعة كورسك ضعف الاستراتيجية الروسية وهشاشة حدود روسيا. وعلى الرغم من ادعاءات بوتين بوجود "استفزاز واسع النطاق" من أوكرانيا، تظل الحقيقة هي أن الجيش الروسي لم يتمكن من منع تقدم القوات الأوكرانية. وهذا يثير تساؤلات حول قدرة روسيا على الدفاع بفعالية عن أراضيها والسيطرة على الوضع الداخلي.
وفي داخل روسيا، أصبح الوضع معقداً على نحو متزايد. إن تزايد الخسائر، وصعوبات التعبئة، والانتقادات المتزايدة داخل المجتمع، كلها عوامل تشكل ضغطاً على الكرملين. وفي مثل هذه الظروف، قد يضطر بوتين إلى إعادة النظر في استراتيجيته والبحث عن سبل للتفاوض، وخاصة إذا استمرت القوات الأوكرانية في التقدم داخل الأراضي الروسية.
كان تقدم أوكرانيا غير المتوقع في مقاطعة كورسك والاستيلاء السريع على المنطقة بمثابة ضربة خطيرة لمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما وضعه في موقف حرج للغاية أمام المجتمع الدولي وأمام بلاده. هذه المناورة الناجحة لم تثبت قدرة أوكرانيا على القيام بعمليات هجومية فعّالة فحسب، بل عززت أيضاً بشكل كبير من معنويات الأوكرانيين، الذين اضطروا إلى خوض معارك دفاعية عنيفة ودموية على مدى العام الماضي. وتُظهِر أوكرانيا بوضوح أنها ليست قادرة على الصمود في وجه الهجوم فحسب، بل إنها قادرة أيضاً على شن هجوم مضاد بنجاح، مستخدمة بمهارة قوتها ووطنيتها وإرادتها في انتصار شعبها. ولعب الشركاء الدوليون أيضًا دورًا مهمًا في هذا الأمر، حيث قاموا بتوفير الأسلحة والمعدات اللازمة التي سمحت للجيش الأوكراني بإجراء مثل هذه العمليات الفعالة للغاية.
إن العملية الأوكرانية في مقاطعة كورسك لها عواقب جيوسياسية أوسع نطاقاً يجب على المجتمع الدولي أن يأخذها بعين الاعتبار. وهي تؤكد على الأهمية الحاسمة لاستمرار الدعم لأوكرانيا، والذي ينبغي أن يشمل ليس فقط المساعدة السياسية والاقتصادية، بل وأيضا اتخاذ خطوات أكثر حسما في المجال العسكري. على وجه الخصوص، ينبغي للشركاء تسريع السماح لأوكرانيا بإمكانية استخدام أسلحة بعيدة المدى ضد المنشآت العسكرية والقواعد وغيرها من الأهداف ذات الأهمية الاستراتيجية على أراضي الاتحاد الروسي، حيث ينطلق منها قصف السكان المدنيين في أوكرانيا.
هذه الخطوة ستسمح لكييف بردع العدوان الروسي بشكل أكثر فعالية، مما يحرم روسيا من القدرة على مهاجمة البنية التحتية المدنية وتهديد حياة المدنيين والإفلات من العقاب. ومن المهم أن نفهم أن أهداف بوتين لا تقتصر على أوكرانيا. بل تطال طموحاته مناطق أبعد، بما في ذلك دول البلطيق ومولدوفا وبولندا ودول أوروبية أخرى. وإذا لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حاسمة لاحتواء روسيا الآن، فقد تمتد الحرب إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، فتفرض تهديدات أعظم على الاستقرار والأمن الدوليين.
وبالتالي فإن تزويد أوكرانيا بالقدرات اللازمة للدفاع عن النفس بشكل فعال لا يشكل دعماً لسيادتها فحسب، بل يشكل أيضاً خطوة مهمة في منع تمدد العدوان الروسي إلى دول أوروبية أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت العملية أن أوكرانيا مستعدة ليس فقط للدفاع عن نفسها، ولكن أيضًا للعمل بنشاط لتحقيق أهدافها، بما في ذلك استعادة السيطرة على أراضيها. وهذا يعزز مكانة أوكرانيا على الساحة الدولية ويخلق ظروفا جديدة لمفاوضات السلام المحتملة. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب دعمًا نشطًا من الحلفاء الغربيين، الذين يجب أن يفهموا أن مساعدتهم يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مسار الصراع وتسريع بداية السلام.