خاص - الست زلفا أميرة الروح - المحامي فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Saturday, August 10, 2024

خاص - "الكلمة أونلاين"

المحامي فؤاد الأسمر

"أفتحُ، كما الكنز الثمين، قلبي الممتلئ بك" بهذه الكلمات ودّع الرئيس كميل شمعون أميرة قلبه وتوأم روحه.

إنها الست زلفا ابنة عائلة تابت الأرستقراطية التي وقعت بهيام محامٍ شاب طموح، فاقترنت به وناضلت إلى جانبه الزوجة والأم والمستشارة فكانت علامة انتصاره.

شاركت زوجها الملمّات ومختلف معاركه واحتضنته بدموعها وصلواتها في الأزمات ومحاولات الاغتيال التي تعرّض لها طالبة العفو للفاعلين كعربون شكر وإبتهال على نجاته.

انتُدِب زوجها لتأسيس بعثة لبنان في لندن عام 1945 فاستقى منها ومن ثقافتها الكثير من فنون الديبلوماسية. اهتمت شخصياً بتجهيز السفارة، وكانت تحرص على الاعتناء بالموظفين وأولادهم وتحوطهم بعطفها كأفراد عائلتها.

بعد أن تبوأ الرئيس شمعون سدة الرئاسة في العام ١٩٥٢ كانت روح العهد وقلبه النابض. نجحت باعادة احياء "المعهد الوطني للموسيقى". وقفت وراء مختلف النشاطات الثقافية والفنية في عهده وشجعت إقامة المعارض والمسارح ونشر الفنون. دعمت الفنانين اللبنانيين وسَعَت إلى توفير المِنَح لهم للدراسة في الخارج، والأوسمة والجوائز للمتفوقين.

ساهمت بإطلاق العديد من المهرجانات أهمّها راشانا وبعلبك، وحوّلت الطابق العلوي من القصر الرئاسي في القنطاري إلى مشغل للخياطة، فكانت تخيط غالبية الملابس الفولكلوريّة بيديها، وهي أيضاً لطالما اهتمت بإعداد ملابسها بنفسها.

ناضلت في سبيل حقوق المرأة، كما كان لها الفضل الكبير باقرار لبنان حق المرأة بالاقتراع والترشح للانتخابات، قبل غالبية الدول المتحضّرة.

وهبت أراضي عائلتها من اجل أن يكون لبيروت مدينة رياضية تفتخر بها. حملها حبها للطبيعة بأن تكون من أهم المدافعين عن البيئة وحرصت على تضمين إنجازات العهد اللمسات الخضراء.

أسست مكتب الحرير ودود القز والمشاغل اليدوية للفتيات، في العديد من القرى والبلدات، لتحثّهن على عمل يبرز أناقتهن وأنوثتهن ويوفر لهن الدخل اللائق.

ساهمت بثورة إنسانية اجتماعية في عهد الرئيس شمعون، فكانت وراء تأسيس عدد من المدارس والمعاهد والجمعيات ودعمها ومنها "الجمعية اللبنانية لإغاثة الضرير" ورفضت ان تحمل أيّ منها اسمها، ليس فقط من باب التواضع بل حماية لتلك المؤسسات، فكانت عبارتها الشهيرة : "لا أريد أن يتأثر هذا المشروع بخلافة الرؤساء وخلافاتهم".

صافحت الملوك والقادة والرؤساء واعتنت بالفقراء والمعوّزين ولم تميّز يوماً بينهم فكانت دائمة التوّهج جمالاً وتواضعاً ورقيّاً والأهم إنسانية.

في عيد انتقال السيدة العذراء من العام ١٩٧١ أسلمت الروح فأُسدلت الستارة على فائض عطاء متوهج بالحب، لينحفر اسمها كالوشم في ذاكرة الخلود والقلوب.

يستحيل التوقف هنا عند مختلف أوجه حياة وعطاءات الست زلفا، إنما لا بد من الإشارة إلى وصيّتها الأخيرة والاستثنائية إذ طلبت ان يتم بعد وفاتها وهب أعضائها لخدمة العلم، واحراق ما تبقى من جسدها وذرّه في جهات الكوّن الأربع، لكن الرئيس شمعون خالف وصيتها هذه لأسباب مختلفة.

إذ نستذكرها اليوم إنما نستذكر أروع صورة للبنان، لبنان المرأة والجمال والعطاء والرقي، فأيننا اليوم وأين هي المرأة اللبنانية من الثورة التي تحققت على مستوى حقوقها وحضورها على يد إحدى كبيرات الوطن؟