خيرالله خيرالله- الصين تشتري البضاعة الروسية بالرخيص

  • شارك هذا الخبر
Sunday, March 26, 2023

يظلّ التوقيت أهمّ ما في الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو. إنّه توقيت صيني بامتياز. جاءت الزيارة بعد مضي سنة وأقل بقليل من شهر على بدء الحرب الأوكرانيّة في 24 شباط – فبراير 2022.

قبل اندلاع الحرب التي بدأها فلاديمير بوتين، الذي اعتقد أنّ الجيش الروسي سيتمكن من إسقاط كييف ودخولها في أقلّ من أسبوع، زار الرئيس الروسي بكين. كان ذلك مطلع شباط – فبراير 2022. جاء ليحضر افتتاح دورة الألعاب الأولمبيّة الشتوية التي استضافتها العاصمة الصينيّة ومناطق محيطة بها.

لم يكن افتتاح الدورة الأولمبيّة الشتوية سوى ذريعة استخدمها بوتين للمجيء إلى بكين وجس نبض الرئيس الصيني عشية خوضه مغامرته الأوكرانيّة.

كان واضحا أن الصين لم تكن متحمّسة كثيرا لدخول تلك المغامرة. كذلك، كان واضحا أنّها فضّلت ممارسة لعبة الانتظار، إذ يبدو أنها لم تكن مستعجلة على رهان غير مضمون النتائج. يظهر أن شي جينبينغ أدرك منذ البداية النتائج المتوقعة للحرب الأوكرانيّة وما سيترتب على الحسابات الخاطئة لفلاديمير بوتين. جاء الرئيس الصيني إلى موسكو ليقطف ثمار الانتظار من جهة وشراء ما لدى روسيا لتبيعه بأبخس الأثمان من جهة أخرى. جاء لشراء ما لدى روسيا بالرخيص. هذه عقلية التاجر الصيني الذي يعرف كيفية الانقضاض على الفرص في التوقيت الذي يناسبه.

أظهر الرئيس الصيني بالفعل نضجا سياسيا افتقده فلاديمير بوتين. أثبتت الصين، في الماضي القريب، نضجها السياسي عندما انتظرت سنوات عدّة قبل أن تقضم هونغ كونغ نهائيا بعدما تخلّت بريطانيا عن مستعمرتها السابقة في 1997. قبلت الصين في البداية وجود نظام خاص لهونغ كونغ. ما لبثت، بعد مرور سنوات عدّة، أن فرضت عليها ما تريد فرضه غير آبهة بالاحتجاجات الأميركيّة والبريطانية على وجه التحديد. لم تأبه أيضا باحتجاجات أهالي هونغ كونغ الذين انتفضوا في العام 2014، مطالبين بالحرّية واحترام الصين للاتفاق الذي وقعته مع بريطانيا تحت عنوان “نظامان في بلد واحد”.

انتهت تجربة هونغ كونغ لمصلحة النظام السياسي الصيني، نظام الحزب الواحد، الذي أحكم شي جينبينغ قبضته عليه. استطاع الحصول على ولاية رئاسيّة ثالثة فارضا نفسه الرجل القويّ من دون منازع، على غرار ما كان عليه ماو تسي تونغ مؤسس “الصين الشعبيّة”.

في كلّ يوم يمرّ، يغرق فلاديمير بوتين أكثر في الوحول الأوكرانيّة. اتكل في الأشهر القليلة الماضية على “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التي دعّمته بما يكفي من المسيّرات والصواريخ كي يكمل الحرب التي شنّها على أوكرانيا والتي كان يتصوّر أنّها ستكون حربا خاطفة تنتهي بسقوط الرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي وحلول دمية تابعة لموسكو مكانه. يتنقل زيلينسكي هذه الأيّام في الجبهات. زار مواقع قرب باخموت حيث تدور معارك شرسة. انتقل بعد ذلك إلى منطقة خيرسون التي صمدت في وجه القوات الروسية في أواخر العام الماضي وحالت دون تحقيق انتصار إستراتيجي لفلاديمير بوتين.

يشكو زيلينسكي من عدم الحصول على الأسلحة التي يحتاج الجيش الأوكراني لها كي يحول دون تحول الحرب إلى حرب طويلة تستمرّ سنة أخرى أو أكثر. يعرف الرئيس الأوكراني ما على المحكّ، خصوصا أنّ الحرب الأوكرانيّة صارت حربا روسيّة – أوروبيّة.

لا يمكن تجاهل الدور الأميركي في هذه الحرب وذلك الإصرار لدى إدارة جو بايدن على منع فلاديمير بوتين من تحقيق انتصار في أوكرانيا. مهما قيل ويقال عن الرئيس جو بايدن، يظلّ الرجل صناعة الحرب الباردة التي بدأ حياته السياسيّة، عضوا في مجلس الشيوخ، في ظلّها. صنعت الحرب الباردة وذهنيتها شخصية الرئيس الأميركي الحالي. لا يمكن تجاهل أنّ بايدن كان بين الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الذين أيّدوا الحرب على العراق في العام 2003.

بغض النظر عن الموقف من تلك الحرب ومن الكارثة التي أدّت إليها، فإن موقف الرئيس الأميركي، في العام 2003، يكشف أنّه لم يكن من فريق الحمائم في مجلس الشيوخ. طرح بايدن في حينه أسئلة في شأن الفائدة من الحرب على العراق، لكنه انتهى إلى تأييد تلك الحرب التي شنتها إدارة جمهوريّة برئاسة جورج بوش الابن..

تتصرّف الصين في الموضوع الأوكراني تصّرفا انتهازيا. طرحت خطة للسلام وافق عليها الجانب الروسي. ينقص هذه الخطّة التي تتحدث عن سيادة الدول الكثير. ينقصها أوّلا إدانة العدوان الروسي على دولة مستقلة. الأهم من ذلك كلّه أنّ الصين تسعى لإرضاء موسكو، أقلّه شكلا.

تريد وقفا لإطلاق النار يكرّس أمرا واقعا هو الاحتلال الروسي لجزء من الأراضي الأوكرانيّة. مثل هذا الاحتلال غير مقبول أوروبيا، لا لشيء سوى لأنّه يعني أنّه بات مسموحا لروسيا احتلال أراض تابعة لدولة أخرى في القارة الأوروبيّة من دون حسيب أو رقيب. ماذا إذا وجد فلاديمير بوتين، في رضوخ أوروبا والولايات المتحدة للأمر الواقع الذي يسعى إلى فرضه، بابا لشن حروب جديدة انطلاقا من أوكرانيا؟

نجح شي جينبينغ في امتحان الانتظار. يعرف جيدا أنّ فلاديمير بوتين في وضع لا يحسد عليه، خصوصا أنّه لم يترك أمامه سوى خيار واحد هو التصعيد. عندما يتحكم خيار التصعيد بالرئيس الروسي يصبح طبيعيا أن ينتهي في الحضن الصيني. يعني وجود فلاديمير بوتين في الحضن الصيني قبوله صفقة يخرج منها شي جينبينغ رابحا. في أساس هذه الصفقة دعم سياسي صيني محدود لروسيا في المواجهة مع الغرب في مقابل النفط والغاز الروسيين بحسومات كبيرة، بل كبيرة جدّا. قليل من الدعم السياسي الصيني لروسيا في مقابل مكاسب كبيرة في مجال الطاقة يجنيها شي جينبينغ.

كلّ ما في الأمر أنّ الصين تشتري ما لدى روسيا بالرخيص. يعرف شي جينبينغ جيدا أنّ عليه مواجهة أميركا وإن ضمن حدود معيّنة وأنّ بوتين، الذي تورط في أوكرانيا، يستطيع أن يكون أداة من أدوات هذه المواجهة ومتطلباتها!


العرب اللندنية