خاص - هل تكمل الصين بوساطاتها استراتيجية تحدي اميركا والغرب ؟ - جورج أبو صعب

  • شارك هذا الخبر
Sunday, March 19, 2023

خاص- الكلمة اونلاين
جورج أبو صعب

بعدما نجح الزعيم الصيني تشي جين بينغ في احداث اول خرق ديبلوماسي تاريخي في منطقة الخليج المحسوبة تاريخيا وسياسيا كمنطقة نفوذ أميركي بامتياز, من خلال رعايته وضمانته لاتفاق المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في ايران على استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما , بدأت كواليس السياسات الدولية ومراكز الأبحاث والتحاليل تتكلم عن احتمال قيام بكين بوساطة جديدة لتسوية ملف الحرب في أوكرانيا .
للوهلة الأولى يمكن القول ان ما نجحت بكين في تحقيقه في ملف العلاقات السعودية الإيرانية قد لا تستطيع تحقيقه في ملف أوكرانيا لاعتبارين أساسيين :

الأول : ان نجاح الوساطة الصينية بين السعوديين والإيرانيين من أسبابه الأساسية ان لكل من الرياض وطهران موقف معين من الولايات المتحدة الأميركية والغرب ومن مسألة الاصطفاف والمحاور : اذ في حين تناصر طهران العداء للغرب ( اقله في المعلن من سياستها وخطاباتها وادبياتها السياسية ) ما يقربها كثيرا من بكين , فان الرياض تعيش مشكلة انعدام الثقة بالإدارة الأميركية الديمقراطية الحالية وبالغرب , وقد اختارت انتهاج سياسة رفض الاصطفاف ضمن محاور , منتهجة أسلوب انفتاح على كافة الدول شرقا وغربا والعمل على حل الخلافات الإقليمية بالحوار والتنمية والاعمار الامر الذي قربها من بكين التي تنتهج تقربيا نفس النظرة والرؤية الى العلاقات الدولية والإقليمية .
فكان بالتالي من السهل على الصين التقريب بين الخصمين الإقليميين اللدودين وكان ما كان من اتفاق .

الثاني : ان الملف الاوكراني يقع على خط التماس الجيو سياسي والاستراتييجي الأكثر سخونة وحيوية للغرب والناتو وبالتالي ليس من السهل ولا المقبول للصين ان تقترب منه فيما يمكن ان يعتبر تحديا صينيا مباشرا للغرب وقوته ومصالحه في هذه المنطقة الحيوية من العالم على أبواب أوروبا ودول الحلف الأطلسي .
وبالتالي لا يمكن للاميركيين وحلفائهم الغربيين ان يسمحوا للصين , وهم ابتلعوا على مضض قصة الاتفاق السعودي الإيراني لعلمهم بعجزهم عن تطويع السعوديين وكسب اصطفافهم الى جانبهم ضد روسيا والصين وعن اخضاع الإيرانيين بعد بفشل كافة سياساتهم الاستيعابية لطهران .

ومع ذلك نجد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يتوجه إلى موسكو، وسط توتر متزايد بين روسيا والولايات المتحدة، بسبب ملف أوكرانيا، لا سيما بعد حادث الطائرة المسيرة فوق البحر الأسود.

فرص نجاح الصين في وقف الحرب بين موسكو وكييف تبقى واردة وانما بصعوبة كبيرة , لكن عزم جين بينغ التحدث مع نظيره الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، للمرة الأولى منذ بداية الصراع يعتبر دليل إصرار صيني على التوسط وعلى محاولة لعب دور دولي كبير منافس للاميركيين والغرب في عقر دارهم , الامر الذي يطرح العديد من التحديات على بكين قد لا تقوى على مواجهتها خاصة وان لا شيىء الى الان يبدو مهيأ من طرف الدولتين المتصارعتين ( روسيا وأوكرانيا ) للقبول بمبدأ التفاوض ..

يبدو من مراجعة التصاريح والتحاليل الصينية , ان كفة نجاح المبادرة لاحلال السلام في أوكرانيا تبقى راجحة لعدة أسباب ليس اقلها رهان بكين على سؤ الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة وسط مطالب الكونغرس بوقف الدعم لأوكرانيا وانفجار ازمة انهيار قطاع البنوك بدأ من بنك سيلكون فاليه ...
كما ان بكين تعتبر تأخر أوروبا في مساعدة أوكرانيا عسكريا ظرفا مناسبا لتوقيت مبادرتها .
وكييف تعاني من وضع عسكري دقيق وقواتها محاصرة شرقا فيما تتراجع قدرتها القتالية في الجنوب.
وتعول بكين فوق كل ذلك على حاجة موسكو لمبادرة تأتيها من حليف موثوق عالم بهواجسها ومصالحها .

من المقرر ان يقوم الرئيس الصيني بزيارة دول أوروبية من ضمن زيارته لروسيا في الأيام القليلة المقبلة حيث سيكون الملف الاوكراني الطبق الأساس في محادثاته مع الزعماء الأوروبيين وعين بكين من خلال تلك المبادرة على استكمال نهجها بمنافسة الولايات المتحدة في الملعب الدولي، مما يدعمها في التصدي للعقوبات الضارة بالمصالح الصينية فضلا عن تعزيز التعاون مع روسيا والتخفيف من الهيمنة الأوروبية والغربية على أوكرانيا .

كييف تعتبر من جهتها ان ما هو اهم من السلام مع موسكو بنود هذا السلام ومضامينه خاصة لجهة الاستحصال على انسحاب روسي من جميع الأراضي الأوكرانية قبل الجلوس على مائدة المفاوضات.

لذا يمكن القول ان اقصى ما تستطيعه بكين هو الحصول على وقف مبدئي لإطلاق النار بين موسكو وكييف، بديلا عن اتفاق شامل صعب المنال بسبب الاختلاف الجذري في نظرة كل طرف الى شروط السلام وطل طرف يعتبر تجربة اتفاقيات " مينسك " العام 2014 تجربة سيئة وغير مبشرة .

بكين ترى ان الانقسام في المعسكر الأوروبي بات واضحا فيما يخص تسليح أوكرانيا في ظل تصريحات تطلق بين الحين والأخر ومحاولات تبذل للدفع باتجاه تسوية في ظل التقدم الروسي العسكري في معارك الشرق الاوكراني .
ولعل اتهام كييف الصريح مؤخرا لبعض الدول الغربية، منها ألمانيا وفرنسا، بتعطيل التسليح تعطي الصين املا إضافيا بإمكانية نجاح وساطتها مع كييف , وقد سبق للرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ان صرح بضرورة أخذ مخاوف موسكو بجدية.

في فبراير الماضي طرحت بكين مبادرة من 12 بندا، لوقف الحرب في أوكرانيا لكنها لم تجد صدى لدى الغرب , حيث اعتبر الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بأن بكين فاقدة للمصداقية قبل ان تطرح أية صيغ حلول او مقترحات وقد رفضت مرارا عديدة إدانة روسيا .

الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها والصين وروسيا تصاعدي المسار , والصين قررت اقتحام ملفات الازمات الدولية من ضمن خطتها في المواجهة الكبرى , وقد لا يضيرها ان تلعب الدور القوي في الملف الاوكراني فان نجحت تكون سددت ضربة جديدة قوية لواشنطن وحلفائها وان فشلت تكون قد كسبت مزيدا من الالتفاف والالتصاق الروسي بها , علما ان روسيا منهكة من الحرب اسهل على الصين للابتلاع من روسيا مكتفية وقوية .

جورج ابو صعب- المستشار القانوني للسفارة الفرنسية في قطر / المستشار القانوني لمفوضية الاتحاد الأوروبي في قطر