ليال الإختيار- الصين في الشرق الأوسط قوة عظمى.. ولكن

  • شارك هذا الخبر
Thursday, December 8, 2022

لعل أبرز وصف للوجود الصيني في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة منذ أن بدأت السياسة الصينية بالتوسع غربا، بموازاة سياسة إعادة التوازن الشرقية الأوبامية هو وصف "التنين الحذر" حتى وإن تجاوزت بيجينغ هذا الحذر بدقة في بعض المناسبات السياسية.

الصين كقوة عالمية صاعدة هي بلا شك اليوم قوة متكاملة المعالم، ولعل أهم ما في هذه القوة هو عنصر الاقتصاد الذي افتقده الاتحادالسوفيتي الذي ارتكزت كل عناصر قوته على القوة العسكرية في حقبة ما قبل الحرب الباردة وما بعدها الأمر الذي جعل من سقوطه، وتفككه أمرا سريعا مما رسخ مفاهيم وعناصر جديدة للقوة العالمية وكان الاقتصاد أهمها.

حاليا في المرحلة الرمادية لما بعد تلاشي النظام العالمي الذي أرسته الإدارة الأميركية في المرحلة التي أعقبت الحرب الباردة، تطرح الصين نفسها كلاعب أساسي في نظام تسعى فيه القوى الدولية إلى أن يكون متعدد الأقطاب، ولكن السؤال الأساسي الذي يطرح هنا هل الصين التي تسعى معها دول المنطقة لإرساء نوع من التوازن في العلاقات الدولية قادرة على أن تفرض توازن الرعب الذي كان سائدا في مرحلة الحرب الباردة؟ وهل هي قادرة على أن تكون النموذج الموازي للنموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي؟

اليوم ومع تراجع ومحدودية الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط تعزز الصين وجودها في المنطقة التي تعتبرها ذات أهمية جيوستراتيجيةمنذ ثمانينيات القرن الماضي إلا أنها لم تعلن عن أي استراتيجية مستدامة واضحة تجاه هذه المنطقة التي تتشابه معها على أصعد كثيرة وترتبط معها بحسب علم الإنثروبولوجيا بجزء من بنيتها الثقافية والاجتماعية كما وعبر منطقتها الغربية منذ زمن. إلا أن التنين الأحمر اكتفى بالسعي إلى الحفاظ على أمن إمدادات الطاقة بما أنه أحد أكبر مستوردي النفط الشرق أوسطي عالميا كما الحفاظ على سلاسل الإمداد العالمية ومن هنا هذا الحذر الصيني من خوض مواجهة حقيقية مع الأميركيين الرعاة الأساسيين لأمن المنطقة.

علاوة على ذلك تنتهج الصين الدبلوماسية المعتدلة التي تستخدم الاقتصاد كقوة ناعمة تخدم علاقاتها مع الدول من دون الغوص بخلافات المنطقة ومن هنا توازن العلاقات الصينية العربية الخليجية من جهة والصينية الإيرانية من جهة أخرى حتى وإن كانت علاقة وثيقة ولكن معقدةوهو التوازن المقلق بالنسبة لدول المنطقة.

هذا الوجود الصيني الحذر في الشرق الأوسط، أتى تتويجا لسياسة الصين بالتقدم غربا كاستراتيجية أمن قومي تتيح لها تحقيق توازن داخلي عن طريق التوجه شرقا وغربا لاختراق سياسة التطويق البحرية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ.

ولكن لعل أكثر ما يطمئن المنطقة في هذه العلاقة ونظرا لطبيعة النظام الصيني الذي تخلى عن تصدير الثورة بعد انتهاء فترة حكم ماو تسيتونغ، لا بل ربما منذ مؤتمر باندونغ وبروز حركة عدم الانحياز عام 1956 فطرحت الصين مذ ذاك الوقت نفسها أنها لاعب دبلوماسي اقتصادي وعسكري عن طريق الحوار والمصالح المتكافئة من دون الإطاحة بالأنظمة أو اللعب بأمن الدول عبر المبادئ الخمسة التي أرستها منذ أوائل الخمسينيات.

هذه السياسة "الدبلواقتصادية" التي تنتهجها الصين في الشرق الأوسط والعالم بظل محاولة تمددها، وتكريس نفسها كقوة عالمية أساسية في عالم الأقطاب الجديد يحيطها جدلية أساسية في صلب نموذج التمدد الصيني وهي العلاقة بين الديمقراطية والتنمية، خصوصا بعدفشل النماذج الديمقراطية في الآونة الأخيرة في تلبية احتياجات شعوبها بعد تراجع وتآكل الموارد مما أدى إلى صعود مخيف للشعبويين والفاشيين في كثير من الدول، فيما استطاع كثير من الدول كدول الشرق الأوسط مثلا والصين أيضا، أن تكون عامل جذب اقتصادي وديمغرافي وجغرافي.

وبالتالي هل الاقتصاد والاستقرار اليوم قادران على أن يكونا ركيزة لأي نموذج صاعد بمعزل عن النموذج الليبرالي الغربي؟ وهل ستنجح الصين في ترسيخ نظرية أسبقية الاقتصاد على الديمقراطية وبالتالي التركيز على الحريات الاقتصادية كضامن لأمن المجتمع نظرا للعلاقة السلبية بين النمو والديمقراطية المتقدمة التي يكفيها النمو الاقتصادي وليس العكس؟

وطبعا هذه النظرية تقابلها نظريات أخرى مناقضة إلا أنها تتعارض مع النموذج الصيني كنظرية تكامل الاقتصاد والديمقراطية السياسية، كما ونظرية علوية الديمقراطية على الاقتصاد والتي أنتجت اختلالات كثيرة في النظام العالمي من بطالة وفقر وجوع وتهميش بعدما فشلت الديمقراطية في كثير من الأحيان بإصلاح الإجحاف التنموي والاقتصادي وهو ما يعتبر عامل قوة في تدعيم القوة النيواقتصادية الجديدة ومن هنا أتى صعود النموذج الصيني.

في النهاية، ووفق التجارب العالمية السابقة وبعد سقوط القوة العسكرية كركيزة لنموذج قطبي مع سقوط الاتحاد السوفيتي، تبدو الصين أمام تحد رئيسي عنوانه التالي: فهي إذا أرادت أن تلعب فعلا دور قطب عالمي موازن لأميركا أو حتى متخط لها، فهي تحتاج إلى أكثر من عنصر الاقتصاد القوي، كي تستكمل بناء نموذج عالمي قطبي. لكن في المقابل هل يحتمل نظامها السياسي الحزبي الراهن، مقتضيات نموذج كهذا؟

وإذا ما تزعزع عنصر الاقتصاد وشحت الموارد هل ستستطيع الصمود في ظل التحولات الجذرية التي ترافق الثورات التكنولوجية والاجتماعية العالمية وفي ظل جمود النوذج خصوصا وإن النموذج الديمقراطي مع كل مرونته ومع كل ما يقدمه يعاني اليوم في ظل شح الموارد ويتخبط؟

أسئلة كثيرة وتحد واضح أن الصين لم تحسمه بعد، ولكنها تحاول مقاربته بالتجربة والمحاولة، فإن نجحت سيكون الغرب في مأزق وإن فشلت سيكون الجزء الآخر من العالم في خيبة ومأزق أيضا، وبين المأزقين سيتأرجح العالم في السنوات المقبلة إلا أن الأكيد أن العودة للوارء إلى النظام الذي تآكل أصبحت صعبة جدا.


النهار