طارق ترشيشي - فرنجية "أستاذ التسامح ورجل الحوار"

  • شارك هذا الخبر
Thursday, December 8, 2022

الجمهورية

ليس تسويقاً لسليمان فرنجية ولا مُمالأة له، فهو لا يحتاج الى التسويق ولا الى الممالأة، فالرجل معروف للقاصي والداني بمواقفه وتطلعاته منذ ان دخل المعترك السياسي وتدرّج في تولّيه النيابة والوزارة منذ انطلاق النظام السياسي الذي أرساه «اتفاق الطائف» عام 1990.


يقول عارفو فرنجية انه أثبت حتى الآن في ساحة الاستحقاق الرئاسي انه ليس مرشّح فريق معين، وانه يحظى بثقة حلفائه ويترك الباب مفتوحاً مع «الفريق الآخر»، وهو في مكان ما برهنّ عن انه «رجل حوار»، وانّ المؤيدين له وغير المؤيدين يتقاطعون على وصفه بأنه رجل حوار، وحلفاؤه يعتبرونه كذلك بينما الآخرون لم يقفلوا الابواب في وجهه. وأكثر من ذلك فإنّ فرنجية، بحسب عارفيه، لم يُعط انطباعاً بأنه مرشح فريق 8 آذار، ويتجلى هذا الامر بالموقف الغربي الذي بدوره يعطي انطباعاً بأنّ الرجل قادر على ادارة الحوار في هذه المرحلة. فالرجل وصل الى هذا المستوى نتيجة عمل تَراكمي منذ العام 2016 عندما رشّحته المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ونَطق يومها الرئيس سعد الحريري بهذا الترشيح قبل أن تؤول رئاسة الجمهورية الى العماد ميشال عون.



لكنّ فرنجية منذ أن رشّحته الرياض وباريس وواشنطن اعتبر انه بات على كتفه مسؤولية لأنّ هذه العواصم الثلاث سَلّفته موقفاً، وتعاطى معها منذ ذلك الحين الى اليوم على اساس الاحترام، وخصوصاً تعاطيه مع المملكة العربية السعودية التي يعتبر انها وقفت الى جانبه، ولذلك هو يتعاطى معها من موقع الاعتراف بالجميل.




ومنذ العام 2016 يتعاطى فرنجية في سياسته مع الرياض وباريس وواشنطن تحت السقف الاستراتيجي الذي يلتزمه وعلى اساس الاحترام المتبادل، وقد اكد انه الشخصية الأكثر حركة على الصعيد الديبلوماسي إذ انه يستقبل اسبوعياً اكثر من سفيرين في بنشعي، وكل ذلك تحت السقف الاستراتيجي المعروف، وانّ وضعه الحالي على مستوى ترشّحه لرئاسة الجمهورية جدي جداً ووفق المواصفات والمتطلبات التي تقتضيها المرحلة.




فالشارع السني يؤيّده وكذلك الشيعي، ولا مشكلة لديه مع الشارع الدرزي، امّا في الشارع المسيحي فإنّ الرجل هو من المسيحيين الأقحاح وممّن يعطون الهوية المسيحية. وهو، كما يصفه عارفوه، «استاذ التسامح». ويروون انه في العام 2005 جاءت إليه والدة حنا شلّيطا، أحد المتهمين بمجزرة إهدن، باكية تَشكوه ان ابنها مسجون في وزارة الدفاع بلا محاكمة منذ وقوع تلك المجزرة، فأوعَز على الفور الى أحد محاميه بالذهاب الى وزارة الدفاع والعمل على إخلاء سبيل شليطا وهكذا كان. ثم التقاها فرنجية لاحقاً وقال لها: «ما برضى حدا يزَعلك»، كذلك زارها في منزلها في فترة لاحقة.




وفي السياق نفسه يقول عارفو فرنجية أنه رفض المحاكمات في مجزرة إهدن لأنها تؤدي الى شروخ كبيرة في الساحة المسيحية، واعتبر انّ مشكلته «هي مع شخص وليس مع المجتمع المسيحي»، بحسب هؤلاء العارفين الذين يضيفون انّ كثيراً من القيادات المسيحية، أمثال الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، يزينون الامور وفقاً لمصالحهم الشخصية. ومع ذلك فإنّ هؤلاء اذا حصلت مقارنة بينهم وبين فرنجية لجهة من هو الاكثر مقبولية وطنياً وفق استطلاع موضوعي يجري لهذه الغاية، فإنّ فرنجية سيكون «الاكثر مقبولية على المستوى الوطني». ويسأل هؤلاء: «لماذا لا يوضع هذا الامر معياراً يؤخَذ به عند انتخاب اي رئيس جمهورية؟».




ذلك انّ الطرف الاسلامي يحتاج دوماً في كل استحقاق رئاسي الى ضمانات وتطمينات إزاء اي رئيس جمهورية، والواقع يُظهر حالياً انّ السنة والشيعة والدروز، والمسلمون في لبنان عموما، يَرون، على رغم التبيانات بينهم، انّ وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية يطمئنهم، في وقت ينبري بعض الاصوات المسيحية الى «تعيير» الرجل بمسيحيته فيما تضمّ كتلته النيابية ابن بشري ملحم طوق وابن المتن الشمالي ميشال الياس المر وابن كسروان فريد هيكل الخازن. وليس منطقياً القول انّ الرئيس الأكثر تمثيلاً يجب ان يكون لديه كتلة نيابية مسيحية كبيرة لأنّ التمثيل لا يُقاس وطنياً بعدد النواب وإنما بالحيثية والموقعية والمرجعية التي يشكّلها صاحبها على المستويين المسيحي والوطني، علماً ان موقع رئيس الجمهورية هو لجميع اللبنانيين وليس لفئة او طائفة منهم، وإن كان ينتمي الى الطائفة المارونية.




ويقول عارفو فرنجية ايضا انّ التأييد الاسلامي له هو تأييد وطني ولا ينبغي وصفه بصفة طائفية، والأمر نفسه يجب ان ينطبق على التأييد المسيحي. ويضيفون انه انطلاقاً من هذه الحيثية التي يتمتع بها الرجل فإنّ «حزب الله» وحلفاءه ليس لديهم خيار آخر غيره لرئاسة الجمهورية سَهل التسويق، فهم لا يفرضونه على المسيحيين ولا يرفضونه.



لكن هؤلاء العارفين يقولون ان بعض القيادات المسيحية البارزة لديها دوماً قدرة على الاتفاق او عدم الاتفاق على تصوير انّ هذا المرشح لرئاسة الجمهورية المُتفق عليه انه مُنزَل او مفروض على المسيحيين، في حين ان هذا امراً ليس صحيحاً، فالرئيس ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع «يتحكمان» باللعبة السياسية على الساحة المسيحية وهما قادران على تصنيف من هو مسيحي ومن هو غير مسيحي، فيما الطائفة المسيحية لديها تعددية هائلة، وهناك زعامات مسيحية اخرى لا يمكن تجاهلها او نكران وجودها، وفي الاتفاق المسيحي الذي حصل في بكركي عام 2014 تم الاتفاق على ان يكون رئيس الجمهورية العتيد يومها «مُنبثقاً من الوجدان المسيحي»، وهذا كان معياراً حدّدته البطريركية المارونية، وقد تَمّ هذا الاتفاق يومها بين الرئيس امين الجميل والعماد ميشال عون (الذي كان يومها مرشحاً للرئاسة)، وجعجع وفرنجية الذي قال يومها «ان اي شخصية مسيحية تنطبق عليها مواصفات المرشح المسيحي».



وعملياً يرى عارفو فرنجية انه بمواصفاته هو مُنبثق من «اتفاق الطائف»، الذي شَكّلت الوثيقة الدستورية التي صاغَها جدّه الرئيس الراحل سليمان فرنجية عام 1976 أساس هذا الاتفاق الذي أُقرّ عام 1989 في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية.



وفي هذا الصدد يقول العارفون انّ علاقة آل فرنجية بالسعودية هي علاقة تاريخية، ويروون للدلالة الى هذه العلاقة انّ امرأة اسمها «فرنسا صوما» كانت من المتحزّبين جداً للرئيس سليمان فرنجية قَصدته صبيحة ذات يوم الى منزله في زغرتا للسلام عليه وراحت تناديه عند مدخل المنزل بأعلى صوتها، وفجأة صادفت رجلاً يجلس في بهو الدار فسألته: ما اسمك؟ فأجابها: «اسمي سلمان فرنجية، كنتُ مغترباً وقد عُدت الى لبنان». وفي هذه الاثناء خرج فرنجية وقال لـ«فرنسا»: «هذا الرجل هو الامير سلمان شقيق الملك فيصل بن عبد العزيز، جاء يزورنا وهو يقيم في بيتنا».



وينطلق عارفو فرنجية من هذه الرواية ليؤكدوا «انّ علاقة آل فرنجية بالسعودية هي علاقة تاريخية غير عادية، فالسعودية بالنسبة اليهم أصالة وعلاقة عشائر، تماماً كما هي علاقتهم بسوريا وبقية الدول العربية وفي مقدمها مصر منذ ايام الرئيس جمال عبد الناصر، وبعده ايام الرئيس انور السادات. فجيهان شقيقة فرنجية التي سقطت في مجزرة اهدن سُمّيت بهذا الاسم تَيمّناً بإسم جيهان زوجة الرئيس الراحل انور السادات الذي كانت العلاقة بينه وبين آل فرنجية متقدمة جداً».



ويخلص العارفون الى القول انّ آل فرنجية «لا يمكن تَعييرهم بالمسيحية ولا بالعروبة ولا بالوطنية، فقمة الرياض عام 1974 كلّفت الرئيس فرنجية تمثيل الامة العربية جمعاء في اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة. امّا العداء لإسرائيل فَحدّث ولا حرج، فطوني فرنجية والد سليمان الحفيد استشهد نتيجة هذا العداء».