لمن تدفع الأثمان المطلوبة لإنهاء الشغور؟- روزانا بو منصف

  • شارك هذا الخبر
Sunday, November 27, 2022

كتبت روزانا بو منصف في "النهار":

لكي تدخل دول صديقة على خط المساعدة في التوفيق بين خيارات القوى السياسية في لبنان تحتاج الى حدّ من الدينامية الداخلية لكي تفهم ما هو الممكن وما هو المستحيل خشية الدخول في خيارات تكتشف بعد حين أنها مستحيلة ويتم إحراجها.


هناك عوامل أخرى هي أن الدول الصديقة وإن كانت تطمح الى تعزيز مصالحها في لبنان، فإنها مشغولة بمسائل داخلية معقدة أكثر أهمية بكثير من لبنان فضلاً عن أن الحرب الروسية على أوكرانيا تستنزف كل الاهتمام والجهد في ظل تداعياتها المتشعبة على مستويات عدة وخطيرة. ولكن وفقاً لما تقول مصادر ديبلوماسية فإن الدول الصديقة مستعدّة لأن تساعد ولكنها لن تتسرع في تظهير أي دخول علني وصريح لها، إذا رغبت في ذلك، قبل بلورة بعض الاتجاهات التي بدأت في الظهور في الأسابيع الأخيرة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية مع تحديد الأمين العام لـ"#حزب الله" مواصفاته للرئيس العتيد، وكذلك بالنسبة الى رئيس مجلس النواب و#التيار العوني باعتبار أن القوى المعارضة بكرت في دعم مرشح وتحديد المواصفات.

وهذه الأسابيع الطويلة من الشغور الرئاسي التي قد تمتد الى نهاية السنة الحالية يُفترض أن تفسح في المجال لمعرفة ما إن كانت هذه العواصم المعنية مستعدة لدفع الأثمان المطلوبة لقاء إنهاء الشغور الرئاسي أم لا. والكلام حتى الآن يجري حول أسابيع لأن لبنان لا يتحمّل ولكن المؤشرات لعدم وجود نقاط التقاء يمكن أن تمدّ الشغور لأشهر طويلة. وينبغي أن تظهر في موازاة ذلك رغبة حقيقية في إنقاذ لبنان تحت طائل أن يكون البلد في خطر كبير جداً إذا حصل ما يبدّل من أولويات الدول أو لم يظهر أفرقاء السياسة في لبنان إرادة حقيقية للنهوض، وهو أمر غير مستبعد.


لمن تُدفع الأثمان إن كانت ستُدفع لإنهاء الشغور الرئاسي؟ وهل لـ"حزب الله" كمرجعية لقوى 8 آذار في انتظار لملمة حلفائه وهو المايسترو المفترض للورقة البيضاء أم للقوى المسيحية المتساوية تقريباً وإن كان التيار العوني معطّلاً مطالباً بالأثمان له أيضاً؟ وهل ستُدفع أثمان لهذا الفريق أم لا فيتحمّل مسؤولية تعديل شروطه تحت طائل المزيد من الانهيار؟

تقول هذه المصادر إن تغيرات كبيرة تحصل في السياسة الاقليمية ومعها الرهانات كذلك وتترك مفاعيلها. وهذا حصل لدى بدء إثارة الشغور الرئاسي من باب أن فرصة العودة الى الاتفاق النووي بين الدول الغربية وإيران ستدفع الدول الاوروبية الى التعويض عن الطاقة الروسية بالطاقة من ايران وتوقيع الاتفاق سيقلب بعض المعادلات في المنطقة. تزويد إيران روسيا بالمسيّرات القاتلة ضد أوكرانيا ونشوء انتفاضة شعبية في إيران وجمود المفاوضات على النووي إن لم يكن تراجعها، بدأت من الحسابات السياسية. وكذلك الامر بالنسبة الى عدم خسارة الديموقراطيين في الانتخابات النصفية كما كان متوقعاً وعودة بنامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية. ومع أن هناك محاولات عدة لفصل لبنان عن هذه التطورات، فإن البعض منها كان سيوفر لـ"حزب الله" أفضلية فرض المرشح الذي يريده. وهو يدفع في هذا الاتجاه لكن من دون وجود ضمانات بالنجاح لهذه الاعتبارات وأخرى غيرها باتت معروفة ولا سيما إن كانت القوى نفسها ستحكم وهي التي أدّت الى انهيار البلد في أداء كارثي خلال الأعوام الثلاثة الماضية خاصة. تسأل هذه المصادر عمّا إن كان التمسك بالحليف المسيحي حتى مع رئيس جديد سيتيح مقاربة مختلفة في موضوع الكهرباء أم تستمر المقاربة نفسها وكذلك السياسة الخارجية ومسائل أخرى، وهل سيحمل التغيير تغييراً أو صورة رئيس جديد ورئيس حكومة جديداً بالمضمون نفسه أو ما يشبهه، إذ إن " حزب الله" وضع موضوع سلاحه في الواجهة وعدم طعنه كما قال، فيما نهوض البلد يفرض أولويات تشمل سلاحه لكن ليس في مراحلها الاولى على الاقل.



الأمر الإيجابي في هذا السياق أن هناك بعض الدول الصديقة، لأسباب مختلفة، لا تزال تهتم بلبنان لكن في ظل محاذير كبيرة من أن تفقد الاهتمام والقدرة على بذل الجهد إذا استمر التعثر الداخلي أو الاقليمي كذلك. فالمؤسف حسب هذه المصادر أن القوى السياسية لا تظهر جدّية في مقاربة الوضع الداخلي بل تتصرّف كما لو أن الأمور طبيعية وتغرق في تحديد نسب الزائرين في الصيف أو خلال الاعياد كأنما ذلك يعوّض عما يجب القيام به من إصلاحات فيما يُغفل واقع أن المرحلة مصيرية بالنسبة الى لبنان وهي ليست مرحلة عادية للتعاطي معها بترف الأوضاع السياسية والاقتصادية الطبيعية.



إذا لم يستفد لبنان من الفرص المتاحة أمامه ومن المتابعة الخارجية المستمرة له وإن المشروطة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي فقد يدخل في النسيان تماماً كما هي الحال في سوريا المجاورة. فباستثناء الاحاديث عن اللاجئين السوريين ومحاولات دول الجوار السوري لإعادتهم إن كان من جانب تركيا لحاجة الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان إلى الإعداد لحملته الرئاسية المقبلة أو من جانب لبنان بسبب العبء الذي بات يشكّله اللاجئون على وضعه الاقتصادي، أو القصف لحافلة إيرانية على الحدود السورية العراقية أو انتشار الكوليرا من سوريا الى لبنان، وأخيراً نهي واشنطن وموسكو تركيا عن أي عملية عسكرية ضد الأكراد، لا تقع سوريا في دائرة الضوء بل أصبحت الازمة السورية شبه منسيّة. ففشل العملية السياسية لأسباب لا يتيح البحث فيها في هذا السياق الى جانب بروز تطورات دولية جمّدت التشاور الدولي حول سوريا يبقيها في ثلاجة الانتظار وتحت وطأة أوضاع مأساوية وساحة صراع إقليمية ودولية.

تعتقد مصادر ديبلوماسية أنه لا يزال هناك ما يميز لبنان عن سوريا وأحد أبرز العوامل الضاغطة على القوى السياسية لحزم أمرها وانتخاب رئيس للجمهورية يكمن في حراك من النخبة كما من الشعب على خلفية أن اللبنانيين قد يصلون الى نقطة لا يعود لديهم شيء ليخسروه ويتعاظم ضغطهم لتقرير المصير الذي يجب أن يقرروه أصلاً بدلاً من انتظار قوى سياسية لا يهمّها سوى تحقيق مصالحها. أما متى يأتي توقيت ذلك فإن الأمر لا يزال حتى الآن يثير استغراباً لتأخره وعلى نحو غير مفهوم إطلاقاً.