تختطفهم من مزارع شبعا... قصة اللبنانيين الذين تخشاهم إسرائيل وتتهمهم ب"التجسس!

  • شارك هذا الخبر
Saturday, November 26, 2022

كان راعي الأغنام اللبناني حسن زهرة في نهاية يوم عادي، كان يرعى فيه الغنم على الجبل الممتد على طول الحدود الجنوبية الشرقية للبنان، غير أن الأمور تبدلت حين وقع في كمين أعدَّته مجموعة من الجنود الإسرائيليين، ثم خطفوه من هناك مقيد اليدين معصوب العينين، ونقلوه إلى منشأة استجواب في إسرائيل، واتهموه بالتجسس لصالح حزب الله اللبناني.

"كل راعٍ للأغنام عميل محتمل لحزب الله"
يروي زهرة بحزن لصحيفة The New York Times الأمريكية، أنه ترك مئات من الغنم وراءه على منحدر التل. وقال إن الجنود الإسرائيليين قالوا له: "الرعاة من أمثالك يتظاهرون بأنهم يرعون الغنم فحسب، لكنكم في الحقيقة تعملون لحزب الله وتُستخدمون لمراقبتنا"، وقال: "مهما قلنا لهم إننا لا نفعل إلا رعي الغنم فإنهم لا يصدقوننا".

أجرى لبنان وإسرائيل منذ وقت قريب عملية تفاوض على ترسيم الحدود البحرية بينهما، إلا أن الأحوال بينهما لا تزال متوترة على طول الحدود البرية، التي تحتلها إسرائيل، في مناطق نزاع تنتشر فيها حقول الألغام والأسلاك الشائكة، وتراقبها الطائرات المسيرة، وغيرها من سبل المراقبة طوال الوقت.

ويتأذى رعاة الأغنام والماعز في جنوب لبنان المتاخم للمنطقة الزراعية المسماة "مزارع شبعا"، والتي تطالب بها لبنان وتحتلها إسرائيل، وقد غيرت الأخيرة اسمها إلى منطقة "جبل دوف".

يقول الرعاة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اختطفت بعضهم مراراً، بتهمة إمداد حزب الله بمعلومات عن الجيش الإسرائيلي وتحركاته في المنطقة. ومع ذلك، فإنهم ما إن يُطلق سراحهم إلا وتستجوبهم السلطات اللبنانية، خشية أن يكون الإسرائيليون قد جندوهم للتجسس والتعاون معهم، وينفي كل من الرعاة وحزب الله الاتهامات الإسرائيلية بالتجسس، كما تقول الصحيفة الأمريكية.

ما قصة مزارع شبعا التي تحتجز فيها إسرائيل رعاة الأغنام؟
حين أنهت إسرائيل احتلالها لجنوب لبنان عام 2000، انسحبت إلى الخط الحدودي الذي بات معروفاً باسم "الخط الأزرق"، وهو ترسيم حددته الأمم المتحدة لتأكيد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني. ومع ذلك فإن الجانبين لم يتفقا قط على حدود رسمية، ولم تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا اللبنانية، بدعوى أن المنطقة كانت جزءاً من هضبة الجولان التي احتلتها القوات الإسرائيلية من سوريا عام 1967، وساندتها الأمم المتحدة في مزاعمها.

يقول زهرة إن عائلته ما زالت تملك أرضاً في مزارع شبعا، وكان أسلافه يربون الماشية هناك، ولَطالما كانت المنطقة محلَّ نزاع متأجج بين إسرائيل ولبنان، وقال حزب الله اللبناني إنه لن يتخلى عن المنطقة، لأنها تابعة للبنان وإسرائيل تحتلها.

ومن ثم يتولى نحو 10 آلاف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة القيام بدوريات عسكرية على امتداد الخط الأزرق، الذي يبلغ طوله 121 كيلومتراً، لكن ذلك لم يمنع المناوشات في المنطقة، ولا احتجاز القوات الإسرائيلية للرعاة من أمثال حسن زهرة، في المناطق الواقعة على طول الحدود.

وأقرَّ أندريا تينينتي، المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في لبنان، بالصعوبات، وقال: "لأن الخط غير محكم تحديده، يصعب الحكم بما إذا كان الرعاة قد تجاوزوا الحدود إلى إسرائيل أم أن الإسرائيليين يتجاوزون الحدود إلى لبنان".

وقال تينينتي إن القوات الإسرائيلية تطلق على الرعاة من أمثال زهرة اسم "رعاة العمليات"، ويزعم الجيش الإسرائيلي أن الرعاة يستخدمون تطبيقاً هاتفياً يحذف صور الأفراد والمركبات الإسرائيلية، بمجرد إرسالهم إياها إلى مسؤولي حزب الله.

عمليات خطف وتحقيق متكررة
يدّعي الجيش الإسرائيلي في مقطع فيديو نشره موقع إخباري إسرائيلي، العام الماضي، أن بعض الرعاة يُرسلَون أحياناً مع نسائهم وأطفالهم للرعي على طول الحدود "من أجل إخفاء غايتهم الحقيقية والتظاهر بالبراءة".

أما حزب الله فيصف الاتهامات الإسرائيلية بأنها "باطلة ولا أساس لها". وقالت الجماعة في بيان: "إن [الإسرائيليين] يحاولون تبرير اختطاف الرعاة من حين لآخر، واستجوابهم للحصول على معلومات عن مواقع المقاومة وتحركاتها في تلك المنطقة".

قال زهرة إنه كان داخل الأراضي اللبنانية، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، حين برز له نحو 12 جندياً إسرائيلياً وأحاطوا به وصوبوا بنادقهم نحوه، ثم احتجزوه 3 أيام في إسرائيل، وكان يحرسه جنود مسلحون طوال الوقت، وقد تعرض للاستجواب عدة مرات.

قال الجيش الإسرائيلي، رداً على أسئلة من صحيفة The New York Times، إن زهرة "تسلَّل إلى الأراضي الإسرائيلية، وقد أسفر استجوابه عن معلومات مهمة لإسرائيل".

قال زهرة إن اعتقاله، العام الماضي، كانت المرة الثانية التي يعتقله فيها جنود إسرائيليون، فقد اعتُقل من قبل وهو في الرابعة عشرة من عمره، واحتُجز وشقيقه الأكبر إسماعيل ساعات طويلة لدى الجيش الإسرائيلي، وحينها طالبه الإسرائيليون أيضاً بالاعتراف بالجهة التي ترسله إلى المنطقة.

أين قوات حفظ السلام الدولية من عمليات الخطف هذه؟
تقول نيويورك تايمز، إن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تشرف على عودة الرعاة والماشية بين الجانبين، من خلال نقطة التفتيش الحدودية الوحيدة العاملة في المنطقة. وقد عبر زهرة من هناك عائداً إلى لبنان، بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية سراحه، ثم اقتادته المخابرات اللبنانية واستجوبته نحو 12 ساعة.

لم يردّ الجيش اللبناني على الأسئلة بشأن سبب استجوابه للرعاة بعد احتجاز القوات الإسرائيلية لهم، لكن قاسم علي زهرة، والد حسن، يرى أن الجيش اللبناني يتخوف من تجنيد إسرائيل للجواسيس من بين الرعاة.

تتمركز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في موقع صغير المساحة بالقرب من المنطقة، ومن هناك تنطلق دورياتها طوال اليوم، وتعتمد على الرادارات لكشف الانتهاكات الجوية للخط الأزرق، وهي انتهاكات تعمد إليها إسرائيل كل يوم تقريباً.

قال الكولونيل أبيناف بَكشي، المشرف على وحدة عسكرية من القوات الهندية التي تراقب نحو 4 كيلومترات من الخط الأزرق، إن قوات حفظ السلام إذا رأت رعاة يقتربون من مقر الفرقة، تطلق صافرات إنذار لتحذيرهم، و"إذا لم يعبروا يسهل الأمر علينا، لأنه بخلاف ذلك تستغرق إعادتهم والتحقق من عددهم ليلتين بلا نوم"، والحال أن "الراعي لا يدرك أنه خط فاصل لأنه في الحقيقة خط وهمي".

بينما كان الكولونيل يتحدث حلَّقت طائرة استطلاع إسرائيلية بدون طيار في سماء المنطقة، وهو انتهاك صريح لقواعد الخط الأزرق التي أقرتها الأمم المتحدة. وقال الكولونيل إن هذا العام شهد ارتفاعاً في عدد انتهاكات الخط الأزرق المبلغ عنها بزيادةٍ بلغت انتهاكين على الأقل في اليوم.

في معرض الحديث عن اعتقال إسرائيل للرعاة، قال محمد هاشم، رئيس بلدية شبعا جنوب لبنان، إن "العدو يحتجزهم على أساس الزعم بأنهم يعملون في خدمة المقاومة"، لكنه قال إن "المقاومة (حزب الله) لها رجالها، وهي ليست بحاجة إلى الرعاة".

وأشار هاشم إلى المنطقة تقطنها أغلبية سنية، وبها أقلية كاثوليكية قليلة العدد، وأن إسهامات حزب الله في المنطقة محدودة.

لا خيار آخر أمام الرعاة
من جهته، قال ماهر حمدان، وهو راعٍ آخر بالمنطقة، إن القوات الإسرائيلية اختطفته مرتين هذا العام. وكانت المرة الأولى في جبل الشيخ، الذي يُشرف على منزل عائلته "لقد كان كميناً، لم أتجاوز الخط، أعلم أن في الأمر خطورة لأنني [أرعى] بالقرب من الخط الأزرق، لكن لا توجد علامة" لفصل الحدود.

وقال حمدان إن القوات الإسرائيلية فتَّشته، واقتادته مقيد اليدين ومعصوب العينين إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية، وتعرَّض للاستجواب بشأن قوات حزب الله في الجبل، فأجاب بأنهم غير موجودين، ثم أعادوه بعد منتصف الليل إلى الموقع نفسه الذي قبضوا عليه فيه، وقد أطلقوا سراحه دون تدخل الأمم المتحدة.

ثم كانت المرة الثانية لاحتجازه، في يونيو/حزيران، على الجبل نفسه، في منطقة صخرية لا توجد بها أشجار، حيث وَجد بعض الجنود الإسرائيليين الرابضين على الأرض في انتظاره، ولما حاول الهرب بدأ الجنود في إطلاق النار تجاهه، وسرعان ما أحاطوا به وصوّبوا بنادقهم نحوه، ثم أخذوه للاستجواب. وسأله ضباط المخابرات العسكرية الإسرائيلية هذه المرة عن مكان منزله وطلبوا منه تحديد موضعه على الخريطة.

ومع أن حمدان يعرف أنه معرض للوقوع في محنة الاحتجاز مرة أخرى، فإنه لا يزال يعود إلى الجبل نفسه كل يوم حتى ترعى غنمه هناك، فهو- مثل غيره من الرعاة في المنطقة- ليس لديه خيار آخر.

ختم حمدان كلامه عن حاله وغيره من الرعاة بالقول: "جبلنا صغير المساحة وإسرائيل استولت على معظمه، لا بد لنا من الذهاب إلى المنطقة التي يوجد فيها مرعى للماعز، لو نظروا إليَّ فقط سيتضح لهم على الفور أنني لست من حزب الله".