خاص- ضحايا التحرش الجنسي.. تجارب من الواقع!- زينة عبود

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, November 1, 2022

خاص- الكلمة أون لاين

زينة عبود

في إطار الزواج التقليدي، اقترنت رانيا بابن خالتها نزولا عند رغبة الأهل ورزقا ببنت وصبي.. العلاقة بين الزوجين لم تكن بأحسن أحوالها فهو كان بخيلا بعض الشيء وعاطلا عن العمل في معظم الأوقات لا لسبب خارج عن إرادته بل لكونه كسولا وبالتالي فإن الأوضاع المادية كانت صعبة لكن لا بأس، تقول رانيا.

وحشٌ في جسد إنسان

كان الأب يحبّ ابنته كثيرا ويستمتع بقضاء وقته معها أكثر من ابنه، وفق ما لاحظت الأم، خصوصا بعدما تجاوزت ابنتها الأربع سنوات فكان ينام بجانبها في السرير معظم الليالي.

الى هنا، بدا الأمر عاديا بالنسبة الى رانيا لأنه كما يقال "البنت حصّة بيّا". وفي يوم من الأيام، كانت رانيا تلعب مع ابنتها لتفاجأ بسؤال طفلتها "ماما.. ليش ما بتغنّجيني متل بابا أنا ونايمة؟" فأجابتها "كيف حبيبتي أنا دايما بغنّجك ع شعرك حتى تغفي.. ليش بابا كيف بيغنّجك؟"

وكان وقع الجواب على رانيا كالصاعقة عندما أخبرتها طفلتها ابنه الخمسة أعوام، أن والدها يلامس جسدها من عنقها وحتى أسفل قدميها ويداعبها في أماكن حسّاسة ليلاً.

جنّ جنون رانيا وقالت لابنتها أنها الآن كبرت ولا يجب ان تسمح لأي شخص ولو حتى والدها بأن ينام على سريرها باستثناء والدتها.. وتقول رانيا "بعمر الخمس سنوات يسأل الأولاد الكثير من الأسئلة وكنتُ مضطرّة الى سحب الكلام منها من دون أن أخيفها وكان عليّ ان أجيب على أسئلتها وعن سبب منع والدها من النوم الى جانبها وأسئلة أخرى.."

انتظرت رانيا حتى نام ولديها في تلك الليلة وفاتحت زوجها بالموضوع وبطبيعة الحال حاول الإنكار الى ان اتّضح أنه يحبّ التحرّش بالأطفال ولم يوفّر ابنته، فلذة كبده.

في الصباح الباكر حزمت رانيا أغراضها وولديها ولجأت الى شقيقها طالبة مساعدته. بقيت في منزل شقيقها مع ولديها وتقدّمت بدعوى طلاق معزّزة بأسباب التحرش والبخل وقلّة المسؤولية تجاه عائلته فحصلت على الطلاق وحضانة الأولاد بطبيعة الحال، فيما كان يُسمح للوالد بلقاء ولديه بحضور رانيا أو شخص تسمّيه هي فقط.

وبعد سنوات عدّة، اكتشفت رانيا أن زوجها لديه ماض في التحرش الجنسي بالأطفال منذ ان كان هو مراهقا، ولم يوفّر ولدا أو بنتاً من الأقارب والأصدقاء.

وعلى حدّ قولها، كانت رانيا متزوّجة من حيوان متوحّش على شكل إنسان "العدرا حميتلي ولادي قبل ما يفوت الأوان!"

جنسٌ أو سرقة؟

تحزم بلانكا وهي عاملة منزلية من الجنسية الإثيوبية، حقائبها في طريق العودة الى وطنها الأمّ الذي تغرّبت عنه لسنوات بداعي العمل في لبنان.

بلانكا كانت تخطّط لتجديد عقد العمل والإقامة قبل نحو سنة لجمع المزيد من المال بغية تسديد الأقساط الدارسية لأولادها الثلاثة في اثيوبيا لكن مخطّطها تبدّل وقرّرت المغادرة والعودة للعيش مع عائلتها.

والسبب هو تعرّضها قبل بضعة أشهر للاعتداء الجنسي من قبل أحد أفراد العائلة المشغّلة لها. إنه ابن المدام، تقول بلانكا، ولدٌ مدلّل يرتاد الجامعة في النهار ويسكر في الليل.. في ليلة ظلماء خرج والداه وكذلك شقيقته للسهر مع الأصدقاء فيما قرّر الابن عدم مرافقتهم بحجة أنه يشعر بالتعب، لتُفاجأ بلانكا وهي تقوم بتنظيف الأواني المتّسخة في المطبخ بأنه يغازلها شفويا، فابتسمت له معتبرةً أنه يمازحها كعادته، لكنها لم تكن تتوقّع أن يقلب المزح جداً، إذ بدأ يداعبها ويلامسها وهي تحاول الابتعاد عنه والتهرّب ما جعله يغادر المطبخ فظنّت أن الموضوع انتهى وسارعت الى غرفتها لتجده ممدّدا على فراشها عارياً من أية ملابس..

هنا شعرت بلانكا بخوف شديد وبدأت تصرخ محاولةً الخروج من الغرفة لينقضّ عليها وهو يقول لها، بحسب بلانكا "صرلي زمان ناطر هاللحظة.. وين هربانة.. ما تخافي رح ننبسط شوي ما رح تكوني زعلانة صدقيني.." تضيف بلانكا ان الشاب حاول إقناعها بإقامة تلك العلاقة من دون ان يلجأ الى العنف لكنها بقيت على موقفها الرافض وهي تقول له إنها متزوجة ولا يمكنها القيام بهكذا أمر وبأنه إذا علم أهله سيرمون بها في الشارع (...) بقي لجوجاً الى حين هدّدها بأنه سيخبر والديه بأنها تقوم بسرقة العائلة إذا لم تتجاوب معه ما أثار خوفها وخضعت لرغبته وبات الموضوع يتكرّر كلّما سنحت الفرصة بمعدّل مرة بالأسبوع.

وتقول "المشكلة انني كنت بحاجة الى المال وهو كان يعطيني مبالغ إضافية كي أتماشى معه.. كنت في كل مرّة نقوم بتلك العلاقة أبكي قهراً وأفكّر ماذا سيقول أولادي إذا علموا بما أقترف من ذنب! هذا أكثر ما كان يؤلمني بالموضوع في حين أنني بحاجة الى ذلك المال ليكملوا دراستهم لذلك بقيت على هذه الحال الى أن انتهى عقد عملي ولم أتردّد لحظة بالمغادرة".

عندما رفضت بلانكا تجديد العقد استغربت العائلة موقفها لأنها كانت تنوي التمديد وهي على علاقة جيدة جدا مع أفرادها والجميع حاول إقناعها بالبقاء لكنها أصرّت أنها تريد العودة الى بلدها والمكوث مع عائلتها.. ولم تخبرهم أي شيء إضافي".

التربية تحصّن والقانون يحمي

حوادث التحرش موجودة في المجتمعات منذ قديم الزمان، لكنها كثرت في السنوات الأخيرة في لبنان في ظل غياب قانون عادل يعاقب المجرم وينصف الضحية كما ان التكتم عن هكذا حوادث وتصحيح الخطأ بخطئ أكبر من خلال تزويج المعتدي بضحيته زاد الطينة بلّة.

وتشرح الدكتورة في علم الاجتماع التربوي مي مارون لموقع "الكلمة أون لاين" ان الإعلام لعب دورا بارزا في تسليط الضوء على حوادث التحرش الجنسي وأخرجه الى العلن، كما ان تبدّل أساليب ومفهوم التربية وتطوّرها ساهم في تشجيع المتحرَّش بهم على البوح بما تعرّضوا له خصوصا الفتيات اللواتي كنّ يخفن من ردّة فعل أهلهنّ وعدم تصديقهنّ أو إرغامهنّ على الزواج من المعتدي، بل بتن اليوم متحررات من أي قيود أو أحكام عمياء ستطلق بحقّهنّ.

وتضيف مارون ان التربية التقليدية تساهم في زيادة التحرش الجنسي على اعتبار انه يحق للرجل ما لا يحق للمرأة ولا تقبل رجولته ان ترفضه امرأة فيقوم بالتحرش والاعتداء عليها، بدليل ان حوادث التحرش تسجّل أعلى مستوياتها في دول العالم العربي من دون إنكار وجود حوادث مماثلة في كل دول العالم.

وفي معرض الحديث عن الأسباب تعتبر مارون ان منع العلاقات الجنسية قبل الزواج ووضع قيود على العلاقات أمور تزيد من الكبت في المجتمعات وبالتالي تزداد حوادث التحرش والاعتداءات الجنسية.

أما عن الفئات الأكثر عرضة للتحرش، فتؤكد مارون ان الشابات اللواتي يتبعن الموضة في أزيائهنّ من أكثر فئات المجتمع تعرضا للتحرش، كذلك الأولاد الذين يتربّون في مدارس داخلية ودور الأيتام حيث يتعرضون للتحرش من قبل رجال الدين والمسؤولين باسم السلطة. إضافة الى سفاح القربة وقيام الأجداد بالتحرّش بأحفادهم وحفيداتهم كما تحرش الأخ بأخته أوالأب بابنته (.. الخ)

وإذ تشير مارون الى ان حوادث التحرش قد تحصل في أماكن العمل، على متن وسائل النقل العام، في المستشفيات، أو في المدارس والجامعات أو حتى داخل البيوت، تلفت الى ان التحرش هو أحد أنواع العنف ويمكن ان يكون لفظياً وهو مؤذ ايضا كما انه قد يصل الى حدّ الاعتداء والقتل.

وفي التداعيات النفسية، تلفت مارون الى ان المتحرَّش به يفقد ثقته بنفسه وبالمحيطين به ويعاني مشاكل واضطرابات في علاقاته العاطفية والجنسية لأنه من الصعب عليه ان يقوم بعلاقات سويّة بعد تعرضه لاعتداءات جنسية عنيفة.

للحدّ من حوادث التحرش في لبنان، تشدد مارون على انه لا بدّ من إقرار قانون عادل يجرّم المتحرش ويعاقبه وهو ما تعمل عليه المنظمات والجمعيات التي ترفع راية ضحايا جرائم التحرش والاعتداءات الجنسية العنيفة. على ان يترافق ذلك مع تنظيم ندوات توعوية في المدارس للأهل والطلاب على حدّ سواء لأن التربية تبدأ من المنزل وتستكمل في المدرسة وذلك بهدف تحصين أولادنا ضد أي حوادث تحرش قد يتعرضون لها في أي مكان أو زمان.

في الخلاصة، تتزايد الجرائم في لبنان على اختلاف أنواعها والتحرش الجنسي جريمة تتغلغل في مجتمعنا المليء بآفات اجتماعية لا تعدّ ولا تحصى لكن دائما على السكت خوفا من نظرة الغير والحكم المسبق من ثرثاري هذا المجتمع المتناقض، وإذا كان البعض، وهم قلّة، يتحدّث عن تجربته فإن الشرط الأساسي هو عدم الكشف عن الهويّة.. فمتى ندرك أن الكشف عن تجاربنا يجنّب وقوع ضحايا جدد فريسة الجهل وقلّة المعرفة؟!