خاص- إستقالـة الحكومـة محـددة بموجـب المـادة 69 من الدستـور- بقلم المحامي الدكتور نقولا فتوش
شارك هذا الخبر
Friday, October 7, 2022
خاص موقعنا
إن التسويـة التـي حصلـت في لبنـان ترتكـز على شبـه إجمـاع وطنـي وعلى دعـم عربـي ودولـي، الأمـر الـذي أدّى الى نهايـة الحـرب الأهليـة، وكـان من المتوقّـع أن تنعـم الحيـاة السياسيـة اللبنانيـة بالإستقـرار، إلا أنّ الواقـع السياسـي قـد جعـل من تلـك المعادلـة تسلـك في الإتجـاه المعاكـس، حيـث لـم يطبّـق الدستـور وفـق مـا تحـدّد في النصـوص أو مـا جـاء في الميثـاق، بـل إنّ تطبيقـاً مشوهـاً جعـل من النظـام السياسـي ينحـرف عن المسـار الـذي كـان مرسومـاً لـه، ذلـك أن اللاعبيـن السياسييـن الذيـن كانـوا يسيطـرون على العمليـة السياسيـة لـم يطبّقـوا الدستـور وفـق مـا تحـدّد في النـص، الأمـر الـذي يذكّرنـا بمـا قالـه العلامـة الدستـوري دوغـي Duguit: "ليـس للقانـون الدستـوري أي ضابـط سـوى حسـن نيّـة وصـدق الرجـال الذيـن يطبّقونـه".
La loi constitutionnelle ne peut avoir d’autre sanction que la bonne foi et la loyauté des hommes qui l’appliquent. L. Duguit : traité de droit constitutionnel, T. IV, P. 632
ويقـول في مكـان آخـر العلامـة الفرنسـي Léon Duguit ، أن "قيمـة المؤسسـات من قيمـة من يتولـى شؤونهـا Les institutions valent ce que valent les homes"، كـان يفتـرض بـأن النـص على درجـة متقدمـة من الكمـال، والمسؤوليـة تقـع على الممارسـة.
ذات يـوم وفي ظـل الإنقسامـات السياسيـة التـي شهدتهـا فرنسـا أطلـق الرئيـس الفرنسـي الراحـل فرنسـوا ميتـران عبارتـه الشهيـرة:
Dans les moments de crises, il ne suffit pas de parler la même langue mais surtout le même langage.
في سنـة 1986 أثنـاء الإنتخابـات النيابيـة الفرنسيـة، كـان الشعـب يسـأل مـاذا سيكـون موقـف الرئيـس ميتـران إذا فـازت الأغلبيـة من الأحـزاب اليمينيـة في الإنتخابـات النيابيـة؟ هـل سيستقيـل الرئيـس؟
فكـان جـواب الرئيـس ميتـران في 8 نيسـان 1986 عندمـا وجـه رسالـة الى البرلمـان.
La constitution, rien que la constitution, toute la constitution: - Le message du François Mitterrand au parlement, mardi 8 avril 1986 - Gerard Conoc, François Luchaire, le droit constitutionnel de la cohabition, Economica, 1999 - لقـد آن الأوان كـي يتفـق الجميـع في لبنـان على أن مصلحـة لبنـان يجـب أن تعلـو فـوق أيـة مصلحـة أخـرى وأن يسعـوا بـروح مسؤولـة ومن خـلال الحـوار الهـادئ والمتـوازن الى تأميـن الوفـاق الوطنـي الصحيـح لأن الوفـاق الحقيقـي لا يكـون ولا يجـب أن يكـون في التوافـق على أخطـاء وعلى خطايـا بأسـم الوفـاق.
يـروّج البعـض أن رئيـس الجمهوريـة سيعمـد الى إصـدار مرسـوم بقبـول استقالـة الحكومـة،
هـل هـذا الطـرح ينسجـم مع أحكـام الدستـور والمـواد 17 و 69 من الدستـور، أم إنهـا هرطقـة قانونيـة وإشعـال حرائـق الوطـن بغنـى عنهـا.
من المسلـم بـه إن صلاحيـات رئيـس الجمهوريـة، بموجـب التعديـلات الدستوريـة للعـام 1990 ولا سيمـا المـادة 17 من الدستـور، كـان بنتيجتهـا أن السلطـة التنفيذيـة أناطـت السلطـة الإجرائيـة برئيـس مجلـس الـوزراء ولمجلـس الـوزراء نفسـه، مع الإشـارة الى أن دستـور 1926 لـم يتضمـن تنظيمـاً لمجلـس الـوزراء ولا لأعمالـه، ولـم يذكـر رئيـس هـذا المجلـس وإن بشكـل عابـر، في حيـن اعتبـرت وثيقـة الطائـف أن رئيـس مجلـس الـوزراء هـو رئيـس الحكومـة، يمثلهـا ويتكلّـم بإسمهـا، ويعتبـر مسـؤولاً عن تنفيـذ السياسـة العامـة التـي يضعهـا مجلـس الـوزراء.
فقـد جعلـت هـذه الوثيقـة من مجلـس الـوزراء مؤسسـة بحـدّ ذاتهـا، وخصّـت موقـع رئيسـه وحـددت لـه صلاحيـات تناسـب والتبعـات الملقـاة على عاتقـه بموجـب المـادة 64 من الدستـور.