مضى اليوم الأول لعودة مصارف لبنان إلى العمل جزئياً عقب توقف تام لأسبوع كامل من دون تسجيل اضطرابات ذات شأن، رغم تعذُّر تأمين الحماية الكافية من قبل الأجهزة الأمنية الرسمية بسبب الصعوبات العددية واللوجستية التي تحول دون نشر وحدات عسكرية على مداخل شبكةٍ تضم أكثر من 800 فرع مصرفي ومنتشرة في جميع المناطق، وربطاً بقناعة مشتركة بين وزارة الداخلية وجمعية المصارف بعدم نجاعة الحلول الأمنية البحت وإمكان تسبُّبها بإثارة مشاعر مضادة لدى زبائن البنوك.
وفي موازاة إبلاغِ «الداخلية» جمعية المصارف بإنشاء غرفة عمليات وأنه ستكون هناك دورياتٌ في بعض المناطق تستجيب في حال وقوع أي حادث تُستعاد معه عمليات اقتحام المصارف التي سُجلت قبل 11 يوماً، فإن توصية مجلس إدارة الجمعية بترك القرار لكل مصرف بتحديد كيفية إدارة مقتضيات استئناف العمل، تُرجم تنوعاً في الاجراءات التنظيمية الخاصة في إدارة العمليات اليومية للشركات والأفراد، وبتقنين دخول الزبائن مع حصْره بالضرورات، لقاء تمكينهم من الحصول على السيولة النقدية أو إيداعها عبر إجهزة الصرف الآلية.
وفيما لوحظ أن البنوك ذات الانتشار الأوسع عمدت الى فتح الفروع الكبيرة في المدن على أن تتدرج في فتح الفروع الأخرى تباعاً، وسط تسجيل صفوف أمام الصرافات الآلية وإشكالٍ أمام فرعٍ لأحد المصارف في صيدا حاول مواطنون اقتحامه، أكد مسؤول مصرفي لـ «الراي» ان «هدف عودة العمل إلى طبيعته في البنوك ليس سهلاً في ظل الأوضاع الملتسبة التي تزخر بها الأوضاع النقدية وشح السيولة بالعملات الصعبة والتدني الحاد في مستويات الاحتياطات الالزامية لدى البنك المركزي دون مستوى 9.5 مليار دولار، مقابل نحو 99 مليار دولار لاجمالي المدخرات. فضلا عن حملات التهويل بحق المودعين الذين يستشعرون المخاطر الفعلية لضياع جنى أعمارهم، فيما يتكفل التضخم المفرط باستهلاك مداخيلهم الهشة».
ويزيد من منسوب المخاوف أساساً والتوتر في صفوف المودعين، ما تَسَرَّبَ من نصوص تخصهم في خطة التعافي التي أرسلتها الحكومة الى النواب، لاسيما لجهة تحديد خط حماية بمبلغ 100 الف دولار لكل مودع، من دون توضيح شاف للضمانات وكيفية السداد ومهله الزمنية.
كذلك اقتراح تحويل جزء من الودائع الدولارية إلى الليرة اللبنانيّة على سعر صرف أدنى من مستوى صيرفة، على أن يتمّ ضبط هذه العمليّة لتفادي إيجاد سيولة زائدة بالليرة اللبنانيّة. فضلا عن الالتباسات في الدعوة إلى تأسيس صندوق لإستعادة الودائع والذي سيصدر حقوقاً ماليّة للمودعين ترتبط بأصولٍ مشكوك في جدواها أساساً «كشهادات الإيداع في مصرف لبنان وأيّ أموال غير مشروعة تتم استعادتها إلى هذا الصندوق».
وفيما تعمل الأوساط الداخلية عموماً على تحسن نسبي في الإدارة المالية بعد إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي بعدما استهلك 9 أشهر من السنة المالية، وعودة الانتظام الى العمل الحكومي في ضوء التوقعات بتعويم الحكومة القائمة مع تعديلات طفيفة، رصدت المصادر المصرفية تصاعداً لافتاً في المعطيات السلبية المتّصلة بإدارة ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ما يرفع منسوب الهواجس في شأن استمرار المماطلة بإقرار حزمة القوانين – الشروط التي تطلبها ادارة الصندوق، وبما يشمل المشروع المنشود لوضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات.
ولم يكن عابراً في هذا السياق، افصاح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس عن قناعته بأنّ «المماطلة والتسويف في قضية حماية الودائع تسبّبا في تأخير تنفيذ خطة التعافي ليومنا هذا، وفي تغذية العنف ضدّ المصارف، وفي إرجاء قوانين مثل الكابيتال كونترول»، مبيّناً«أن عدد حسابات الودائع التي تفوق مئة ألف دولار مرتفع جداً ويناهز 175 الف حساب ادخاري.
أيّ ما يمثل شريحة كبيرة من الاقتصاد الوطني والمجتمع اللبناني. وفي التدقيق يتبيّن أن هذه الحسابات تعود للجامعات والمؤسسات الخيرية والنقابات المهنية وصناديق التعاضد وشركات التأمين، إضافةً إلى مؤسسات القطاع الخاص على تنوّعها والتي تستعملها في الظروف الطبيعية لتغطية نفقاتها التشغيلية وحاجاتها الإستثمارية وإلتزاماتها في الداخل والخارج».
وفي انتقاد صريح لمواقف ادارة المؤسسة الدولية، قال:«غريب أمر صندوق النقد الذي يرفع المسؤولية عن الدولة ويرميها بالكامل على كاهل فئة من المودعين، مع التذكير أنّ ما تمّ ارتكابه من خطايا بعد 17 اكتوبر 2019، وبينها التخلّف عن تسديد اليوروبوند، ودعم سلع وجهتها الأساسية هي التهريب، لا يقلّ خطورة عمّا ارتُكب من أخطاء قبل هذا التاريخ، وليس للمودعين أيّ علاقة بالموضوع في كلتا الحالتين».
والأنكى من ذلك، أنّ صندوق النقد لم يكتفِ بالمطالبة بالتدابير الآيلة إلى شطب الودائع بشطحة قلم، بل إنّه بدأ أيضاً بالتسويق لسلّة متكاملة من الضرائب والرسوم، تبدأ بالدولار الجمركي على سعر «صيرفة» وما بعد «صيرفة»، ولا تنتهي بالضريبة على الدخل وعلى القيمة المضافة، وسواهما من الضرائب.