الياس الزغبي- عبثية الحوار مع "ممثّليّ الآلهة"

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, August 10, 2022

ماذا تعني التهديدات المعجّلة المكررة التي يُطلقها السيّد حسن نصراللّه في موضوع ترسيم الحدود البحرية، وهل أنها باتت الأسلوب الوحيد في التعامل مع هذا الملف الوطني المصيري، يختزل الدولة والمفاوضين باسمها، وتصطف وراءه قوى سياسية بحجة الصراع مع إسرائيل؟
في الحقيقة، إن استغلال نصراللّه هذا الملف ومصادرته من رئاسة الجمهورية والحكومة والتفرد بمقاربته عسكرياً بعد إجهاضه دبلوماسياً، تشكّل مسألة خلافية داخلية تتعقّد معالجتها كلما اقتربنا من الاستحقاق الرئاسي، وكلّما تشتت الملف الإيراني في صراعات الأمم.
وقد أعادت قيادة "حزب اللّه"، في الأسابيع الأخيرة، الوضع اللبناني برمّته إلى "خيار هانوي"، وأسقطت نهائياً "خيار هونغ كونغ"، وفتحت مصير لبنان على المجهول.
وليس ثابتاً أن لغة الحرب والتهديد كفيلة بحفظ ثروات لبنان، فعلى الأرجح ستنجح في الحفاظ عليها في قاع البحر، على غرار الحفاظ على مزارع شبعا في قاع البرّ... والغيب!
وليست حجة وجود إسرائيل على حدودنا لرفض حياد لبنان مقنعة لمعظم اللبنانيين، كما أن وصف المطالبة بالحياد عن الصراعات ب"الهرطقة السياسية" يعني شيئاً واحداً هو الانزلاق إلى محور الحرب الذي تقوده إيران،
لأن لا خيار ثالثاً بين الحرب والحياد، ولا مكان للوقوف في نقطة وسط بين العرب والمشروع الإيراني، وليس هناك قوة سياسية لبنانية تملك القدرة على تغيير الخطوط الإيرانية الكبرى المرسومة مسبقاً فوق الخريطة اللبنانية الصغرى، لكن التقاوي بين القوى الوطنية السيادية يستطيع استقطاب العناية الدولية لتحرير لبنان من هذه الخطوط، ولهذه القوى سابقة ناجحة في عقد إرادتها على إرادة المجتمع الدولي للتحرر من نير الوصاية السورية المريرة قبل ١٧ عاماً.
والواضح أن المشروع الإيراني غير قابل للنقاش والتعديل، فعلى مدى التجارب منذ العام ٢٠٠٥ إلى اليوم، لم تُنتج التسويات أي حل أو أي احتواء لوظيفة سلاح "حزب اللّه" داخل لبنان وخارجه، سواء تحت تسمية "التفاهم" أو "ربط النزاع" أو شعار "النأي بالنفس"، أو كل التسويات الحكومية والرئاسية على أرضية "الغزوات" و"القمصان السود".
فقد استخدم "الحزب" كل هذه المحاولات لقضم المزيد من النفوذ وتحقيق مزيد من التغلغل في سياسات الدولة وقراراتها.
وكل حوار أو "تسوية" جديدة سيؤديان إلى المزيد من الشيء نفسه، فيذهب طالبو الود الجديد مع الذراع الإيرانية إلى الانغماس في هانوي اللبنانية من حيث لا يريدون.
في المبدأ، إن الحوار هو الأساس في حل الأزمات، لكنّه يتحول إلى انهيار أمام كتلة عسكرية صمّاء لا مجال لزحزحتها، خصوصاً إذا كانت مؤمنة بأنها "مكلّفة من اللّه" لتنفيذ مشروعها.
الحوار بين البشر هو السبيل إلى إرساء تفاهمات وحلول، أمّا الحوار بين البشر وممثلّي الآلهة فعبثّ سياسي ووجودي، وقبض على الريح!