أيلول الترسيم: ماذا عن النظام الجديد؟- جوزفين ديب

  • شارك هذا الخبر
Monday, August 8, 2022

كتبت جوزفين ديب في "أساس ميديا":
يعود لبنان بعد أيلول إلى خريطة المنطقة بعدما كان منسيّاً لسنوات طويلة، خصوصاً أنّ دوره الجيوبوليتيكي في حوض شرق المتوسط، وغناه بالنفط والغاز، يسمحان له بنسج علاقات من موقع أكثر صلابة. مع ذلك لن يكون الخروج من الأزمة بسحر ساحر، لكنّه لن يكون بالصعوبة التي تفرضها معطيات اليوم كما تتحدّث الأوساط المطّلعة على كواليس العواصم المؤثّرة في لبنان وعلى كواليس الداخل أيضاً.

كلّ شيء يقود إلى التأكيد أنّ نهاية مسار المفاوضات بين لبنان وإسرائيل سينتهي في أيلول بالاتّفاق على ترسيم الحدود البحرية. غير أنّ ذلك يبقى كالحلم الجميل الذي لا يجرؤ أحد، على الأقلّ علناً، على أن يؤكّد أنّه واقع حتماً. لِما يمكن أن تخفيه اللحظات الأخيرة من مفاجآت، ولا سيّما بعد تصاعد الوضع في قطاع غزّة إثر الغارات التي شنّتها إسرائيل على "حركة الجهاد الإسلامي".

رشح عن عين التينة كلام عن أنّ لبنان سيوقّع في أيلول. كذلك تقول الأوساط المقرّبة من قصر بعبدا. لكنّ الخوف من تصعيد على الجبهة الجنوبية ما يزال قائماً. غير ذلك فإنّ كلّ شيء يوحي بأنّ حدود لبنان البحرية ارتسمت على الخط 23 مع محافظة لبنان على حقل قانا كاملاً من دون أيّ مقابل لإسرائيل. يقود هذا الأمر إلى البحث أكثر في واقع لبنان ما بعد الترسيم ومستقبل البلد الغارق في أزمته.
يظنّ البعض أنّ الكلام عن ازدهار اقتصادي ستشهده البلاد بعد الترسيم كلامٌ غير واقعيّ. غير أنّ المعلومات، التي تدور في الكواليس الدبلوماسية والسياسية على حدٍّ سواء، تشير إلى أنّ لبنان مقبل على مرحلة جديدة يمكن أن توصف بأنّ ما قبل الترسيم ليس كما بعده. ليس الأمر مرتبطاً تقنيّاً بالترسيم بل بما سيحمله من اتفاق سياسي على مستويات عدّة، لعلّ أبرزها العلاقة مع حزب الله. لأنّ الترسيم سيفتح مساراً جديداً في علاقة لبنان مع إسرائيل، لن يكون سلاماً ولا تطبيعاً بالتأكيد، لكن "ترسيماً" لحدود الاشتباك، وهذا ما سينعكس على الداخل اللبناني في السياسة، ولا سيّما أنّه في العام 2023 تفتتح الولايات المتحدة الأميركية سفارتها العملاقة في لبنان، وتفتتح بها مساراً جديداً للمنطقة أيضاً.

ليست إيران المشغولة بأزمة العراق بعيدةً عن هذا الجوّ. فقد قفزت فوق بعض مطالبها الأساسية في المفاوضات النووية مفضِّلة التوقيع على التمسّك بكلّ ما لديها، وما تطالب به هو رفع العقوبات عن مؤسّسات أو كيانات مرتبطة بالحرس الثوري وليس بالحرس الثوري نفسه. يقول المطّلعون على المشهد السياسي إنّ هذا ليس تفصيلاً بالنسبة إلى حزب الله. لا يعتقدنّ أحد لوهلة أنّ الحزب سيخسر سلاحه وقوّته، لكنّه على الأقلّ سيعدّل تموضعه بعد تغيّر موازين القوى باتّجاه توازنات جديدة.


البحبوحة الآتية؟

مرحلة جديدة ستشهد استثمارات وأعمالاً كانت متوقّفة في البلاد سترعاها الولايات المتحدة الأميركية مباشرة أو بالواسطة عبر الفرنسيين. سيشرف الفرنسيون على تنفيذ الإصلاحات المرتبطة بصندوق النقد. سيكون لبنان مجبراً على تنفيذها بكلّ بنودها.

وقد أكّدت مصادر مصرفية لـ"أساس" أنّ جمعية المصارف ستكون مضطرّة أيضاً إلى الرضوخ أمام بعض الإصلاحات التي تطول رؤوس أموال المصارف. لا بديل عن ذلك. تقول المصادر إنّ كلّ شروط صندوق النقد ستُطبّق. الترجيحات تشير إلى خطة بديلة موجودة لإعادة أموال المودعين على دفعات، واستقرار الجوّ السياسي سيعزّز تنفيذ الإصلاحات لأنّ عدم تنفيذها يعني قطع الإمداد بالكامل عن البلاد وتركها تغرق في جحيمها.

في الداخل سيُنتخب رئيس جديد للجمهورية يفتتح التوازنات الجديدة. لذلك لن يكون الرئيس المقبل محسوباً على قوى معيّنة. سيكون الرئيس الذي يفتتح عهد الترسيم وما بعده ليعود لبنان إلى خريطة الدول العربية والخليجية. وفي هذا العهد سيكون تكريس لنفوذ قوى سياسية واقتصادية وماليّة بتوازنات جديدة.

في عهد المارونية السياسية وما بعدها، احتفظ الموارنة بامتيازات ماليّة. تبدو البلاد اليوم مقبلة على توزيع الامتيازات وعدم حصرها في طائفة واحدة. أمّا على مستوى النظام السياسي، وعلى الرغم من تأكيد القوى المحليّة والإقليميّة على أهمّية الالتزام باتفاق الطائف لا أحد ينفي ضرورة الذهاب إلى صيغ تحاكي المرحلة المقبلة. وقد تكون الصيغة عبارة عن تطبيق للطائف، خصوصاً في بنود مثل اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس شيوخ، وصولاً إلى إقرار قانون انتخابي مغاير للقوانين السابقة، من دون أن يخرج عن مبدأ "النسبيّة".