لبنان: "وطنٌ مفتوحٌ على كل الشرور ومقفلٌ على روحِ الأمل؟!"- أنطوان القاصوف

  • شارك هذا الخبر
Friday, August 5, 2022

كتب المحامي أنطوان القاصوف:

تقول الأسطورة: "أراد (زَيّوس)، زعيم الآلهة، أن ينتقمَ من (بْروميثيوس) وهو من الجبابرة الذين يحبّون البشرَ والمتهم بنقل قوة خَلْقِ النار إليهم من الآلهة التي لم تسمحْ للإنسانِ بامتلاكها...!؟ لذلك قرّر زيّوس خلق امرأة جميلة، فاستخدم الماءَ وتربةَ الأرضِ ونفخ فيها روحَ الحياة، كما استعانَ ببعض الآلهة:
- أثينا قامت بإِلباسِها
- أفْروديت أعْطتها الجمال
- هرمز منحها النطقَ والحديث
- هيرا خصّتها بصفةِ الفضول
هكذا وُلدت (باندورا= وهو إسمٌ يعني الهديّة- الموهوبة، ثمّ حمّلها زيّوس جرّةً: بيثوس في اللغة اليونانية، تحوّلت إلى صندوق في الترجمات اللاحقة) وأرسلها إلى الأرض... وعند وصولها رغب بها بروميثيوس، ومع ذلك رفضها لأنه كان يعلم بأنّها لا بدّ أن تكونَ حيلة الآلهة...؟!
غضِبَ زيّوس وعاقب بروميثيوس وقيّده بالسلاسل على صخرة، حيث كان يأتي "طائر العقاب" يوميّاً ليتغذّى من كَبِدِه...!
ولكن (أبيوثيوس) شقيق بروميثيوس قَبِلَ بباندورا لتكون زوجته وهو كان رجلاً وحيداً ولطيفاً... وبعد زواجها، أُعطيت باندورا تعليمات بأن لا تقوم بِفتحِ (الجرّة- الصندوق) مطلقاً وتحت أيّ ظرف...!
وبدافِع الفضول، انتهزت باندورا فرصة نوم زوجها وفتحت الصندوق فانطلق منه كلُّ الشرّ الذي يَحويه وانتشر ليعمّ أنحاء الأرض ويُسمِّمَ حياة الإنسان: الموت، المرض، الشيخوخة، المجاعة، الكراهية، الحسد، الجشع، الجنون، الحروب، القتل، الدمار، البؤس، اليأس... وباقي عائلة الشر وكلّ شيء لم يَعرفْه البشرُ من قبل...!
ولمّا سارعت باندورا إلى إغلاق الصندوق، كانت جميعُ محتوياتِه قد تحرّرت منه، إلاّ شيء وحيد بَقي في قعره وهو "روح الأمل؟!”
والسؤال: لماذا لم يخرجْ "روح الأمل" مع ما خرجَ من الشرور؟
الجواب: لأنه لو خرَجَ لانتهت الحياة... وفي اللحظة التي يتوقفُ فيها البحثُ عن الأمل سيكون الفَنَاء...؟!
عِلْماً أنّ الفيلسوف "نيتشه" في تحليله لهذه الأسطورة قال: " إنّ الأمل هو الأسوأ بين كلّ الشرور لأنّه يُطيلُ عذابَ الإنسان..."
وقياساًّ باتت العبارة "صندوق باندورا" بحدّ ذاتها، إستعارة، ترمز إلى الشرور المخبّأة والأمل المفقود... وكلّ مرّة يُفْتَحُ الصندوق، تخرج المآسي ويبقى الأمل مَفْقُوداً...!
"بتاريخ 3/10/2021، نشر الإتحاد الدولي للصحافة الإستقصائية (بحسب جريدة النهار) أكبر وأشمل تحقيق حول الأسرار المالية في العالم، أُطلق عليه تسمية: وثائق باندورا، وهو ثمرة عمل أكثر من 600 صحافي في 117 دولة... ويُوَرِّطُ التحقيق العديدَ من زعماء الدول والحكومات ورجال أعمال وإعلام ومصرفيين وسياسيين، حيث يتّهمهم بإخفاء ملايين الدولارات عبر شركات خارجية، لا سيّما، لأغراض التَهّرُّب الضريبي وغَسْلِ الأموال والتحايل على القانون...!"
هذه الوثائق تُظهر كمْ تَتَّسعُ الهُوّةُ بين جمهرةٍ من أصحاب الثروات غير الشرفاء ومواطنيهم البوؤساء...!
ومن نَكدِ الدنيا، أنّ هذه الوثائق، تُشير إلى أنّ لبنان قد سبق كلّ دول العالم من حيث لجوء حفنة من أصحاب المال وأصحاب الثروات والنفوذ في السلطةِ وخارجها إلى شركة Trident Trust لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية... من هنا يبقى التساؤل ويُطرح السؤال: لماذا، إزاء هذه الوقائع وحيال هذه المستندات وامام هذه الحقائق، لم يَقُمِ القضاء- عفواً- بفتح صندوق باندورا- فرع لبنان ليكشف الشرور المخبّأة ويُعيدَ لنا الأمل المفقود؟؟!!
"لبنان الجحيم" في جواب السيد رئيس الجمهورية
"لبنان العصفوريّة" في غناء السيد رئيس الحكومة
فهل يعلم السيّدان بأنّه إذا بدأ التاريخُ بمهزلةٍ، سينتهي حتماً بمأساة؟ تُرى ألسنا في عزّ الماساة؟ وما الفرق بين الجحيم والعصفورية؟!
لبنان، البلد المنهار، مالياً، إقتصادياً، ثقافياً، صحّياً، معيشياً، أخلاقياً، سياسياً، وطنياً...!؟
لبنان المسلوب االسيادة، المنهوب الكرامة، العاجز عن إنقاذ نفسه والمراهن على الآخرين لإنقاذه...
لبنان، المتدهور بسرعة وبدون كوابح إلى اعمق هاوية في الجحيم، بفعل سوء إدارة مُتَسَلِّطيه وسوء سياستهم وحُسْنِ احترافِهم فنَّ الفساد والهدر والسطو على المال العام كما الخاص...
لبنان، عاصمته المتفجّرة، المدمّرة، المنكوبة، وقد صار إسمها "بيروتشيما" وبات كشف الحقيقة سرّاً دفيناً!!
لبنان، شعبُه، يترنّح بين الجوع والمجاعة، وقد تحوّل تصنيفُه من العالم الثالث إلى العالم الثالث والثلاثين بعد المئة، فقراً ومرضاّ وحاجة وأسلوبَ حياة...؟!
فهل يُعقَلْ، ونحن على ما نحن عليه، أن يكون أبطالُ "الأُوليغَرْشِيَّة" على ما هم عليه؟ هؤلاء الأبطال المَيامين:
- في السياسة : دجّالون!
- في الفساد : محترفون!
- في الإدارة : فاشلون!
- في الكذب : "غوبلزيون"!
- في الوطنية : منافقون!
ولأنهم خونة، يريدون تدمير كلّ ما لا يُشبهُهُم بغية تحويل لبنان إلى ما يُشبههم... يريدونه "غابة" وحده الأقوى فيها يبقى... وحيث يكون الإجرام يكونون وأنّى وأين يُفْتَحُ "صندوق باندورا" بكلّ وقاحة يُطِلّون...؟! يعملون بكلّ أمانة بوصيّة محمد علي باشا والي مصر إلى الأمير بشير الشهابي: "يا أمير، خلِّ الكلّ يشكون منك دائماً ولا تكن المشتكي على أحد...؟!
يُروى عن سفير دولة أوروبية، أنه قال بمناسبة مؤتمر باريس 4 سيدر: "إنّ أعضاء وفود الدول الدائنة، حضروا إلى العاصمة الفرنسية، ببطاقات سفر من الدرجة الإقتصادية بينما حضر معظمُ ممثلي البلد المدين- لبنان- بالطائرات الخاصة؟؟!! إنّكم بلد العجائب؟!"
إلى متعهّدي "صندوق باندورا"- فرع لبنان- نقول: صندوقكم مفتوح دائماً على كل الشرور ومقفلٌ على الدوام على "روح الأمل"... فاذكروا وتذكّروا أنّ الألم يأتي دوماً من خيبة الأمل... إنّ ما يُؤلمُ الشجرة ليس حديدُ الفأس... ما يؤلمُها حقاً، هو أنّ عصا الفأسِ من خشبها... كذلك الوطن، لا تُؤلمُه مؤامرة ُ الخارج، وإنّما خيانةُ الخوارج من أبنائه... ومَنْ يُعاتِبُكُم يفقدُ شيئاً من كرامته، ولكن مَنْ يُعاقِبُكُم- وحدَهُ- يَحتفِظُ بكلِّ كرامتِه، ويبقى صوتُه هو الأعلى وحتماً تبقى كرامتُه، هي الأغلى...؟!
الأمل هو آخر ما يموت!!