الراعي في عيد سيدة الزروع: الأرض مدرسة نتعلم منها الحفاظ على هويتنا وكياننا ولبنانيتنا

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 21, 2022

احتفل بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بقداس عيد سيدة الزروع بكنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وعاونه المطارنة سمير مظلوم وبيتر كرم والرئيس العام للرهبنة المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم وبحضور المدير العام لوزارة الزراعة المهندس لويس لحود ورؤساء النقابات والتعاونيات والاتحادات الزراعية وحشد من المزارعين.

وشكر الراعي المزارعين خلال العظة وبارك "ثمار تعبهم"، وتمنى على "الدولة مساعدتهم على جميع الأصعدة"، وحيا الذين "يهتمون بالزراعة أكانوا من الأفراد في الجبل، في الوسط، وعلى الساحل، أو الأبرشيات والرهبانيات الذين يشكلون عنصرا أساسيا في الزراعة، وأيضا الشبيبة المتدربة في المركز البطريركي في ريفون".

كما أكد الراعي ان "يسوع المسيح علم أهم الحقائق بالأمثال"، وتوقف في عظته على "الأخلاقية الواردة في انجيل اليوم أي أخلاقية الزراعة، وهي تتمحور حول ثلاث أخلاقيات مرفوضة وواحدة فقط مقبولة. الأولى هي التعاطي مع الزراعة بعدم اكتراث فشبهها بالحب الذي وقع على قارعة الطريق، تأتي العصافير تأخذها وتأكلها. الأخلاقية الثانية المرفوضة هي السطحية بالتعاطي مع الزراعة وشبهها بالحب الذي وقع على الصخر فينبت لكن عندما تطلع الشمس يبس لأن جذوره غير متينة. أما الثالثة فهي الزراعة كيفما كان كالحب الذي زرع في الشوك فخنقه. أخلاقية واحدة مقبولة وهي الأرض الطيبة، معناها ان الأخلاقية الأساسية بالزرع والزراعة هي الاهتمام بالأرض، وإعدادها بكل المفاهيم الأخلاقية كما يطبقها الرب على قبول الزرع الحقيقي أي زرع كلمته فينا، فلا يمكننا الا نكترث بكلمة الله كالحب على قارعة الطريق كأن كلام الله لا أهمية له، علما ان الكلمة صار بشرا، وعلما ان العذراء مريم قبلت كلمة الله بإيمان وحب فصارت جنين في حشاها، ويقول الآباء القديسون ان حضور المسيح في العالم لم يتوقف، فكلما قبل المؤمنون والمؤمنات كلمة الله أعطوا حضورا أكثر للمسيح في العالم".

ولفت الراعي الى أن "الارض هي المعلم الحقيقي للإنسان والمربية الحقيقية، لا يمكننا ان نغش الأرض فإذا غشينا لا نحصل على شيء، أما عندما نكون صادقين معها فتعطينا الكثير. تعلمنا الصدق والإخلاص والجدية والأخلاقية. هذه الأرض هي أساس، نحن نعلم اننا خسرنا الكثير عندما تحولنا عن الزراعة وذهبنا إلى مشاريع أخرى لعدة أسباب، المهم خسرنا الكثير لأن المدرسة الحقيقية التي هي الأرض لا يمكننا الجلوس على مقاعدها. الروحانية والأخلاقية والصدق والإخلاص تعلمنا إياه الأرض والزراعة".

وطالب الدولة اللبنانية بتشجيع المزارعين ومساعدتهم، ف"ان أرادت الدولة مواطنين صالحين مخلصين: المدرسة، الزراعة".

وشدد الراعي على أن "الارض هي هويتنا لا يوجد لدي أرض إذا انا يتيم لا هوية لدي. هويتي هي الأرض، أخلاقي هي الأرض، كياني اللبناني هو الأرض. هذه هي المدرسة التي نتعلم فيها ونحافظ فيها على هويتنا. كانوا يقولون: محظوظ من له مرقد عنزة في لبنان، أما اليوم فلا نسمع غير رغبة بالبيع، وهذا شيء مؤلم لأننا نبيع هويتنا وكياننا ولبنانيتنا"، داعيا الناس الى "المحافظة على الأرض وعدم التضحية بها".

وأشار ان "البطريركية والأبرشيات والرهبان تشكل عنصرا أساسيا في الزراعة، وإذا نظرنا نجدهم مؤتمنين على الأراضي. نشكر الله انه ما زال يمكننا الاستثمار بالأراضي ان لم يكن اليوم فغدا، نشكر الله وإلا أصبح كل شيء كناية عن باطون ولا يمكننا إيجاد شجرة واحدة ليقف عليها عصفور أو لنجلس في ظلها. كما ان المجمع البطريركي الماروني 2003-2006 وضع نصا خاصا بالكنيسة والأرض نجد فيه كل قيمة الأرض، كل أخلاقية الأرض، كل المواطنية التي نأخذها من الأرض، كل الهوية والكيان الذين نأخذهم من الأرض. عندما تمت المصالحة بين الدولة الإيطالية والفاتيكان وأممت الدولة الإيطالية الكثير من ممتلكات الفاتيكان فلم يبق إلا القليل، سألوا البابا عام 1929 كيف قبل المصالحة فأجاب: تكفي قطعة أرض بحجم كف اليد لأقف عليها حتى أشعر انني أملك العالم. هذه هي أهمية الأرض".

وتوجه للمسافرين للخارج والمغتربين قائلا: "هاجرتم وحققتم ذاتكم لكن لا تفرطوا بالأرض فأهم ما تتركوه لأولادكم هو قطعة أرض صغيرة في هذا الوطن، الذي يبيع الأرض يبيع هويته، كيانه، مستقبله ووطنه".

وشكر للمهندس لويس لحود "اهتمامه الكبير وتشجيعه الدائم والمتابعة الدؤوبة حتى تستطيع الدولة تصريف الإنتاج اللبناني في الخارج، وبإذن الله فتح أسواق جديدة لتشجيع الزراعة لأنها عنصر أساسي في الاقتصاد اللبناني إذا ما رجعنا له كعنصر أساسي يكون الاقتصاد مبتورا من عنصره الجوهري".

وفي الختام، رفع الذبيحة بشفاعة العذراء سيدة الزروع لمباركة المزارعين والعاملين في الأرض وحماية أتعابهم.