الدولار فوق الـ 31 ألفاً... هل خَرَجَ من "التنويم الاصطناعي"؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 19, 2022



جاء في نداء الوطن:

فيما كانت غالبية القوى في لبنان تَمْضي في سباق «تَسَلُّق الجدران» الانتخابية تحت عنوان مَن حقّق أعلى الأرقام وحصد أكبر الكتل والأصوات، سَبَق الدولار الجميع متجاوزاً كل السقوف وقافزاً فوق 31 ألف ليرة في السوق الموازية مُنْذِراً باشتداد أزماتٍ بدت بمثابة «هدايا ملغومة» لبرلمان 2022 و«ضيوفه الجدد» وحتى لتوازناته العالقة بين غالبيةٍ انتهتْ عددياً وأخرى لم تولد بعد وقد لا تولد... أبداً.

وإذ كانت بيروت تنتظر اكتمالَ نصابِ إطلالاتِ القادة السياسيين ليقدّم كلّ منهم «جردة» بانتصاراتٍ، بعضها بخلفية «تجميل» الخسائر أو التراجعات وعلى طريقة «الهروب إلى الأمام»، وبعضها الآخَر بهدف تأكيد أن عناوين كبرى مثل سلاح «حزب الله» لا تخضع لموازين الأكثرية والأقلية في البرلمان وعلى قاعدة أن ما يحكمها هو «ميزان القوى»، فإن أزيز الرصاص الاحتفالي الذي روّع مناطق لبنانية عدة وأدى لسقوط جرحى بينهم أطفال إصاباتُ عددٍ منهم خطرة جاء الأكثر تعبيراً عن واقعٍ سوريالي بدت معه «مهرجانات» الاحتفاء بالفوز أو «الصمود» وكأنها «على أنقاضِ» وضع معيشي أوشك تَفَلُّت سعر صرف الدولار ابتداء من الاثنين لمستويات قياسية أن يكون بمثابة «رصاصة الرحمة» على فئات باتت تشكل غالبية الشعب اللبناني القابع تحت خط الفقر.



ولم يكن عابراً أن يكون الانهيار الأعتى لليرة أمام الدولار وُضع في سياقاتٍ بعضها لم يتوانَ عن اعتباره «اقتصاصاً» يرتبط بنتائج الانتخابات التي حرمت ائتلاف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» الغالبية النيابية لمصلحة معارضين له، وإن كانوا مشتَّتين على 3 بلوكات، أحزاب ومستقلون وقوى تغييرية، ويجري رصْد إذا كانت قادرة على أن تشكل إطاراً كفيلاً بتوفير «حاضنة» لتنتقل الأكثرية «الدائمة» إليها، وسط ملاحظة أن ثمة قوتّين (من ضمن البلوكات الثلاثة) يمكنهما أن تشكلا العنصر الذي يرجّح دفة الأكثرية في هذا الاتجاه أو ذاك في الاستحقاقات الدستورية المقبلة، وهما «كتيبة الـ 14» من النواب أبناء انتفاضة 17 أكتوبر وأخواتها، وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (9 نواب).



على أن أوساطاً سياسية اعتبرتْ أن الوثبة الجديدة للدولار مردّها إلى انتهاء «التنويم الاصطناعي»، الذي جرى لأزماتٍ واختناقاتٍ في الطريق إلى انتخاباتٍ انتهتْ، لينجلي غبار «حروبها الضارية» على وقائع معيشية مؤلمة لم يتبدّل منها حرف مع عودة أزمة الرغيف والمحروقات بسبب خلافات على جدول تركيب الأسعار وتأخر مصرف لبنان في تحويل الدولارات وفق سعر «صيرفة»، وانتظار حلّ لتمويل استيراد القمح في المرحلة الانتقالية الفاصلة عن موافقة البرلمان الجديد على قرض البنك الدولي لشراء هذه المادة الاستراتيجية، حيث يطلب «المركزي» من الحكومة تأمين دولارات الطحين من هذا القرض، فيما يقترح وزير الاقتصاد كحل مرحلي معاودة استخدام أموال حقوق السحب الخاصة (الـSDR التي سبق أن حوّلها صندوق النقد).



وتتعاظم المخاوف من أن تتعمّق هذه الأزمات على مشارف استحقاقاتٍ تشي بتعقيدات كبرى، بعضها يرتبط بطبيعة هذه الاستحقاقات وما تنطوي عليه «جينياً» من صراعات أحجام ونفوذ على «الإمرة» ولا سيما تأليف الحكومة الجديدة التي تدخل مرحلة تصريف الأعمال يوم الأحد مع انتهاء ولاية برلمان 2018، وهي الصراعات التي تكتسب هذه المرة أبعاداً أكثر «مصيرية» لتداخُلها مع الانتخابات الرئاسية (موعدها الدستوري بين 31 أغسطس و31 أكتوبر).

أما بعضها الآخر فيتصل بمرحلة الترقب لتظهير المدى الذي ستأخذه «رياح التغيير» التي هبّت على البرلمان، وهل سيكون ممكناً ترجمة التبدلات التي طرأت على المعادلة السياسية التي تحكم الواقع اللبناني نتيجة التقدُّم الكبير الذي حققتْه قوى مناهِضة بقوةٍ لـ «حزب الله» و«محور الممانعة» وخصوصاً «القوات اللبنانية» (على حساب التيار الحر) والحزب التقدمي الاشتراكي الذي منع اختراقاتٍ درزية كاسِرة له وحافظ على كتلته، وخسارة رموز بارزة محسوبة على النظام السوري خرجتْ من المسرح البرلماني.



ويسود انتظار في هذا الإطار لما سيكون عليه المشهد النيابي، مع حلول استحقاق انتخاب رئيس للبرلمان (سيكون الرئيس نبيه بري) الذي من شأنه أن يحمل أول تظهير لفقدان «حزب الله» وحلفائه غالبية النصف زائد واحد (تراجعت مقاعدهم من 74 إلى بين 59 و 60) وإذا كان ثمة «ودائع» بين النواب «الوافدين» تحت راية مستقلّ أو تغييري، وثانياً مدى قدرة التكتلات المُعارِضة على توفير أرضيات مشتركة لتشكيل «رافعة» لأكثريةٍ، ولو بقيت «متحرّكة»، باعتبار أن ذلك سيقلل من أضرار تَشَتُّت الكتل ويضيّق هوامش الانقسامات «المكبِّلة» لبرلمان «بلا أكثرية ولا أقلية»، كما سينعكس على التوازنات التي تُدار عبرها الاستحقاقات المقبلة بدءاً من تسمية رئيس الحكومة الجديدة وطبيعة التشكيلة التي حَسَمها «التيار الحر» «خبرية التكنوقراط «باي باي» فهناك شرعية شعبية يجب الاعتراف بها بغض النظر أين سنكون».



وفي حين يؤشر هذا الموقف، الذي يُلاقيه أيضاً «حزب الله»، إلى أن «لي أذرع» قوياً سيسود مسار تشكيل الحكومة، التي يُخشى ألا تولد فتضيع فرصة بلوغ اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي لتفادي الارتطام المميت الذي ستزداد سرعته كلما تشابَك غياب حكومةٍ مكتملة المواصفات مع فراغ رئاسي مرجَّح، فإن محطة انتخاب رئيس جديد للبرلمان (الدعوة إليها يجب أن تتم بعد 15 يوماً كحد أقصى من انتهاء ولاية المجلس «الراحل» في 21 الجاري) ستشهد مفارقة غير مسبوقة تتمثل في أن النائب المنتخب فراس حمدان سيكون أمين سرّ هذه الجلسة كونه الأصغر سناً.

وحمدان، الذي أطاح بالمرشح الدرزي مروان خير الدين (في عقر دار الثنائي الشيعي في الجنوب) هو من أبناء ساحات انتفاضة 17 أكتوبر وسقط جريحاً عند أسوار البرلمان في تظاهرات 7 أغسطس 2020 حين قوبل المحتجون بقنابل ما زالت إحدى شظاياها مستقرة في قلبه بعدما تسبّبت له بإصابة خطرة.

وفي موازاة ذلك، وفي حين تستعد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لـ «جلسة الوداع» غداً في القصر الجمهوري وعلى جدول أعمالها أكثر من 100 بند يعكس بعضها «تحوطاً» لفترة تصريف أعمال طويلة، ويجري رصْد بعضه الآخر مثل احتمال رفع أسعار الاتصالات والإنترنت وغيرها والبند المتعلق بطلب وزارة المال إعادة النظر في كيفية استيفاء بعض الضرائب والرسوم، عكست المواقف الدولية من الانتخابات النيابية، والتي لم تقابل بعد بأي تعليق خليجي، ترحيباً بحصولها مع مآخذ على تجاوزات شابتْها ودعوات لتشكيل حكومة سريعاً.

وفي هذا السياق، رحب الاتحاد الأوروبي بإجراء الانتخابات، مذكراً بما ورد في تقرير بعثة مراقبة الانتخابات من «أن النظام الانتخابي والمخالفات وشراء الأصوات أدت إلى عدم تكافؤ في الفرص»، معلناً «نتوقع من مجلس النواب المنتخب أن يدعم عملية سريعة لتشكيل الحكومة، والمساهمة في تنفيذ الإجراءات المسبقة المطلوبة في الاتفاق على مستوى الموظفين الموقع في 7 أبريل الماضي مع صندوق النقد الدولي من أجل المباشرة ببرنامج للصندوق»، ومكرراً «توقعاتنا بإجراء الانتخابات الرئاسية والبلدية في موعدها».

كما أشادت الخارجية الفرنسية «بتنظيم الانتخابات في موعدها المقرر»، لكنها أسفت «للحوادث والمخالفات التي سجّلتها بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي، ونأمل كشف حقيقة ما جرى».

وحضت فرنسا «جميع المسؤولين اللبنانيين على تعيين رئيس مجلس وزراء من دون تأخير وإلى تشكيل حكومة جديدة كي تتخذ التدابير الضرورية للنهوض بالبلاد وتقدّم حلول يُعتدُّ بها تلبي تطلعات السكان، ولا سيّما بالاستناد إلى الاتفاق الإطار الموقّع مع صندوق النقد الدولي».

بعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات أشادت بمجريات يوم الاقتراع وسجّلتْ ملاحظات

وزعت بعثة جامعة الدول العربية لمراقبة انتخابات مجلس النواب اللبناني بياناً تمهيدياً عن استحقاق 15 مايو، أكد أن «الاقتراع جرى إلى حد بعيد في نطاق احترام مقتضيات القانون والأنظمة»، معربة عن تطلُّعها «لأن تكون (الانتخابات) مرحلة جديدة في العمل الوطني الهادف والبنّاء يضطلع فيها البرلمان بدور كامل وفعال في الدفع بمسار التغيير والإصلاحات بما يتماشى مع الطموحات المشروعة للشعب اللبناني في الاستقرار والعيش الكريم».

وتضمن تقرير البعثة التي قادها السفير أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد، نقاطاً عدة بينها عن «مظاهر الدعاية الانتخابية ومحاولات التأثير على الناخبين»، مشيراً إلى «رصْد استمرار مظاهر الدعاية الانتخابية خلال يوم الاقتراع في محيط عدد من مراكز الاقتراع من خلال تجمعات دعائية للقوى المتنافسة، ما يكون قد أثر على إرادة الناخبين وحقهم في الاختيار الحر».

وأكدت البعثة «ضرورة تفعيل القوانين وتطبيق الإجراءات الجزائية ضد المخالفين، حفاظا على ممارسة حق التصويت الحر المكفول بقوة الدستور والقانون»، مبدية الأسف لِما «أعلنت عنه المصادر الحكومية والجهات المراقبة في شأن ما شاب اليوم الانتخابي من مظاهر عنف واشتباكات. وقد سجل فريق جامعة الدول العربية المتواجد في قضاء زحلة حدوث مواجهة مؤسفة بين أنصار حزبين متنافسين».

كما سجلت البعثة «الاختلالات التي تكتنف مسألة تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي في ضوء مطالبة قوى سياسية ومدنية تعزيز وإحكام آليات المراقبة المالية، وتقوية صلاحيات هيئة الإشراف على الانتخابات للقضاء على ظاهرة شراء الأصوات واللجوء إلى إغراءات عينية تتعارض مع مقومات نزاهة وصدقية الفعل الانتخابي، حرصاً على حق الاختيار الحر والمتكافئ للناخبين».

وستصدر البعثة تقريرها النهائي متضمناً ملاحظاتها التفصيلية وتقييمها النهائي وتوصياتها بعد انتهاء الفترة المخصصة للطعون وإعلان النتائج النهائية، لترفعه للأمين العام لجامعة الدول العربية، لإحالته لاحقاً إلى الجهات المعنية في لبنان.