كمال ذبيان- الحريري في إجازة سياسيّة غير مدفوعة الأجر الى أجلٍ غير مُسمّى

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 24, 2022

لم يكن مفاجئاً ان يصل الرئيس سعد الحريري الى هذا «البؤس السياسي»، ويعاني من «اكتئاب» سببته له السلطة التي فُرض عليه الافتراق عنها، والخروج من رئاسة الحكومة، وهو يتجه للعزوف عن الانتخابات النيابية، كما لم يعد مهتماً لوراثة «الحريرية السياسية»، التي يسابقه عليها شقيقه بهاء الذي يرفع شعاراً «سوا للبنان»، لتيار سياسي يؤسسه، لكن ليس «سوا مع سعد».


فالرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان لا يعد اياً من انجاله ليكون وريثاً سياسياً له، وهم لم يظهروا معه في نشاطه السياسي، لانه كان يعرف، ان من سيكون له الرأي في ان يستمر سياسياً هو شخصياً او من سيخلفه، يعود الى السعودية، التي صنعت من الحريري الأب، شخصية سياسية عندما كلفته ان يكون مبعوثها الى لبنان وسوريا، للمساعدة في حل الازمة اللبنانية منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، فشارك كوسيط سعودي باسم «الشيخ رفيق الحريري»، في حضور اجتماعات جنيف ولوزان في عامي 1983 و1984، التي عقدت بين الاطراف اللبناني، في عهد الرئيس امين الجميل، الذي اتهمه خصومه السياسيون، بانه حكم باسم حزب الكتائب، ووقع اتفاق 17 ايار مع العدو الاسرائيلي، ثم لعب الحريري دوراً في عقد وتوقيع «الاتفاق الثلاثي» في دمشق بين كل من «حركة امل» والحزب «التقدمي الاشتراكي» و»القوات اللبنانية» برئاسة ايلي حبيقه في نهاية العام 1986، والذي تم اسقاطه من قبل امين الجميل بتحالفه مع «القوات» التي سيطر عليها بانقلاب عسكري سمير جعجع، الى ان كان دور لرفيق الحريري في اتفاق الطائف الذي انتج تسوية سياسية، لاصلاح النظام ووقف الحرب الاهلية.

وكل ما قام به «ابو بهاء»، كان بدفع من المملكة التي كان ينطق باسمها، واوصلته الى رئاسة الحكومة بتفاهم مع سوريا، في العام 1992، ليكونا شريكين في تنفيذ بنود اتفاق الطائف، وعندما كانت العلاقة تهتز بين «السينين» اي سوريا والسعودية، كان لبنان يتأثر بذلك، الى ان اصبحت الكلمة النهائية للنظام السوري فيه.

هذا العرض التاريخي الذي يشير الى نشأة «الحريرية السياسية» بدعم سعودي، فان مصادر سياسية متابعة للعلاقة بين الرياض و»الحريرية»، تشير الى ان هناك توجها لدى القيادة السعودية في الا تضع كل اوراقها لدى عائلة او طرف سياسي، وان تجربتها مع «الحريرية» منذ اربعة عقود لا تشجع كثيراً، وان التوجه هو نحو «التعددية» داخل الطائفة السنية، التي اقفلت «الحريرية» بيوتات لعائلات سياسية، ذهبت باتجاه مغاير للسياسة السعودية في لبنان والتصقت بسوريا كما بحزب الله، انطلاقاً من محاولات عزل القوى السياسية والحزبية وشخصيات وازنة في الطائفة السنية، اذ لا ينسى آل كرامي، اسقاط الرئيس عمر كرامي من الحكومة مرتين في 6 ايار 1992، لتمهيد الطريق امام وصول رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة بدعم من «الثلاثي السوري» عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان، وحلفاء لبنانيين لهم، ثم بعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005، واستقالة الرئيس كرامي، بضغط الشارع الذي تم تحريكه داخلياً، وخارجياً، لاخراج القوات السورية من لبنان، ثم نزع سلاح حزب الله واخراج الرئيس اميل لحود من القصر الجمهوري، عملاً بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 2 ايلول 2004.



كل هذه المعطيات تركت للقيادة السعودية، ان تخرج «الحريرية السياسية» من السلطة، واول الرسائل وصلت في تقديم سعد الحريري استقالته من الرياض في 4 تشرين الثاني 2017، واخرجه من الاحتجاز فيها قرار فرنسي ـ اميركي ـ مصري، اضافة الى دعم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شريكه في «التسوية الرئاسية»، التي لم تنظر اليها السعودية بايجابية، لكنها انتظرت ممارسة العهد، الذي كان يؤمل منه ان ينقلب على «تفاهم مار مخايل»، وهو الاصلي في 14 آذار لا «التايواني» كما وصفه سمير جعجع، لكن الرئيس عون لم يبدل موقفه من المقاومة، واصرّ على قانون انتخاب على اساس النظام النسبي، فحسّن التمثيل المسيحي، لكنه اعطى اكثرية لحزب الله وحلفائه التي افرحت قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني، وباتت طهران تنظر الى بيروت على انها احدى العواصم الاربع التي لها نفوذ فيها، وهو ما ترك المسؤولين السعوديين يحمّلون سعد الحريري مسؤولية ما اوصل اليه اداؤه السياسي، في تقديم التنازلات، وعقد الصفقات مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وربط النزاع مع حزب الله، والسكوت عن الفساد والتورط فيه مع سياسيين في لبنان، حيث يتحدث هؤلاء المسؤولون في مجالسهم عن انه لا يمكن للحريري ان يستمر في موقع المسؤولية، لذلك اقفلت الرياض الابواب في وجهه، وانتقل الى ابو ظبي، ليؤسس لعمل جديد له، بعد ان خسر مؤسساته وشركاته في السعودية وعُرضت للمزاد العلني، مع اعلان افلاسها.

لذلك حضر الحريري الى بيروت، دون اي استقبال شعبي، ولم تعلق له لافتات لعودته، بل جاء ليعلن انه اخذ اجازة سياسية غير مدفوعة الاجر ولاجل غير مسمى، وسيقضيها في الخارج، وسبق له ان ترك لبنان لمدة خمس سنوات بعد ان استقال ثلث اعضاء حكومته زائداً واحداً مطلع عام 2011، ليعود مع «التسوية الرئاسية» عام 2016.

وتطرق الحريري مع «كتلة المستقبل» و»تيار المستقبل» وشخصيات قريبة من «بيت الوسط» لكل الافكار والآراء والاقتراحات، منها من حضّه على الترشح ولم تقبل السعودية، وبعضهم نصحه بالابتعاد لمرحلة، ومنهم من اقترح عليه الا يترشح، ولكن يسمي مرشحين ومن يفوز منهم يكونون «تيار المستقبل».



لكن كل هذه الاقتراحات، استمع اليها الحريري، الذي لا يملك قراره، الذي جاء من السعودية بان يرتاح.