سجال إسرائيلي: سلاح الجو غير كافٍ لردع الحزب؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, January 22, 2022

طفا على السطح في إسرائيل، خلال السنتين الأخيرتين، سجال غير تقليدي بين قادة عسكريين تردد صداه في الصحافة العبرية، وجسدته ثلاث مقالات لجنرالات في إحتياط الجيش الإسرائيلي، بشأن أولوية القوة الجوية من عدمها، ومكانها في عقيدة الحرب الشاملة للدولة العبرية.

ويعكس السجال العلني في الحقيقة، سجالاً أعمق في الأروقة الإستراتيجية الإسرائيلية، بعيداً من الإعلام، بدليل أن معهد دراسات "الأمن القومي" في إسرائيل استعرض تبايناً في مقالات كتبها جنرالات ثلاثة، ضمن دراسة عنوانها: "من التفوق الجوي إلى ضربة متعددة الأبعاد: القوة الجوية ومكانها في عقيدة الحرب الشاملة لإسرائيل". وتناولت تسعة فصول في الدراسة، دور سلاح الجو في حروب خاضتها إسرائيل، وتطور الدور في ضوء التغيرات السياسية، والإجتماعية، والتكنولوجية، وتبدل التهديدات أمام إسرائيل.

لعلّ اختلاف وجهات نظر العسكر في إسرائيل، ينمّ أيضاً عن انشغال مستمر للدوائر الإستراتيجية في تل أبيب، بالتفكير في سبل تقليل حجم الضرر الذي سيطاول دولة الإحتلال في أي حرب متعددة الجبهات، أو حتى مع جبهة واحدة مع حزب الله، يتخللها كثافة من الصواريخ المنطلقة نحو الدولة العبرية.

السجال بدأ إعلامياً، بمقال كتبه اللواء (احتياط) يتسحاق بريك في صحيفة "هآرتس" في تشرين الأول/أكتوبر 2020 بعنوان "الصاروخ يلوي ذيل الطائرة". وهاجم فيه، بحدّة عالية، الأولوية التي مُنحت لسلاح الجو الإسرائيلي، معتبراً أن الأمر ينطوي على مفهوم خاطئ، ويخلق حالة من الدونية الإستراتيجية إزاء التطورات لدى "أعدائها"، من منطلق أن الرؤية القائمة على أن "سلاح الجو الإسرائيلي هو العامل الحاسم في ساحة الحرب"، لم تعد قائمة.

واستند لواء الإحتياط الإسرائيلي بريك، في فكرته على أن لدى "حزب الله" و"حماس" اليوم عشرات آلاف الصواريخ بعيدة المدى والقادرة على تغطية كامل التجمعات السكانية في إسرائيل، وأن المئات منها صواريخ "دقيقة"، موضحاً أنه "حتى لو نجحنا في تدمير 60 في المئة من هذه الصواريخ، فمن شأن الأربعين في المئة المتبقية أن تعيد إسرائيل عشرات السنين إلى الوراء" لأنها ستصيب البنى التحتية في قطاعات الكهرباء والمياه والوقود والصناعات والإقتصاد وقواعد سلاح الجو والأسلحة البرية ومراكز الحكم ومقراته والمطارات وأهدافاً إستراتيجية أُخرى فضلاً عن تجمعات سكانية.

وتوقع بريك أنه في الحرب المقبلة، سينشأ واقع لم يسبق أن جرّبه سلاح الجو الإسرائيلي من قبل، وهو إطلاق "العدوّ" صواريخ دقيقة على قواعده ما سيسبب أضراراً جسيمة لمسارات الإقلاع وللقواعد، ويمسّ بالتالي، بصورة حادّة، بوتيرة إقلاع الطائرات الحربية لشن غارات على "أهداف العدوّ". ودعا بريك، بدلاً من ذلك، إلى إنشاء "سلاح صواريخ" ومنح القوات البرية والمناورِة في عمق "أراضي العدو" أفضلية أكبر. وكان بريك شغل مناصب عسكرية عديدة، أبرزها قائد لواء وقائد فرقة في سلاح المدرعات. كما قاد سريّة في الإحتياط إبان حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.

وتصدى لبريك، اثنان من جنرالات سلاح الجو في الإحتياط، بإعتبار أنهما صاحبا تجربة عملانية. الأول هو اللواء (احتياط) ران غورن، الطيار الحربي الذي قاتل في حرب حزيران/يونيو 1967، وبعدها حرب تشرين الأول/أكتوبر. وردّ على بريك مُباشرةً، بمقال تحت عنوان "بريك، أنت مخطئ: لا منافس للطائرة الحربية". وبعد أيام قليلة، انضم اللواء (احتياط) عاموس يادلين إلى غورن، بمقال عنوانه "تصور بريك مغلوط وخطِر ـ لا بديل لسلاح الجو". ويادلين كان طياراً في سلاح الجو، شارك في حرب "يوم الغفران" وفي قصف المفاعل النووي في العراق.

واللافت، أن إسرائيل تعاملت مع حروب غزة، لا سيما الأخيرة، وكأنها "بروفا" لفحص قدرات سلاح الجو في حسم المعركة، خصوصاً وقف الصواريخ المنطلقة نحوها بشكل كثيف، لعلّها تعطي تصوراً لتطوير القدرات في مواجهة الحرب الأكثر قوة مع حزب الله اللبناني أو ضمن حرب شاملة. واعتمد الجناح العسكري لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، تكتيكاً أثناء الحرب الأخيرة، يعتمد على كثافة الصواريخ في الرشقة الواحدة، لعدم تمكين نظام "القبة الحديدية" الإسرائيلي من التصدي لجميعها، ما يعاظم النقاش الإسرائيلي حول جدوى "الطيران الحربي" في المعركة القادمة مع حزب الله أو غيره، لا سيما أن الحزب يمتلك قدرات صاروخية أكثر تأثيراً وكثافة مما لدى الفصائل في غزة.

لكنّ الجنرالات المؤيدين لنجاعة سلاح الجو، أمثال الجنرالين غورن ويادلين، يردّون على بريك، بالقول: "حتى لو جرى توفير كل الموارد التي يطلبها بريك للقوات البرية، فلن ترسل الحكومة الإسرائيلية قوات برية كل صباح ومساء لوقف إطلاق الصواريخ". غير أنّ غورن يتفق مع بريك على أنّ الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستتعرض، في الحرب المقبلة، لهجمات صاروخية أكثر المعتاد عليها في السابق، إلا أنه يدعي أن الصواريخ والقذائف ستكون، في غالبيتها الساحقة، قصيرة المدى وذات رؤوس حربية صغيرة، أي أن "ضررها غير كبير"، معتبراً أنه تم استخلاص الدروس من حرب لبنان الثانية، وسيُؤخذ بها في المواجهة المقبلة.

واختار يادلين أن ينضم إلى السجال، بإستهلال مقاله بهجوم شخصي مباشر على بريك، مدعياً أن "ثمة أشخاصاً مازالوا في حالة صدمة من حرب يوم الغفران، لكن هذا لا ينطبق على سلاح الجو". ورأى يادلين أن مشكلة الصواريخ الدقيقة التي عرضها بريك لا تنشأ بفعل عشرات، أو حتى مئات الصواريخ الدقيقة التي سيمتلكها "العدو"، وإنما يجب أن يمتلك ما لا يقل عن "عشرة آلاف" منها، كي تصحّ رؤية الجنرال يتسحاق بريك. وتابع: "واقعياً، ليس لدى العدو، ولا حتى 1000 من هذه الصواريخ".

ويأتي السجال العلني بين الجنرالات الثلاثة، تزامناً مع سؤال إستراتيجي يُشغل إسرائيل في الآونة الأخيرة، ومفاده: هل مازالت إسرائيل قوية؟ أم أن ضعفها في قوتها؟ وهل اقتربت إسرائيل من النهاية؟


أدهم مناصرة- المدن