الإنتخابات من سويسرا الشرق حتى بريجنسكي

  • شارك هذا الخبر
Friday, January 14, 2022


أن يعيش اللبناني المنكوب على جميع الأصعدة هاجس الإنتخابات باعتبارها كما يُروّج في الدوائر اللصيقة بالغرب وبعض الدول الخليجية أنها خشبة الخلاص وأنها مفترق طرق نحو إعادة البلد إلى السكة الصحيحة مصحوبا بإنعاش طبيعي ورفد أموال من كل حدب وصوب سيعيد للوطن الجريح توازنه ، فهي حتما أضغاث أحلام ، حيث لم تكن الإنتخابات في عز ما كان يسمى لبنان ب " سويسرا الشرق" عامل إنطلاق وصوغ حياة سياسية جديدة بعناوين حملت في كل فترة ما كان يتوق له الأغلب والذي كان “الطاغي” حسب دستور 1943 وكانت هذه التحالفات تنتصر تارة للحلف الثلاثي بوجه الشهابية وإيصال سليمان فرنجيه عام 1970 إلى الرئاسة وهزيمة الياس سركيس بفارق صوت واحد في انتخابات الرئاسة التي لا تزال أصداؤها تُروى حتى الآن من المتابعين والعارفين والمرافقين لتلك الحقبة
وحتى انتخابات 1972 وما أفضت من فرز كتل صغيرة تتفق على " القطعة" حيث يجب ، حيث حافظ الزعماء وقادة الطوائف على مواقعهم ، وفق التوازنات نفسها لكن من دون التحالفات الكبيرة التي طبعت الفترة السابقة ،وحتى إلى انتخابات ما بعد الطائف حيث لم تكن محطة تجديدية لإعادة النهوض أو صوغ رؤى سياسية –دستورية جديدة تصنع بلدا .
منذ السابع عشر من تشرين الأول 2019 والتحركات التي كانت ستعد إن صُوبت بوصلتها مدماكا أساسيا لإعادة بناء وطن عجزنا عن رسم ملامحه حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية، فغاص البلد رغم الفساد المستشري والتّزلّم الطاغي منذ عقود والدولة العميقة اللبنانية في ربيع المجتمعات المدنية والتدخلات الخارجية التي ما انفكّت بعض القوى تطأطأ الرأس لها ، وبدأ الرهان على أعجوبة الإنتخابات القادمة التي إن حصلت ستغير جِلدة لبنان وستحمل المن والسلوى وتجعله الوطن القادم من بلاد أليس للعجائب، حيث راحت هذه القوى تقدم أوراق اعتمادها الحاضرة أصلا منذ ردح من الزمن ، ولكن هذه المرة على قاعدة تغير المزاج والقدرة على مواجهة الطرف الآخر بأسلحة الطائفية والمناطقية ووسائل الإعلام المحملة حقدا وغيظا ومكاتب الإحصاءات والإستشارات التي تعطيها الأفضلية حتى بأشواط عن غيرها من التيارات المنافسة في شارعها.
إن هذه الإنتخابات لو حصلت رغم كل التجييش الخليجي والغربي الأميركي فلا يمكن أن تأخذ لبنان من ضفة إلى أخرى أو أن تجترح المعجزات لأسباب عدة:
أولا: ما الذي يضمن إجراء هذه الإنتخابات من عدمها وخاصة أن البلد يوضع دائما كطبق على مائدة اتفاقات ثنائية إقليمية أو دولية أو حتى يطرح كبند في إحدى الغرف الجانبية ، ومتى شعرت هذه القوى أن الوقت ليس وقت انتخابات تصبح في سحر ساحر في حكم المؤجلة وينسج لها ألف فتوى رسمية أو دستورية.
ثانيا: إن أي خلل سياسي مرافق يؤدي إلى توترات أمنية متنقلة يمكن أن يؤدي إلى تطيير الإنتخابات لعدم إمكانية ضبطها أو ملاحقة التفلت في الشارع ناهيك عما رشح عن بعض التسريبات الأمنية من انفجار اجتماعي قادم تظهر ارهاصاته فجأة ومن دون مقدمات .
ثالثا: إن من يعر ف طبيعة الحكم في لبنان يدرك أن الحكم توافقي وإن كان البعض معارضا لهذه الصيغة التي لا تبني ولا تغني ولاتسمن من جوع وتؤسس لإشكالات سياسية ودستورية متنقلة.
رابعا: إن صعوبة صوغ اتفاق بنيوي جديد يجعل من أي انتخابات إن حصلت تراكم للمشكلة التي ستعاود مروحتها في السلطة التنفيذية منطلقة من تشكيل حكومة إلى انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستخضع هذه المرة إلى توازنات تفرضها الساحات المتصارعة وخاصة بعد تميز الإنتخابات الرئاسية سنة 2016 بأنها تظهّرت محليا وصُدّر بنيانها إلى الخارج حيث أرضى من أرضى وأغضب من أغضب.
خامسا : للأسف وبكل صراحة في ظل مشروعين كل منهما نقيض للآخر ، بغضّ النّظر عن اصطفافات كل مشروع ، من الصعب بل نكاد نقول من المستحيل أن نرسو في ميناء الإستقرار السياسي والإقتصادي والذي عجزنا عنه في ظل فترة" السماح" منذ 1990 حتة 2005
سادسا : إن الذين يعتبرون مبدأ إجراء الإنتخابات محطة أساسية للتغيير كما يقولون ويذهبون إلى الدعوة إلى الفدرلة والتي تستدعي سياسة خارجية موحدة وعملة موحدة وغيرها حيث لم يلحظوا هذه النقاط أو لحظوها وأحبوا إتحافنا بعبارات إنشائية وتفسيرات زمخشرية لا تحدث فرقا.
سابعا: لبنان بلد تكثر فيه السلطات بل دُوَل السلطات وطريقه إلى الدولة لا تزال في البدايات البدائية وتبقى قضيته حتى إشعار آخر قضية " تأسيس وبنيان ورؤى"
إن الإصلاح السياسي في لبنان- قبل السيادة والإستقلال- هو إصدار قانون انتخابات وطني لا طائفي عليه يتأسس معنى الكلمات السابقة في دولة المواطنية ، ولا يهم بعدها على أي أساس المحافظات أو القضاء أوالدوائر الصغرى والكبرى والوسطى، ويترتب على ذلك إلغاء الطائفية والطائفية السياسية البغيضتين.
إن جل ما أذكره الآن قول بريجنسكي بأن القوى الدولية التي تسعى وما زالت في طور" شرق أوسط كبير " إلى تعليمنا نحن العرب كيف نكون عصريين وكيف ننتقل إلى الحداثة ويساعدها في ذلك أوروبا والكيان الصهيوني حيث لا مراعاة للكرامة والإرث الديني والحضاري وحق تقرير المصير .. فكيف الحال بنا في لبنان الذين لم نبلغ حتى الآن الرشد السياسي والنضج في القرار والأولوية والهدف.
سامر كركي
إعلامي وكاتب لبناني