كارلوس نفاع - سلاح بلا رصيد

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 23, 2021

سقط جبل لبنان في شبكة نزاع مصالح كل من فرنسا وروسيا القيصرية وبريطانيا، تفكّكت الإمارة وانهار جيشها واقتصادها، اعتقد الناس أننا أصبحنا والى الأبد تحت الحكم المصري، فتحكّم الأمير بشير الثاني دون أن يحكم، ومرّت السنوات العجاف التي حملت الفقر والتسيّب، تحت شعار ممانعة الاحتلال العثماني عبر العمالة للإحتلال المصري.



لطالما عشنا في أزمة هوية، وطالما لم يفقه العملاء «كلن يعني كلن» أنّ الحرية «مش خبز وخمر بل درب تودي صوب الغار» كما نحتها شاعر الحرية موريس عواد.



العالم اليوم تغيّر. حتى الكثلكة لبست ثوباً جديداً، وهي التي بشّرت بالفكر الشمولي وباركت ولاية الفقيه لعقود، لكن روح التجدّد عصفت فيها حرّية جديدة، بحيث تتبنّى نهج كنيسة الرفاه المعارضة، التي جعلت من سعادة الإنسان الفرد وحريته قضيتها. وها هي إيران الفقيه وتركيا إردوغان وإسرائيل الصهيونية في أزمة روحية. فجميعها متمسك بالنهج القديم، فالإيمان الجامع الشمولي لا مكان فيه لسعادة الإنسان الفرد وحريته المطلقة. فلا النازية ولا الأمة ولا الشعب المختار يستطيعون اليوم الإجابة عن اسئلة الإنسان الفرد وحاجاته.



العالم تغيّر، وليس أمامه الاّ الأفول والتسليم للأجيال الجديدة المعارضة التي تسعى للعدالة والحرّية والإخاء.



بلاد فارس في غربة عن تاريخ من العلماء، على رأسهم الرازي والبغوي وغيرهما من علماء التفسير، وأئمة اللغة العربية والأدب، وعلى رأسهم سيبويه ونفطويه وأبوعلي الفارسي والزجاج وإبن المقفع وبديع الزمان الهمداني. واللائحة تطول... نعم إيران اليوم في غربة عن أصالتها، في غربة عن حسن الجوار وعن تاريخ السلام والتجارة والعلوم والإنفتاح. إيران اليوم يهاجمها أبناؤها، الذين هاجروا منها، أمثال موفاز وكتساف ودان حالوتس، وهم أنفسهم لا يرون أرض الميعاد نبوية، فالجيل الخامس يبحث عن معنى لحياته عن حرية التنقل والعيش مجدداً في حلب وصنعاء وبغداد وأصفهان واسطنبول، يرون أنّ أجدادهم أورثوهم الحياة في سجن صغير، بينما العالم أجمل وحريته أعظم.


تركيا في خطر، لأنّها تقرأ في كتب توسعية، وتستثمر بإحياء الماضي بدل الاستثمار في الإنسان الفرد، فالناس لم تعد تؤم صلاة خليفة واحداً، لأنّ كلاً منهم أصبح ولي ذاته الكونية وإمامها، كل واحد يشعر أنّه فريد في حدّ ذاته ومختار من الله وحده. ولأنّ الشمس تشرق على الجميع، فلا شعب مُختاراً ولا أمة واحدة ولا عِرق نقياً.



من هنا نفهم حالة فقدان الوزن التي تعيشها كل القوى في المنطقة، وخصوصاً تخبّط زعماء الحرب في لبنان الذين يعيشون حالة إنكار لمصير أسود باتوا على يقين أنّه حتمي. لا مكان لهم في لبنان الجديد، وكل ما يخشونه أن يكونوا في القريب من الأيام، أمام ثورة حقيقية تُسقط كل مقدس. لهذا توافقوا على حكومة تبيع الأوهام وتشتري الوقت وتستعجل موعد الانتخابات، قبل إعلان دخول إيران في الإتفاق النووي، بالشروط الجديدة التي تجعل من القوة الفائضة سلاحاً بلا رصيد.



وأصبح حياد لبنان حتمياً، وجزءاً من حياد المنطقة. فبعد الكاظمي الذي أعلن في قمة بغداد أنّ العراق ليس ممراً ولا مقراً، ها هو مقتدى الصدر يعلن حياد العراق، معتبراً أنّه عراق عربي لا شرقياً ولا غربياً.


وها نحن نرى الزعماء وأزلامهم يخبطون خبطاً عشواء، بين رحى جريمة تفجير المرفأ وجريمة نهب أموال الناس، ويتعاضدون ويتكافلون لتجهيل الفاعل، كما شهدنا في إجماعهم ضدّ القاضي بيطار. فهم على يقين أنّ أسماءهم سوف تتدحرج في قرارات ظنية، من جريمة تفجير المرفأ الى الجرائم المالية وقبل الانتخابات النيابية.



المنطقة تدخل عصراً جديداً، فعلى الرغم من نزاعاتهم، جلسوا جميعاً على طاولة قمة بغداد، وفهموا أنّ عليهم إيجاد سبل للتعاون، وخصوصاً بعدما فهموا من وليم بيرنز ومن نهج روبرت مالي، أنّ الإدارة الأميركية وضعت الخطوط الحمر للجميع، وفتحت من أبواب كابول شهية طهران لدخول نادي الازدهار الإقليمي الذي يساعدها في أن تصبح كنيسة الرفاه الجديدة.



من هنا على الجميع في لبنان «كلن يعني كلن»، أن يعترفوا بنهايتهم وأن يرحلوا، إنهم مفلسون، أدّوا أدوار العمالة بإخلاص قلّ نظيره.



دمّروا كل شيء، ولن يرحمهم التاريخ «كلن يعني كلن»، فمنهم من ضغط على الزناد، ومنهم من قبض ثمن سكوته، ومنهم من صفق وهلّل وذهب الى الحج والناس راجعة.



إنهيار الطيونة سياسي بامتياز، لقد تأكّدوا جميعاً من خريطة الطريق التي أبلغهم ايّاها وليم بيرنز في بيروت. فوحده الجيش سيكون مظلة عبور صحراء رحيلهم، وحده سيحمل خطاياهم، ويغسلها كما في كل مرة بدماء جنوده الذين يكابرون على الوجع الاقتصادي، فالمعدن الثمين تظهره النار، وها نحن أمام أتون كبير. لهذا على من تبقّى من عقلاء، أن يجهدوا لعدم تكرار خطيئة «مؤتمر وادي الحجير»، فلا ترموا جميع اللبنانيين هذه المرة في النار التي لا تنطفئ. لبنان يتسع للجميع، ولا ينهض إلاّ بجميع أبنائه.



حياد لبنان حتمي، ومشاريع نهضته الاقتصادية جاهزة، وليس لناديكم أي مكان فيه. إما اعترفوا بخطاياكم جميعاً، وكفّروا عنها وقدّموا أكباش التوبة والفداء أمام القضاء، وإما ارحلوا جميعكم، واتركونا نكتب ولادة وطن الإنسان الفرد، وطن حرّ مزدهر أخضر وعادل.