كيف يأكل الفقراء ويدبّرون مصروفهم؟!

  • شارك هذا الخبر
Monday, October 18, 2021

حدّدت الأمم المتحدة، منذ العام 1988، يوم 17 تشرين الأول يوماً عالمياً للقضاء على الفقر في العالم. وفي هذا اليوم يجري التركيز على الجهود المبذولة للحد من الفقر المدقع المنتشر في أرجاء العالم، لأسباب متعدّدة تختلف من بلد إلى آخر، ومن أهمها الاقتصاد المتردي والحروب وجائحة كورونا.

17 تشرين اللبناني
وللمصادفة، ولدت الثورة اللبنانية من رحم المعاناة في التاريخ نفسه عام 2019. وجاءت سلسلة من الاحتجاجات المدنيّة التي اندلعت في البداية بسبب الضريبة على المكالمات عبر الأنترنت. وتوسعت لتصبح إدانة شاملة للطبقة السياسية، بسبب الفساد والبطالة والركود الاقتصادي والفساد، ولتغيير المنظومة الحاكمة كلها.
ومع بداية الأزمة الاقتصادية اللبنانية، التي صنّفت بأنها ضمن أسوأ 3 أزمات في العالم: انهارت العملة اللبنانيّة ولامس الدولار الواحد 20 ألف ليرة لبنانية. وتدهورت الأحوال المعيشية والاقتصاديّة وانحدرت عائلات لبنانية كثيرة إلى الفقر المدقع .

هاجس اللحوم
"كنا نأكل اللحمة المشوية مرتين في الأسبوع. اليوم نقسِّم الطبخة ع 4 أيام". بهذه العبارة استهلت منى بزي حديثها إلى "المدن". وهي ربة منزل في الخمسين، وأم لطفلين، تعمل في سوبر ماركت، وتتقاضى مليون و300 ألف ليرة شهرياً. وزوجها يعمل صباحاً في شركة لتأمين السيارات ويتقاضى مليون ونصف مليون ليرة، وبعد انتهاء دوامه يساعد جاره في محل لبيع الأجهزة الإلكترونية مقابل 800 ألف ليرة لبنانية.

وتُعدّ عائلة منى ميسورة قبل بداية الأزمة الاقتصادية. فـ3 مليون و600 ألف ليرة لبنانيّة كانت قادرة على تأمين كل حاجات عائلتها الشهرية، من دون مد يد العوز لأحد أو طلب أي مساعدة. لكن الأزمة غيرت نمط حياة العائلة اليومي. فانهيار الليرة اللبنانية جعل مدخولها الشهري نحو 180 $ بعد أن كان 2400$.

وتوضح منى كيف تبدلّت عادات حياتها اليومية. فبعد أن كانت تشتري اللحوم يومياً، وتقوم بشواء اللحمة للعائلة مرتين في الأسبوع، تخلو أطباقها اليوم من اللحوم، وتقسم طبخة الحبوب على 4 أيام.

الكهرباء والبنزين والغاز
"صار بدنا معاش كامل فقط لصاحب مولد الكهرباء". وبهذه الجملة تشرح منى كيف يوزّع مدخولهم الشهري، وكيف تصل للعاشر من الشهر وهي لا تملك أي مال. وتتابع: يطالبنا صاحب مولد الكهرباء شهرياً بما يفوق المليون ليرة. وهذه التكلفة ترتفع كل شهر. وصفيحة البنزين ترتفع كل أسبوع. ونحتاج إليه أسبوعياً لننتقل إلى أعمالنا وإيصال الأولاد إلى المدرسة. وقارورة الغاز وصلت هذا الأسبوع إلى 220 ألف ليرة. ونحتاج لأكثر من 100 ألف ليرة لبنانية يومياً لطبخة بلا لحمة.

وأزيل الدعم عن الأدوية. ونحن بحاجة لشراء علبتي كولجيسين كل شهر، وقد لامس سعره 50 ألف ليرة لبنانية للعلبة الواحدة. وهو غير متوفر في جميع الصيدلياّت. وأقساط المدرسة لأطفالي لامست 3 مليون ليرة للطفل الواحد.

واقع أليم
وهذا جزء من التكاليف الشهرية، وليس بحوزتنا سوى 3 مليون و 600 ألف ليرة لبنانيّة فقط. وهذه الأزمة دفعت بي وللمرة الأولى إلى دق باب أخي المهاجر ليرسل لي 50 $ أو 100 $ شهرياً، لأستطع إكمال ما تبقى من الشهر.

ويزداد المشهد سوءاً. فمحمد شاهين الخمسيني حاول إنهاء تعاسته بإنهاء حياته. وهو أب لثلاثة فتيات في جامعات خاصة، وصاحب محل لبيع الأحذية في الشارع العريض في الضاحيّة الجنوبية. ومنذ بداية انتشار كورونا بدأت أحواله بالتراجع. فبسبب كثرة الإقفال لم يعد قادراً على تسديد تكاليف إيجار محله الذي كان سابقاً 500 $، أي 750 ألف ليرة لبنانية. وبسبب عدم ثبات الدولار وصل إيجار المحل إلى مليوني ليرة لبنانية. وصاحب مولد الكهرباء طالبه بـ800 ألف ليرة لبنانية ولساعات محددّة.

وعلى الرغم من أن نسبة المبيعات انخفضت، حاول محمد أن يبقي أبواب محله مفتوحة. ولكنه لم يستطع الصمود. فترك محله وصار بيع بضاعته عبر الأونلاين. ولأنه يملك حساباً بالدولار في أحد البنوك حاول عبثاً الحصول على أي جزء منه، لكنه عاد بـ100$ فقط.

وحاول محمد الانتحار بسبب عدم قدرته على تسجيل بناته في جامعتهن الخاصة. فانتقلن إلى جامعة الوطن، الجامعة اللبنانية، ودخلن سوق العمل من أجل تسديد رسوم الجامعة السنوية،

وداع الرفاهيّة
عادات كثيرة تبدّلت جراء الأزمة الإقتصادية. فقد استغنى عدد كبير من اللبنانيين عن نوعية سجائرهم واستبدلوها بأرخص سعراً: من "المارلبورو" إلى "سيدرز" الوطني. وصار كثيرون يتنقلون سيراً على أقدامهم، بعد أن وصلت تكلفة السرفيس الواحد إلى 25 ألف ليرة.

أكلات نُسيت، ومشاوير أٌلغيت. فبعد الرفاهيّة، حل اليوم السعي لتأمين الضروري. وعمدت كثرة من النساء إلى تبديل قطع من أحذيتهن وثيابهن وأثاث بيوتهن، بأكياس أرز وحبوب. لجأت بعضهن طلب العمل في الخدمة المنزلية، مقابل بعض اللحوم أو الدجاج لتأمين الطعام لأطفالهن.


فرح منصور- المدن