وإن أردت للمسيحي أن يكون شريكك في الوطن... فعليك أن!- ميشال جبور

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 15, 2021



نبدأ كلامنا بأحر التعازي وأصدقها لعائلات الضحايا ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى كما نتمنى أن يكون آخر اقتتال في الشارع.

وبلحظةٍ سوداء في ١٤ ت١ من تاريخ لبنان،أُعيد تاريخ لبنان الذي ظننا أننا انتهينا منه إلى غير عودة.
وكأن لغة الحرب الخشبية لم تسقط يوماً وكأن المتاريس والدشم ما زالت في شوارع بلد كان مشلعاً بسبب حروب ودهاليز حروب،ظننا أننا خرجنا منها،لنستفيق على أشنع منظر يندى له الجبين،حرب شوارع آتية من خلف خطاب استفزازي ومنحدر المستوى غباره يضج بالبارود والحقد والإستعلاء والإستقواء والفرز الطائفي المكثف.
ما هو المطلوب في لبنان وما هو المطلوب من لبنان؟ أهو أن نعيد زج أبنائنا في دوامة التقاتل والتناتش الحزبي كي تُزرع بهم الضغائن والأحقاد بدل أن يذهبوا إلى المدارس والجامعات؟ أهو أن نخاف من الغد فنُسرع لإقتناء السلاح بدل المأكل والمشرب؟ أهو أن نُسقط القلم والعلم من أذهان أولادنا ونضع لهم رشاشاً بين أيديهم أو قاذفة ب٧ كي نروي غليل ملذاتنا للقتال والتعارك والتشنجات الأمنية وندفع الأثمان التي دفعناها مرتين؟
كنا قد عاهدنا أنفسنا بعد سنين طوال من الحروب المظلمة الحالكة أن نُبعد أبنائنا عن الكره والأحقاد والخطابات الطائفية وننمي بهم روح المبادرة الوطنية وحب الوطن واحترام القانون والدولة والنطق بلغة الثقافة والعلم بدل لغة البارود والسلاح والإصطفاف الحزبي والطائفي،ولكن وفي لحظة مؤلمة اندثرت كل أحلامنا ووقعت مجدداً الجثث والطلقات الفارغة ملأت الشوارع لأن ثمة من لا يزال يتعامل بلغة الشمولية ويريد من الباقين أن يكونوا له ذميين وثمة من لا يزال يؤمن بلغة الشارع والشارع المقابل.
لا يمكن أن نستمر بطريقة التعامل هذه،هذا الإستفزاز وهذا الإستعلاء والإستكبار والشحن الطائفي هو ما أطلق زناد أحداث البارحة،وفي لبنان،وآن لنا أن نتعلم،كلنا أقوياء ومقولة "مسح منطقة بأكملها خلال ساعات" ساقطة لأن لبنان هو بلد نهائي للجميع تعيش فيه كل الأطياف ويزدهر فيه كل الأفرقاء ولا يمكن لغير الله عز وجل أن يمسح أو حتى أن يزيل ولو حبة غبار،هذا التعالي بالخطاب لم يعد مقبولاً وهذه اللهجة التخوينية والترهيبية عند كل استحقاق وطني أو لحظة قضائية مصيرية هي ما يرجعنا دائماً إلى التقوقع خلف متاريس الطائفية العقيمة.نحن بالطبع لا نقبل بما حصل ولا نرتضيه لأي أحد ولكن عندما تطفو وتعلو لغة الإستعلاء على الحوار يصبح الخوف المحرك الأساسي لكل إقتتال.
بالأمس كانت المقاومة الفلسطينية تريد الإنقضاض على مناطق المسيحيين بقوة السلاح والإستقواء بالخارج قريباً كان أم بعيداً ولم تُفلح أمام تمسك المسيحي بأرضه وإيمانه بعمق الروح بوجوده وتجذره في هذا الشرق، والبارحة وبعد ما حصل نأمل أن يكون ذلك درساً لكل القيادات الحزبية المسيحية والإسلامية على حد سواء وعلى أعلى المستويات،لا يمكنكم أن تجروا الناس إلى دوامة القتال كلما أردتم ولا يمكنكم استقواء بعضكم البعض ولا الإرتهان لأية جهة أو تنفيذ مشاريع لا تشبه وجه لبنان العيش المشترك الحقيقي،ولكل من يأتمر أو يحاول أن يفرض صيغة أمر واقع على الوطن نقول،إما أن تعود عن أضغاث أحلامك واجتهاداتك في تفسير لبنان،إما سنترك لك هذا العيش لتعيشه مع أمثالك وسنعتبر أننا طلقناك بالثلاثة.
ولرئيس الجمهورية ميشال عون نتوجه ونقول،قد أتيت بعنوان "بي الكل" وأب لكل اللبنانيين ولكن خطابك البارحة أنصف فئة ولم يعدل مع الفئة الأخرى، خطابك البارحة لم يريح شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين انتظروا منك أن تضع النقط على الحروف في كلمة القضاء وانتظروا منك أن تشعر بهم وبهواجسهم وخوفهم على شوارعهم ومناطقهم ممن يريد أن يحول كل استحقاق وكل مطلب وطني إلى اقتصاص من أمن الناس وانتهاك لمناطقهم.
بدوت البارحة بمظهر القاضي الذي يرمي التهم على فئة دون أخرى،وأنت العليم بمنسوب الإستفزازات الذي تصاعد من ثلاث سنوات إلى اليوم، من قمع للرأي الآخر وطمس لحقوق الآخر وتعطيل وتسويف.
ما حصل البارحة هو انفجار البركان الذي كان يتمخض بسبب تعنت فريق مقابل مطالب آخر فكان عليك أن توازن بين الأفرقاء وتتوازن في ضبط إيقاع التهم والوصف وأن تعود فعلاً أباً للكل وليس والد بالتبني لفئة دون أخرى.
هذا البلد فخامة الرئيس لا يمكنه أن يُقسم فئوياً ولا يمكن بالتأكيد أن تكون طرفاً مع أحد دون آخر ناهيك عن الصبغة الطائفية، موقفك لم يُثلج صدورنا وربما همومنا وهواجسنا زادت بعد كلامك فخطابك كان على قاب قوسين من الإنحياز غير المشروط لطرف على آخر، ولكي لا يخاف المسيحي عليك أن تفعل له شيئاً وإلا فإنه سيكون أشرس وأعتى مدافع عن شوارعه ومناطقه إلى حد لا يمكن لأحد وصفه ولكن التاريخ يشهد.