هكذا يتم تعيين المحقق العدلي وهكذا يُردّ ويُستبدل..

  • شارك هذا الخبر
Thursday, October 14, 2021

نشر "منبر النهار" مطالعة للقاضي حاتم ماضي والمحامية جوديت التيني جاء فيها: المشكلة الكبرى التي واجهت القضاء اللبناني وما تزال هي في معرفة ما إذا كان يجوز "رد" المحقق العدلي وكيف السبيل الى ذلك؟!


بدايةً لا بد من شرحٍ موجزٍ لمسألة تنحية القضاة وردّهم بحسب القانون اللبناني:

أ‌-انّ مسألة رد القضاة وتنحيتهم منصوص عليها فقط في قانون اصول المحاكمات المدنية (المادة 120 وما يليها).

ب- لم يتضمّن قانون اصول المحاكمات المدنية اي إشارة الى موضوع رد او تنحية "قاضي التحقيق" سواء كان "محققاً عدلياً" او "محققاً عادياً"، وهذا طبيعي لان لا وجود لمركز "قاضي تحقيق" في القانون المدني.

ج- لكن المادة 128/ اصول مدنية تكلمت عن تنحية النائب العام. ولهذا كان على القضاة ان يستعينوا بهذه المادة ويطبقوها كل مرّة يكون فيها القاضي المطلوب رده او تنحيته هو قاضي تحقيق قياساً على ما هو مقرّر في موضوع النائب العام.

لكن المشكلة تصبح أكثر تعقيداً عندما يكون القاضي المطلوب رده هو المحقق العدلي!!!

هنا اصيبت المحاكم ببعض الضياع اذ اختلط عليها الامر لأنها كانت مدعوّة للتمييز بين "نقل الدعوى" وبين "رد القاضي" (ولو كانت النتيجة واحدة)، لأنه في حالة "نقل الدعوى" او نقل القاضي يكون القاضي البديل، او المحكمة البديلة، موجوداً مسبقاً، اما في حالة "رد القاضي" إذا كان محققاً عدلياً، فانّ القاضي البديل الذي ستولى اليه مهمّة التحقيق ليس موجوداً مسبقاً، وهنا يقتضي الامر ان يقترح وزير العدل على مجلس القضاء الاعلى اسم أحد القضاة ليكون محققاً عدلياً، فاذا ما تمت الموافقة على هذا الاسم كان هو المحقق العدلي.

أما المعضلة الاكبر فهي في معرفة نوع المحكمة الصالحة لتقرر "الرد" ودرجتها في ضوء عدم وجود نص في القانون يحدّد مثل هذا الامر.

واجهت المحاكم اللبنانية هذا الموضوع للمرة الاولى في مناسبة حادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. ففي العام 2007 تقدّم أصحاب العلاقة من محكمة استئناف بيروت المدنية بطلب "رد" المحقق العدلي المعيّن وفقاً للأصول. لكن المحكمة ردت الطلب لعدم اختصاصها النوعي.

من ثمّ تقدّم أصحاب العلاقة بالطلب نفسه، ولكن هذه المرة امام محكمة التمييز الجزائية التي استجابت للطلب وقرّرت "رد" المحقق العدلي متجاهلةً قواعد قانونية بديهية مثل سبق الادعاء المدني وكيف وضعت يدها على الدعوى وكيف يحق لها ان ترد قاضياً ليس من قضاتها... وكأنه كان المطلوب رد المحقق العدلي ولو من خلال "هرطقة" قانونية لا سابق لها.

بعد مضيّ سنوات عدة وقعت جريمة تفجير #مرفأ بيروت وتقدم اصحاب العلاقة في المرة الاولى من محكمة التمييز الجزائية بطلب رد المحقق العدلي (على غرار ما حصل في قضية الرئيس الحريري) فاستجابت المحكمة للطلب متجاهلةً هي الاخرى ما سبق وتجاهلته في القضية الأولى. وعُيّن محقق عدلي جديد.

ومرّة جديدة تقدّم أحد اصحاب العلاقة بطلب رد المحقق العدلي الثاني ولكن هذه المرة امام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت التي ردّت الطلب لعدم الاختصاص النوعي.

تبنّت محكمة التمييز المدنية في بيروت موقف محكمة الاستئناف المدنية وردّت طلب الرد شكلاً.

لكن فريقاً آخر من الخصوم في الدعوى تقدّم بدعوى رد المحقق العدلي امام محكمة التمييز الجزائية لكن القرار لم يصدر بعد.

لذلك، فإننا من جهتنا نرى انّ القرارات السابقة الصادرة عن محكمة التمييز الجزائية هي قرارات غير قانونية ومخالفة لأبسط القواعد والمبادئ وتشكّل في حال تكرارها سوابق اجتهادية شديدة الخطورة وذلك للأسباب الآتية:

اولاً: انّ المحقق العدلي هو محقق خاص Ad Hoc لا يشبه في شيء اي قاضي تحقيق آخر.

ثانياً: انّ المجلس العدلي هو محكمة خاصة لا تشبه في شيء محكمة التمييز الجزائية ولا توازيها مرتبة

ثالثاً: انّ تنحية أو رد المحقق العدلي لا يجوز ان تتم بالطريقة ذاتها التي يرد بها المحقق العادي احتراماً لقاعدة موازاة الصيغ parallélisme des formes.

رابعاً: انّ المجلس العدلي هو قرار سياسي في شأن قضائي تتخذه الحكومة عندما تكون الجريمة ماسّة بأمن الدولة، وبالتالي يجب ان تبقى لهذه الحكومة وحدها صلاحية رد المحقق العدلي وتعيين بديل منه بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى تطبيقاً لمبدأ موازاة الصيغ.

ويجب ان تبقى هذه القاعدة معمولاً بها الى ان يتدخّل المشرّع بنص قانوني مغاير.