د.محي الدين الشحيمي- الحكومة الجديدة بين التفوق في الثقة البركسيتية على الفرنسية والتقدم النفوذ الفرنسي في الشرق الاوسط
شارك هذا الخبر
Tuesday, September 28, 2021
نحن في خضم مجموعة من المتناقضات التحالفية والتي فرضت نفسها على الساحة اللبنانية , حيث فئة في الأصل مستشرسة لكي تعود لفترة غابرة في النظام اللبناني لفترة الجمهورية اللبنانية الأولى ومرحلة ما قبل الطائف , وهنالك أخرى والتي تسعى وتعمل بكل كد ووضوح لتغيير محوري في النظام السياسي اللبناني من المثالثة وما يتوافق معها من أضغاث أحلام , وهما في الذات الفريقان والذين اجتمعا في الجوهر على "هدف نخري" مشترك وهو تفتيت الجمهورية الثانية "جمهورية الطائف" , ولكن مع وجود فجوة كبيرة بينهما لجهة الاستراتيجية النهائية لكليهما , والذي ينعكس بشكل مشهود على التكتيك الوهمي والبيانات النافرة اعلاميا في مدركات التوصيف السياسي الراهن, بشكل خبيث كالسراب لا حقيقة لها بمفاعيل مخدرة للشعب والمجتمع محليا . اما اقليميا ودوليا فواقع الأمر جد مختلف لحدود اللامنطق في التعاطي , وخصوصا ما فرضته خاتمة الأحداث توجسا لجهة العمق العربي وخصوصا لناحية المملكة العربية السعودية ومصر, حيث أن المجتمع الدولي وخصوصا فرنسا لا يريد تناقضا مع المملكة العربية وهو ما نتج في احدى الحلقات الأخيرة من مسلسل صفقة الغواصات . لقد برز التبدل في جلد الاولويات الجذرية والنقاط الحاسمة مؤخرا , حيث قد طرأ تغييرا بشكل السلطة في ايران مع تبدل مشهود بشكل ادارة الحكم في افغانستان مع الانسحاب الاميركي الصادم روسيا وصينيا وصعود طالبان الجديدة , اضافة الى تغير واضح في الاولويات الاميركية بادارتها الجديدة , فيما يخص طريقة التعامل النظام السوري و كيفية التعامل مع السلطة الايرانية , فالانسحاب الأميركي من افغانستان نفس متجدد واوكسيجين لصالح ايران وعبء تشاركي على الدب الروسي والتنين الصيني , وكذلك الامر بالنسبة للانسحاب الأميركي المتدرج تنازليا لكثيرمن الملفات في المنطقة من العراق وسوريا , وهي تسليفة لفرنسا كتعويض عن البلبلة والتي احاطت بصفقة الغواصات الكبرى وبأن تصبح فرنسا هي ذاتها الممسكة في ورقة لبنان باجماع دولي وهي أيضا قائدة الاوركسترا في الشرق الأوسط . لذلك تم التقارب الايراني – الفرنسي بتوافق أميركي كبادرة لحسن النية فيما يخص ولادة الحكومة اللبنانية , على أن تكمل فرنسا جمال نواياها والمجتمع الدولي في النمسا وكواليس مفاوضات الاتفاق النووي , وما يتفرع منه لمستقبل العلاقة الاوروبية وبهدف وحيد للسلطة الايرانية وهو في ان تحصل على اعتراف مؤسس لمرحلة مغايرة وموقع دولي جديد , مع ترتيب متوازن وحتى فوري للعلاقة مع أميركا , فالاتحاد الاوروبي يدعو بشكل حثيث لتمتين الثقة وتعبيدها أكثر مع الولايات المتحدة وخصوصا بين فرنسا وأميركا والفرصة مؤاتية لتقارب الادارتين الحالي واكثر من اي وقت مضى . فلم تعد الاولوية لتشكيل الحكومة في الفترات الأخيرة بالرغم من انها الهدف المنشود , بل اصبحت الاستحقاقات الدستورية هي كذلك وأعني هنا بالانتخابات النيابية والرئاسية باستبعاد للانتخابات البلدية والتي سوف تؤجل , حيث تلمست الادارة الفرنسية المصلحة من نقل أميركا أولوياتها لاراحة منطقة الشرق الاوسط قليلا , اذا انتقل الاحتقان والغليان عمليا الى افغانستان ومحيطها من الدول, اذ شكل هذا الانسحاب الأميركي صدمة لكل من روسيا والصين لا تقل عن الصدمة الاقتصادية والتي تلقتها الصين مؤخرا في مشكلة مديونية السوق العقاري والمهددة ضمنا للاقتصاد الصيني وسياستها والاستقرار المتوازن في العالم , اذ هي فقاعة لا يستهان بها ابدا وسوف تؤثر بمختلف المناطق من العالم . فمنطقة الشرق الاوسط وحوضها الشرقي المتوسطي قادمة على استحقاقات مهمة وكبرى ذات طابع التجاري والاستثماري في قطاعات سيادية متعددة ومنها ( النفط والغاز ) , والتي تستوجب ان تحظى بمناخ استقراري لافساح المجال أمام الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات لكي تمارس نشاطها ومساعدتها في مسيرتها الطويلة لجني الأرباح وتحقيق المكتسبات المتبادلة , حيث انها تعمل ضمن معايير دقيقة وآليات ثابتة , فالتغيير في الأولوية الاميركية (وقبة باطها) اتفاقيا هو الذي ادى الى تطبيق الثغرات القانونية والتي يحتويها قانون قيصر والاستفادة منها لاعفاء مصر والأردن والعراق من عواقبه واستجرار الغاز عبر سوريا , وذلك ما يدخل في صميم الخلاف الكبير مؤخرا بين كل من الولايات المتحدة الاميركية واستراليا من جهة وفرنسا من الجهة المقابلة , مع امتعاض فرنسي من الانكليز الا أن الاحداث تأخذ وقتها الطبيعي نحو الحل والمشكلة ليست سوى حفظ معنوي لماء الوجه يتخلله حكما بعض اللوم السياسي والعتب الدبلوماسي والتفاوضي . فالتغير في جوهر الصفقة هو ما يدخل في صميم الأولويات المتغيرة والفارضة لنفسها , حيث أن ساحة المواجهة قد تغيرت والأولويات الأميركية قد تبدلت وهي " الصين أولا " وساحة الحسم المركزية هي المنطقة البحرية لمرج المحيطين والتي تعتبرها الولايات المتحدة ركن أساسي من مجالها الحيوي وأمنها القومي الأممي , ذلك أن ما يضمر من خلال هذا الاتفاق الجديد والذي يجمع ( أميركا – استراليا – بريطانيا ) هي تعليمة على حلف شمال الأطلسي والموقع العام من الاطار التنفيذي لصنع قرارات الاتحاد الاوروبي , لحصر مهام النيتو قاريا واقليميا ضمن القارة العجوز كملف لخلق التوازن أمام الدب الروسي من جهة , ولمكافحة الارهاب وهجماته المستذئبة من جهة مقابلة , ولاعطاء بريطانيا البركسيتية بالمقابل جائزتها الموعودة بها على اثر خروجها من الاتحاد الاوروبي والاعتراف بها كحليف استراتيجي ثابت في المرحلة المقبلة , حيث أنها تحظى بثقة أكثر من الجانب الفرنسي ذلك أن الادارة الفرنسية متمايزة في السياسة الخارجية والدولية بشكل اتفاقي مع أميركا وهو جزء من توزيع الأدوار لجهة التنسيق في علاقتها الدولية مع ايران والصين والشرق الأوسط والخليج . فكل تلك الأحداث والوقائع تقاطعت لتنشئ في لبنان ما يعرف بتلاحم الأضداد ونظرية التقاء النقيضين بالاتفاق على مجسم تشكيلي كي لا اقول " شكلي " لحكومة ربما تستطيع أو تكاد أن تلجم المد السطحي للأزمة ولو ظاهريا بالتخدير للوضع العام وتحقق بالمواربة وتمديد الوقت نوعا من الاستقرار المريض والذي سيزيد من الانهيار , الا أن الأمر لم يستقيم الا اذا طبقت هذه الحكومة الخطة الأساسية من الحوكمة والاصلاح الاداري والمؤسساتي والمالي والاقتصادي وما قد تم تبليغه لأسلافهم , وهي المدخل الوحيد للثقة والتعافي بسلوك واضح وفعال وناجع مع الجهات الدولية , بوجود تفاوض مرن وذكي مع المؤسسات الدولية (صندوق النقد ) والصناديق الاستثمارية ,مع فن ابتكار الحلول والتي تعتبر للأسف بعيدة المنال بسبب النماذج الروتينة وطريقة التفكير الكلاسيكية والقصور المؤسساتي . هي اذا حكومة "العازة " غير المنتظرة وفرنسا تعلم كل العلم اضافة للآخرين بأن هذه الحكومة بنصف معطل وأكثر وليست فقط بالثلث , الا أن الاتفاق الأساسي والى الآن هو في عدم التعطيل مرحليا لأن هذه الحكومة ليست سوى مثبت للحرارة ولو اننا نتمنى أن تكون مختلفة نوعا ما , وخصوصا لأنها تضم بعض الشخصيات والذين من المفترض أن يخلقوا فارقا ولو بالحد الأدنى , لذلك لن نقوم بجلدها حاليا لأن "الضرب بالميت حرام " فالحرص كل الحرص على تثبيت الخطوات وقراءة الأحداث بتكتيك واتباع المنهج الاستراتيجي في اتخاذ اي قرار . فلا وجود هنا لسياسة الانتقام بالمعنى الحرفي والدقيق وانما هنالك ارتفاع لوتيرة التنافس الفعال والنفوذ الفرنسي في المنطقة وهو أمر منسق ومضبوط تحت مظلة التفاهم الأممي والدولي العريض , فلا مكان للمواجهات العبثية والذلات العشوائية والعصبيات الظرفية الارتجالية فيما بين الدولتين فكل ما يصار اليه هو ضمن التعامل السياسي والشراكة الاستراتيجية والتي لا تخلو من العواقب والمطبات , فهنالك حاجة للاستقرار في المنطقة مع الاعتراف بحالة من التمايز المنظم للسياسة الفرنسية عن السياسة الاميركية ضمن الأطر السياسية والدبلوماسية والتي تشكل حاجة للطرفين مع استمرار أميركا في اعتمادها على فرنسا في المنطقة بنفس معيار الثقة لأنها هي بذاتها ( أميركا) منشغلة بمنطقة أخرى اي ( الصين ) . تعلم فرنسا وبيقين تام بأن مجموعة المتناقضات هي التي تقاطعت محليا ودوليا مفرجة عن هذا المخلوق الحكومي والذي نتمنى أن لا يكون مشوها خلقيا وتنفيذيا وعمليا كالحكومة السابقة, حيث اللامتناغمات الصريحة وحتى فيما بين الحلفاء قبل الأخصام بخطط عالية السقف والتي تحاك بعدة فرضيات , جلها جمد وعلى حين غفلة في "ليلة ليلاء" وبناءا على معطيات قمرية جدية منذرة بسخونة الوضع اللبناني وخطورة ساحته وحماوته وطواعيته لانفلاتات مختلفة, تعتبر تكريسا لحالة لااستقرارية غير محتملة ولا يمكن لأحد لا محليا ولا حتى اقليميا أو دوليا أن يتحمل وزرها , فكانت هذه الولادة ولو من الخاصرة .