خاص- لم تعد بشري حديقة خلفية لقصر معراب... محمد المدني

  • شارك هذا الخبر
Saturday, September 4, 2021

خاص- الكلمة أونلاين
محمد المدني

في الطريق إلى بشري تطالعك لافتات ترحيبية لشخصك من نائبي بشري ستريدا طوق جعجع وجوزف اسحق ، تكاد تعتقد معها أنك في زيارة خاصة إلى دارتهما! أو أنهما ينفردان بملكية الدار... ولكن الدخول إلى قرى وبلدات جبة بشري وأحياء المدينة سرعان ما يبدِّل المشهد ويكشف النقاب عن حقيقة الواقع السياسي لـ "مدينة المقدمين" التي تنتشر في غالبية أحيائها وساحاتها صور الشاب البشراوي وليم جبران طوق مذيّـلة بعبارات من العيار السياسي الثقيل كمثل "أنت وحدك... قدّن كلّن" و"بنحبـك" وذلك بما يؤشر أن المنطقة لم تعد "الحديقة الخلفية لقصر معراب" أو على الأقل فهي لم تعد "الإمارة الخاصة" لسيدة القصر! على حد تعبير أوساط معارضة لمعراب في المنطقة، لا سيما في ضوء نتائج الانتخابات النيابة الاخيرة عام 2018 وحقيقة ما حملته أرقامها من دلالات سياسية واضحة رافقت الإنطلاقة الديناميكية الواعدة والإطلالة السياسية الأولى لوليم طوق في المنطقة.

هل تشكّل الانتخابات النيابية الموعودة محطة لإعادة إحكام سيدة معراب قبضتها على جبة بشري..؟! أم أنها ستحمل معها فرصة جدية تتيح لتحالف وليم طوق وشباب المنطقة الخارجين عن "طاعة قصر معراب" تثبيت وجودهم السياسي المتنامي وانتزاع مقعد نيابي في دائرة انتخابية ستشهد حتماً "أم المعارك" الملتهبة بالنظر لاحتوائها على جميع المرشحين للسباق إلى القصر الرئاسي فقيادة معراب لن تسمح بأي اختراق أو اهتزاز لقبضتها على عرش القرار السياسي والإداري في قضاء بشري وهي التي تنفرد بتمثيله النيابي منذ العام 2005 وبغالبية المجالس البلدية فيه منذ العام 1998 وتجاهر باعتباره "عقر دارها"، هذا فيما التحالف السياسي المولود مطلع العام 2018 بين وليم طوق وشباب بشري وسائر بلدات القضاء يتحضّر لإحداث "صدمة تغييرية" تحاكي نبض ثورة 17 تشرين ومعاناة أهل قضاء بشري وحاجتهم وذلك بواقعية سياسية بعيداً عن "إجترار الشعارات السياسية الفارغة" في محاولة لزعزعة المنظومة القابضة على القرار السياسي وسائر المرافق الإدارية والرسمية في قضاء بشري وهي شريكاً أساسياً أو غطاءً أساسياً للطبقة السياسية المتحكمة بالبلاد منذ العام 2005 بكل ما آلت إليه من خراب ومآسي.

إذاً، وبمعزل عما ستؤول إليه نتائج الاستحقاق الانتخابي المقبل... فإن قضاء بشري يتحضّر لمنازلة غير مسبوقة في تاريخ الصراع السياسي فيه وذلك بالنظر لعامل التكافؤ المستجد (للمرة الأولى) بين الفريقين السياسيين الاساسيين المتنافسين في المنطقة.

كيف تبدو خارطة الواقع السياسي في بشري قبيل أشهر قليلة من منازلة الإنتخابات النيابية المقبلة؟

تشير المعطيات المتقاطعة من عدة مصادر مطلعة على الواقع السياسي لمنطقة بشري:

- أن قيادة معراب واصلت منذ العام 2005 تنفيذ "تصفية ممنهجة" بحق عدد كبير من الناشطين والمسؤولين الحزبيين كما بحق بعض الشخصيات المقرّبة للحزب وذلك بالإقصاء حيناً أو بالتخوين احياناً الامر الذي انعكس تراجعاً ملحوظاً في سطوة معراب على الواقع السياسي لمدينة بشري وبعض قرى القضاء، وراكم من أخطائها في الأداء واضطرها عند كل استحقاق انتخابي محلّي (بلدية، مخاتير... إلـخ) للإستعانة بأشخاص من خارج الصف القوّاتي و"استثمارهم" بهدف شق وشرذمة صفوف العائلات الاساسية داخل بشري من جهة وزرع الخلافات بينها لتبديل قواعد الإشتباك من جهة اخرى وتعويم السطوة الحزبية في هذه الإستحقاقات ومن ثم التخلّي عن هؤلاء الأشخاص بعد الاستغناء عن خدماتهم والبحث عن آخرين، وهذا ما انعكس تراجعاً متمادياً في نتائج الانتخابات النيابية وفي عدد الأصوات التي تحصدها سيدة معراب ومن ترتأي اختياره الى جانبها في خوض السباق النيابي.

أما في المقلب الآخر من المشهد السياسي، فثمة حراك شبابي انطلق في مواجهة قرار معراب داخل منطقة بشري منذ العام 2004 وذلك عشية الانتخابات البلدية التي شهدت حينها وللمرة الاولى تسجيل "أولى المواجهة العنيفة وغير المسبوقة" بين مجموعة من شباب بشري وبيــــــــن "تحالف الضرورة المستجد" آنذاك لستريدا جعجع وسعيد طوق لتأمين فوز لائحة ترأسها الأخير وبفارق أصوات هزيل مقارنةً مع الفوز الكاسح الذي كانت قد حققته لائحة القوات في استحقاق 1998، ثم توالت بعد ذلك سلسلة المواجهات السياسية والانتخابية في المدينة على إيقاع مراكمة قيادة معراب لأخطائها المتتالية واستهدافها لشخصيات تتمتع بمكانة داخل الوجدان البشراوي عموماً في مقابل "عملية رصّ للصفوف" نفّذها شباب بشري وهي لاقت تأييداً من بعض الشخصيات السياسية والعائلية في المدينة وذلك بما أسفر عن تسجيل أول سقوط مدوٍّ وغير مسبوق لمرشحي معراب في الانتخابات الإختيارية لدورتي العامين 2010 و2016 على التوالي وتحديداً في حي مار سابا وحي السيدة الذي يشكّل أحد أكبر أحياء المدينة ويضم أكثر من نصف عدد ناخبيها بحيث تمكّن كل من المرشّح زياد طوق إبن الـ 25 عاماً وحفيد منصور معوض طوق المعروف بـ "مختـار المخاتير" في جبة بشري من انتزاع المقعد الاختياري في حي السيدة في العام 2010 والاحتفاظ به حتى تاريخه خلافاً لتعليمات القصر في معراب حاصداً تأييد الأكثرية الساحقة من الناخبين بمن فيهم القواتيين الذين لم يلبّـوا نداء معراب في تصفية الخارجين عن طاعتها. كذلك نجح المرشح إميل لحود رحمة وهو شقيق أحد أصغر شهداء القوات سناً من انتزاع المقعد الإختياري في حي مار سابا.

وما بين العامين 2010 و2016، وتحديداً قبيل إقفال باب الترشيح للانتخابات النيابية التي كان مزمعاً إجراؤها في صيف العام 2013؛ جاء ترشّح الناشط السياسي والمحامي طوني الشدياق بمثابة "صفـارة إنذار" لإعلان "انتهاء مرحلة المزاح" في العمل السياسي داخل المدينة ورفع سقف المواجهة استكمالاً لمنازلة الانتخابات البلدية عام 2004 والانتخابات الاختيارية عام 2010 والتي كان للشدياق بصمات واضحة في هندسة سيرها وادارتها الى جانب فريق من "رفاق النضال" (بحسب الاوساط المتابعة) لا سيما وأن ترشحه للانتخابات النيابية آنذاك جاء وللمرة الاولى خارج الاصطفاف التقليدي لفريقي الصراع في المنطقة (أي قيادة معراب والشخصيات السياسية التي اعتادت الترشح في المدينة على حد سواء).

منذ مطلع العام 2018، بدأت معالم "المواجهة السياسية الحادة" ترتسم وتنذر بمنازلة انتخابية نيابية غير مسبوقة قد تكون الأكثر جدية وتكافؤاً بين القوى السياسية في منطقة بشري، لا سيما بعد أن تظهرت معالم التفاهم والتحالف الواضح بين الحطاب السياسي الثابت لشباب بشري الذي عبّر عنه وتولى تظهيره أمين عام حركة "جمهورية نحو الحرية" المحامي طوني الشدياق في احتفال إطلاق الحركة في شباط 2018 وبين المشروع السياسي الواعد الذي رافق الاطلالة الأولى لوليم طوق. الأمر الذي انعكس تحالفاً سياسياً عابر للاستحقاقات الانتخابية بين الفريقين انطلق بإعلان وليم طوق مرشحاً لخوض انتخابات 2018 النيابية في مهرجان سياسي حاشد، أربك لجهة طبيعة ونوعية الخطاب السياسي والحضور الشبابي فيه ماكينة معراب الانتخابية، وأقفل الابواب في وجه "رصاص التخوين" التي اعتادت استخدامه في الحالات المشابهة وانتزع منها فرصة الإنقضاض على المنافسين التقليديين لها في بشري ، الامر الذي انعكس في الاستحقاق الانتخابي تأييداً له من مختلف عائلات بشري وبلدات القضاء وترافق مع إعلان الشيخ روي عيسى الخوري تجيير أصواته التفضيلية لصالح وليم طوق وذلك في خطوة عكست تكاتف مختلف القوى والشرائح البشراوية بأهمية انطلاق مشروع تغييري في المنطقة يتجاوز لعبة الشعارات السياسية التي تنطلق لحشد الغرائز قبيل كل استحقاق انتخابي.

وبالفعل، فقد جاءت نتائج انتخابات 2018 النيابية لتكرِّس الفوز السياسي لوليم طوق وحلفائه بما تجاوز "المقعد النيابي" في بشري. ولعل "كتم الانفاس لساعات طويلة" منتصف ليل إعلان النتائج في 7/5/2018 والتجهّم الذي انعكس سواداً على وجوه "مرشّحي معراب" في مقر الماكينة الانتخابية في بشري (بحسب شهود عيان) شكّلا الدليل على وقع المفاجأة التي حققها وليم طوق حاصداً ما يقارب /5,000/ صوتاً تفضيلياً الامر الذي استدعى "ضبضبة" المفرقعات النارية التي كانت تتوزع حول مقر إقامة سيدة معراب في بشري والمغادرة على عجل.

قيادة معراب لم تخفِ إنزعاجها من تداعيات الإطلالة الأولى لوليم طوق وفي حين راهنت على انكفاء الرجل بعد الإستحقاق الانتخابي بدا وليم طوق أكثر إصراراً والتزاماً وجدية بما كرّسته الانتخابات من تحالف استراتيجي مع أهل بشري وبلدات القضاء على قاعدة "بشري الجبة بتستاهل" وهو بدا صادقاً فيما وعد لجهة أن "مشروعنا السياسي ينطلق بعد 7 أيار" وكرّت من بعدها سبحة المشاريع التنموية التي جاءت بعنوان "الاستثمار في البشر لا الحجر" وذلك برغم الظروف والتداعيات الصعبة التي قوّضت النشاط السياسي في المنطقة وضاعفت من مآسي الناس ومعاناتهم بعد 17 تشرين فضلاً عن انتشار وباء كورونا غير أن ذلك لم يحلّ دون إطلاق سلسلة مشاريع تصبّ في معادلة "ان الجمهورية القوية كما الدولة القوية هي التي تتركز على تقوية وتعزيز مقومات صمود الناس في أرضهم وترسيخ هذا الصمود بحرية وكرامة" ومن ذلك مثلاً دعم المزارعين ومدّهم بالأسمدة والزرع كما وتصريف انتاج التفاح في منطقة بشري/الجبة، واطلاق خطة دعم قطاع التعليم بتسديد الاقساط المدرسية عن جميع العائلات التي يتجاوز عدد ابنائها من الطلاب الإثنان كل ذلك بتمويل شخصي وخاص من وليم طوق ومباشرة لإدارة المدارس دون إخضاع أولياء أمر الطلاب لامتحان ولاء أو باستدعائهم إلى مكاتبه وأخذ تواقيعهم!! فضلاً عن ذلك فقد موّل وليم طوق كامل ميزانية القسم الثانوي في مدرسة الآباء الأنطونيين في حصرون لتأمين استمرارية القسم المذكور للسنة الثانية على التوالي بعد ان كان مهدداً بالإقفال وتشريد طلابه والجهاز التعليمي فيه. كل ذلك فيما تجهد قيادة معراب وتواصل نشاطها في المنطقة وتعتبر أوساطها انها حققت نقلة إنمائية نوعية وغير مسبوقة فيها.

وعليه، يبقى السؤال كيف ستتوزع خارطة التحالفات الانتخابية لدورة 2022؟ في ظل خلط الأوراق الذي تشهده الحركة السياسية عموماً وهل ينجح وليم طوق في تثبيت موقع سياسي متقدّم ومتمايز في دائرة انتخابية هي أشبه ببركان تحتدم فيه حمم الصراع المستعر بين جميع الطامحين بسلوك طريق قصر بعبدا؟؟!

وهل تنجح الحركة السياسية التي يقودها وليم طوق في محاكاة الحراك الشعبي المستجد ما بعد 17 تشرين وتوحيد صفوف الناشطين في المنطقة لخوض معركة سياسية من العيار الثقيل؟ وحدها الأيام والأشهر القادمة ستحمل الإجابات عن هذه التساؤلات.