ما شهده لبنان في 17 تشرين لم يكن حراكاً شعبياً، بل حدثاً تاريخياً أدهش العالم و ما فاجأ الجميع كان غضب و تمرد الشعب اللبناني الذي قلب جميع المعايير. انها ولا بد من أن تسمى ثورة حتى لو لم تكن تتسم إلا بمعيار معين من العنف.
إنه حدث ستعيشه الأجيال القادمة.
أولاً، وفي فهموم كلمة حراك شعبي، لا يمكن إلا أن يستمر لبضعة أيام سلمياً وعبر منظمات أو عبر إتحاد العمال و طبعاً ليس له إلا أن ينتهي بتفاوض مع السلطة التنفيذية ليسمى بالفعل حراكاً شعبياً . فما شهدناه في 17 تشرين هو إنتفاضة شعب لم يكن في يده إلا أن يعبر عن غضبه و أن يتمرد في كل الشوارع من ظلم الحكام وأصحاب النفوذ دام ثلاثون سنة. فهذا الغضب إنتشر كفيضان ال Tsunami و هز الكيان اللبناني.
حتى الآن لم يحصل أي عصيانٍ مدني ليسمى بالحراك، بل لجأ الشعب إلى حركات شبه سلمية كاحرق اطارات لمدة اسابيع و مواجهةٌ عنيفة مع أصحاب السلطة الذين لجؤا إلى تدخل عناصر الأمن لحمايتهم.
ففي هذا التاريخ، و في مفارقة مهمة عن أبناء لبنان الغارق في سباتٍ عميق، بدأ قلب الوطن ينبض بشغف لا مثيل له لينتعش من عمر الشباب ويتجدد من روحهم المندفق فيه أمل و حيوية. وعكس كل ما قيل بان الثورة قتلت الوطن، الثورة بالذات احيته من جديد كالقيامة من الموت . إذا و لا بد اردتم وأردت عزيزي أنطوان أن تقولوا أن الثورة اسقطت بيروت، ففي ظل إنتفاضة شعبٍ لم تسقط بيروت لتموت، بل سقطت لتحيا وتنتفض من جديد بربيع حياة الشباب المطالبين بحقوقهم. ولكن للاسف سقوط بيروت في الرابع من آب هو حتماً لعنة التاريخ على يد المنظومة و اتباعها والمستفيدين منها . فالسقوط ليس من إنتفاضة شعب، بل من إهمال وقلة مسؤولية دولة اللتي أدت من كبيرهم إلى صغيرهم ترقد إلى مستوى جريمة حرب.
وهل كان الشعب على حق؟
علمياً، يوجد عدد من المفاهيم لمعنى وتفسير للحراك الشعبي حيث هذا الحراك يعود مطالباً بتعديلات على قوانين في الأساس مطابقة وملتزمة مع المجتمع الدولي كما نشهده دائماً في اوروبا اللتي تتبع غطاء نظام يعطي حقوق الانسان أدناه و هو lلحق للحياة بالعيش الكريم.
أما ما شهدناه من تمرد في 17 تشرين هي حركة ثورية إذا أصح القول، حيث أن الشعب غير راض عن نمط عيشه وغير قادر على لقمة عيشه و مطالب بنوعية حياة تشمل أدناها الكرامة. أهذه المطالب سياسية أو شعبية وإنسانية؟ إن نظرتي لتسابق الامور هي أن الثورة ولا بد من نجاحها إذا كانت ثورة شعبية مستقلة مدافعة عن حقوقها ، فمن المستحيل أن تبقى شعوب نائمة وراضية بالرجوع للخلف ،التغيير قد يأخذ وقته ولكنه حتماً آت، فالتمسك بالثورة هو الخلاص الوحيد.
ورداً على مقولك بأن الثورة فقط جعلت جبران باسيل الأكثر كرها في لبنان فانت مخطئ ، هل يتم تشكيل حكومة؟ كلا. فهل الثقة قابلة لأن نقع في نفس التجربة ؟ و أليس الثورة على حق في جعل جبران الانسان الأكثر كرهاً في لبنان في ظل أزمة الكهرباء؟
ففي الختام أود أن اشدد على أن الثورة كانت بداية العصر التنوير Age OF Enlightenment لكل لبناني أكان في لبنان أو في الغربة و قمعها بأدات تكميم الأفواه جعلتها مضطهدة. ولكن علمياً وعبر التاريخ، الثورة لا بد لها أن تأتي بعدة مراحل لكسر جدران الظلم. فالحائط في بلاد الشرق هو حائط غير مرئي وحذاري أن ندخل في مرحلة الاشتراكية (Socialism) كي لا تعد ذكرى حائط برلين . فتسمية الثورة بالحراك الشعبي هو بالفعل مسخرة (اعتذر عن قوة التعبير).الحراك الشعبي أو ما يعرف Popular Movement أو Social Movement له مفهوم ثانٍ. هل نحن نشهد حراكاً مدنياً؟ نعم، حراكاً لأمهات و أهالي ضحايا 4 آب المشؤوم. هذا ما يعرف بالحراك المدني. ففي إنتظار ما قد يأتي لاحقاً آمل أن النتائج ولا بد أن تأتي إيجابية و لو بعد حين، فتذكروا أن التغيير هي دربٌ كدرب النجاح، طويل وشاق. إنه أشبه برحلة تبدأ بخطوة واحدة تلو الاخرى ... وليس ماراثوناً.