د. ميشال الشماعي - إنفجار الإنسانيّة في بيروت

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, August 4, 2021

نداء الوطن

يومٌ كُلِّلَ بالنارِ والعارِ والخزي طبعَ لبنانَ ووسمَ العالمَ بأسرِه، وسيبقى طالما بقيت حياة. لن يستطيعَ أحدٌ محوَهُ من الذاكرة الجماعيّة للوطن حتّى انقضاء الدّهر. هذه الذكرى الأولى التي نرفعُ فيها صلاتَنا بخوراً عن أرواح موتانا في هذا النّهار الأليم، ليشفعوا فينا علَّ تضحياتهم هذه، تكون قرباناً لخلاص لبنان، وعودة الدّولة إلى الدّولة بعودة سيادتها الكاملة، وإنجاز استقلالها الحقيقي، ليعود لبنان وطن الحرّيّة والانسان والكرامة. فهل اتّعظ اللبنانيّون من هذه الذكرى؟ وما هو السبيل لإنقاذ الدّولة؟

في ذلك اليوم البغيض سقطت الإنسانيّة في سقطة جهنّميّة لأنّها لم تهبّ إلى إنقاذ بيروت قبل وقوع الفاجعة. دول العالم كلّه تعرف ماذا يحدث في لبنان. وتعرف أيضاً مَن أدخل النيترات إلى مرفأ بيروت، ومَن أخرج كميات منه، وأوصلها إلى النّظام السوري ليقتل شعبه ببراميل مملوءة فيه، ولم تحرّك ساكناً. فيما المطلوب كان حراكاً دولياً استباقياً قبل وقوع الكارثة، لا سيّما وأنّ معظم المسؤولين الموجودين في مواقع القرار كانوا على علم بالموجودات وخطورتها بعد التقارير التي تلقّوها من الأجهزة اللبنانيّة المولجة حماية المرفأ. لكنّ هؤلاء جميعهم لم يملكوا ذرّة من الجرأة ليقولوا الحقيقة، لو أنّها صعبة. فتركوا بيروت لتتلقّى صدمة نكرانهم لهذه الحقيقة وإهمالهم إيّاها، ظنّاً منهم أنّهم سيستطيعون الإفلات من العقاب، كما اعتادوا دائماً، لأنّهم الحكم والحاكم في الوقت عينه.

وعلى قاعدة «لوكنت أعلم» لما كنت تصرّفت هكذا، وقعت الفاجعة التي لم يدرك أحد مدى فداحتها إلا بعد وقوعها. وجدانيّاً، الألم أكبر من أن يوصَف أو يُكتَب عنه لأنّه كيفما وُصِفَ ومهما كُتِبَ لن يجسّدَ حقيقة ما حصل. أمّا في السياسة فلا يمكن إغفال أيّ تحليل سياسي حول هذه الواقعة لأنّ التحاليل كلّها يمكن أن تخدم القضيّة في مكان ما، حتّى لو كان بعضها بهدف التضليل، قد يظهر حقيقة ما في مكان ما.

لكن ما يؤلم بعد هذه الواقعة، أنّ اللبنانيّين لم يتّعظوا ممّا حدث معهم وبهم. فلم نرَ أيّ تحرّك شعبي على قدر الحدث الذي أودى بأكثر من مئتي ضحيّة وأكثر من ستّة آلاف مصاب ودمار هائل منذ تاريخ وقوعه وحتّى ساعة كتابة هذه السطور. وفي ذلك لجوء إلى علم نفس الاجتماع الذي استعملته هذه المنظومة الحاكمة بالاستناد إلى هرم الباحث الاجتماعي «ماسلو» الذي وضع الحاجات الأساسيّة للإنسان في قاعدة الهرم؛ وهذه التي اعتمدت المنظومة على إفقادها للناس ليتلهّوا بكيفيّة الحصول عليها من الدّواء، إلى المأكل، وتنكة البنزين. عندها تتركُ المنظومة لتخطّط في كيفيّة طمس حقيقة هذا الإنفجار، والمتابعة في استغلال النّاس وامتصاص ما تبقّى من حياة في عروقهم، من دون أن تلقى أيّ مقاومة تذكر.

من هذا المنطلق، تابعت هذه المنظومة مسارها في تدمير ما تبقّى من الدّولة، وأولى بشائر انحلال المؤسّسات سيكون بنجاحها في طمس حقيقة انفجار الرابع من آب. وهذا ما يجب ألا يُسمَح لها بتحقيقه، مهما كانت الأثمان التي ستدفع. اليوم وفي مناسبة الذكرى الأولى، يجب البحث في كيفيّة الوصول إلى هذه الحقيقة عبر المؤسّسات الباقية من دولتنا العزيزة لأنّ المجتمع الدّولي لا يؤمن إلا بعمل المؤسّسات. من هنا، يجب متابعة الضغط على المجلس النيابي بدءاً برفع الحصانات عن الأسماء التي رفعها القاضي بيطار، ووصولاً إلى رفعها بطريقة جماعيّة وكاملة عن أركان هذه المنظومة مجتمعين. والحصانة الوحيدة التي يجب أن تؤمّن هي للقاضي بيطار ليستطيع الوصول إلى خلاصة الحقيقة في عمله القضائي.

كذلك يجب المطالبة بلجنة تقصّي حقائق دوليّة لتكون المساعِدَة في عمل القاضي بيطار لعدم الثقة بعمل بعض الأجهزة المحلّيّة التي نجحت المنظومة بتطويعها لحسابها. وحدها الحقيقة في انفجار الرابع من آب تنقذ ما تبقّى من وجوديّة للدولة في لبنان. وهذه مسألة سياديّة ستشكّل الأساس في عمليّة استعادة سيادة الدّولة المسطوِّ عليها من «حزب الله» بقوّة سلاحه خدمة لمشروعه الأيديولوجي ما وراء الحدود اللبنانيّة.

الحقيقة هي السبيل الوحيد لإنقاذ الدّولة. ومن دون هذه الحقيقة لا مجال لاستعادة السيادة لأنّ الرابط بين الحقيقة والسيادة هو رابط جوهريّ سيؤدّي حتماً إلى تحرّر لبنان بالكامل من الذين يطمسون هذه الحقيقة منذ أربعة عقود وأكثر. الرابع من آب هو انفجار الإنسانيّة في بيروت. تلك الإنسانيّة التي تركت لبنان يواجه مصيره على قاعدة لا يأتي الخلاص إلا من أهل البيت أنفسهم. من هنا، ما لم يقل اللبنانيّون اليوم كلمتهم وما لم يحافظوا عليها إلى ما بعد الرابع من آب لن تقوم أيّ قيامة للبنان. وإن لم يساعد اللبنانيّون أنفسهم بأنفسهم وبزنودهم، لن يقدِم المجتمع الدّولي على خطوة واحدة باتّجاه المؤسّسات لأنّه لا يعمل إلا عبرها. فهل ستشكّل حقيقة الرابع من آب مدخلاً لاستعادة السيادة، وبالتّالي الدولة؟